الطريق إلى دمشق..فبيروت

حتى الآن، لا منتصر في الحرب السورية. لا سياسة ولا أفق. بزة القتال، الأعلام السود، القصف من فوق، المجازر من تحت، البراميل فوق المدن، هي المفردات السائدة، إلى جانب بيانات بأعداد القتلى. فوهة الموت مفتوحة أمام القاتل والقتيل… إذًا، الطريق إلى دمشق لم يعبرها بعد شاوول، ليهتدي إلى إسمه بولس، ويؤمن بأن حلًّا ما، نصف حل ما، التفكير بحل ما، ممكن. كأن أبد الحرب هو فاصلة في الزمن السوري.

حتى الآن، لم ينتصر أحد على أحد في لبنان. لا دماء ولا سياسة ولا أفق ولا بزات قتال، إنما الطرق إلى بيروت مقفلة من كل الاتجاهات. لا فضيلة البتة في تكرار ما آلت إليه فصول الشلل في الرئاسة والتشريع والمؤسسات (لولا بارقة محاربة الفساد لإنقاذ سلامة الغذاء). القطيعة تامة بين خندق «14 آذار» الرخو، وبين تخوم «8 آذار» المتصدعة. لا تفكير بحل ما ولا تسوية ممكنة، والانقسام الدامي في سوريا، يرخي بثقله الكبير على الجميع.
وفي هذا المسار، يلتقي لبنان وسوريا. دمشق ذاهبة في حروبها إلى استنزافها، وبيروت ماضية في انتظاراتها، لحظة «الخلاص» السورية المؤجلة. لذا، لا رئيس، مهما حاول الرئيس نبيه بري، ذر الآمال في الأقوال، بلا أفعال. ومن ينظر إلى أن المسألة هي في مَن يمثل المسيحيين ومَن يجب أن يكون شبيها بقوته للزعيم السني في رئاسة الوزراء، وللزعيم الشيعي في رئاسة المجلس، مشتبه. الرئاسة في موازين الخارج، وهي المقرِّرة بنسبة فاصلة، لا تقيم وزناً لأوزان المرشحين. لذلك، فهي تنظر إلى الجنرال ميشال عون، على أنه يمثل سياسة، لا طائفة. سياسية الجنرال، إن تبوأ المنصب، ستكون منحازة أو مسايرة أو متعاطفة مع محور يمتد من إيران إلى الملف النووي مرورًا بسوريا والمقاومة. لن يمس الجنرال سلاح «حزب الله». سيسعى لتحسين صورته، سيهتم بـ»الروتوش» وسيربط السيادة بالتحرير. هذا هو الرجل. وهكذا ينظر إليه… متروك للبنانيين التسلِّي بما يقال عن دقة التمثيل وصحته، على جدارة هذا الكلام، في العصف الطائفي الذي يجيد اللبنانيون الخوض فيه.
سمير جعجع هو مرشح 14 آذار بجدارة الالتزام بالمحور السعودي وامتداداته. تاريخه في هذا الصدد لا يلاحقه. تمت تبرئته مرارًا. صار الحصان الأبيض. وهو يمثل اتجاهًا مناقضًا لاتجاهات الجنرال عون. فهو ضد سلاح المقاومة على طول تاريخه. وهذا ما يناسب أعداء «حزب الله»، من أميركا وأوروبا إلى منظومة الخليج السنية. وهو في هذا المجال لا يوارب ولا يلبس قفازات، وعداؤه للنظام في سوريا يعود إلى ما قبل الثورة السورية، حتى أنه تطرف وعاث أخطاءً، عندما قلل من تعصب وتكفير التكفيريين. عداؤه لسوريا أكبر من عمره، فهو ورث العداء الانعزالي لسوريا، وعوّض عنه بالارتماء في أحضان خصومها.
الاثنان نقيضان وأساسيان في محورَين مشتبكَين على امتداد خريطة المنطقة الشرقية.
الطريق الثالث إلى بيروت، محفوف بلغز المرشح الوفاقي المرجح أن يكون البديل عن الثنائي عون وجعجع. وهو ترجيح وهمي.
المرشح الوفاقي الذي يتمتع بشهادة «عدم الانحياز» و»الوسطية»، والذي يتسم بالليونة ونعومة التصريحات، مختبئاً في منطقة رمادية، بحيث لا يبدي رأيًا في مسألة خلافية، وهي حال معظم المرشحين السريين الموارنة، مثل هذا المرشح، يناسب فريق «14 آذار» ولا يتمناه فريق «8 آذار». من طبيعة المرشح الوفاقي في الأصل الوجودي له، أن يكون صديقًا للسعودية، يحظى بتأييدها. تاريخه يدل على أنه سعودي كأكثرية المرشحين الوسطيين، وأن انتماءه هذا سابق على أي انتماء. لذا، لن يكون ندًّا لها أو معاندًا لها أو معاتبًا لها، أو عاتبًا عليها بالسر. فللسعودية في لبنان، حضور قوي، والاصطدام بها والنأي عنها، غير ممكن ولا يتسم بحكمة «لبنانية» عريقة. ويسهل على «المرشح الوفاقي» أن يكون ضد سلاح المقاومة، أو مزعجًا له، أو مناورًا عليه، أو متآمرًا عليه. وهذه المواقف، رهن موازين القوى. كلما ضعفت سوريا في لبنان، مالت رئاسة جمهورية ميشال سليمان إلى السعودية، وقاطعت دمشق، وعلى سيرة الرئيس سليمان، يسير الوسطيون، وقد يصلون إلى إشهار «تحيا السعودية».
«حزب الله» ومن معه، ما عاد يطمئن إلى مرشح وسطي. ومن هنا يمكن تفسير تمسكه السابق بالتمديد الكارثي للرئيس لحود، وبترشيح العماد عون للرئاسة. البدائل غير متوفرة. فأي مرشح وسطي، مضطر أن يكون على صورة وليد جنبلاط، القادر على أن يكون هنا وهناك وهنالك وفي أي مكان، ومستعداً لأن يفك ارتباطاته بأصدقاء ويعيد الاتصال بالأعداء، باستثناء حرصه الشديد على علاقته «الخاصة» كما يقول، بالملك عبد الله، أي بالثابت السعودي.
مشكلة الرئاسة في لبنان هذه المرة، لا تشبه الشغور الذي تعرضت له رئاسة الجمهورية مرارًا، وتأليف الحكومات، دونها مطبات عديدة، عندما تجاوزتها الولايات المتحدة الأميركية، ألفتها وسمحت بتشكيل هذه الحكومة. كانت تريد استقرارًا داخليًّا، تؤمنه سلطة من كل الأطراف. فالتقت «8 آذار» بـ»14 آذار» في حكومة واحدة.
الطريق إلى دمشق مقطوعة. لن يصلها أحد قبل الحسم العسكري المستحيل في المدى المنظور، (عشر سنوات وفق التقديرات العسكرية الأميركية) أو قبل الحل السياسي الذي لم يكتب فيه سطر واحد. ولذلك، فإن المخاطر على لبنان، ليست في ما يسمى الفراغ، انتخاب رئيس جديد لا يملأ الفراغ. الفراغ اللبناني كيان أساسي فيه. هو فارغ ويتلقى من الخارج امتلاءه. الخوف على لبنان من تداعيات الحرب السورية الخطيرة على لبنان. «داعش» ليست عابرة. هي دولة إقليمية عظمى، تحاربها دول وأحزاب ومنظمات وعشائر، وتحارب الجميع على كل الجبهات… قد تتعب الأحلاف العسكرية المحاربة لـ»داعش»، أما هذه فلا تتعب. مستعدة أن تذهب إلى الحرب الدائمة ولو أدى ذلك إلى الانتحار.
قد يصمد النظام ولكنه قد يتعب ويتقلص حضوره. استفادته من القصف الجوي لـ»داعش»، موقتة. هو لن يكون البديل إذا هزمت «داعش». أمر النظام غير محسوم. ولذلك فإن الخطر من دمشق على بيروت فظيع ومريع. فلنتصور أن تتفكك سوريا، وأن تكون صورتها العسكرية اليوم ميدانيًّا، هي صورتها السياسية في ما بعد، أي مجموعة كيانات طوائفية وعرقية. بعضها محاذٍ للحدود مع لبنان. فهل يبقى لبنان؟
إن التاريخ بليغ في تلقين الدروس. دمشق وبيروت توأمان، لا يتشابهان، أخوان نقيضان. والأدلة كثيرة: عندما سقطت دمشق بعد معركة ميسلون، أنشأ الجنرال غورو لبنان الكبير. وعندما سقطت القيادات الوطنية السورية بسبب القمع وتعبت من النضال، في العام 1936، أقنعت اللبنانيين بأن يستقل كيانهم عن سوريا. وغدًا، إذا سقطت دمشق، كعاصمة لسوريا، فمن المرجح أن يبقى لبنان كما هو. سيسقط وسيكون سقوطه عظيماً.

http://assafir.com/Article/18/385878

السابق
الإفراج عن مواطنين اختطفا في طرابلس
التالي
المياومون قطعوا الطريق المؤدية الى صور