استقلال؟ عن أي استقلال يتحدثون؟

لبنان
عيد اسقلال جديد يمر على لبنان، مع اختلاف بسيط أن هذه السنة كرسي الرئاسة وقصر بعبدا سيكونان فارغين من زوارهما، ولكن كما كل عام يتساءل اللبنانيون: عن أي استقلال يتحدثون؟

رغم قناعة اللبنانيين بأن لبنان لا يزال بلدا غير مستقل بقراراته وخياراته المرهونة بدول إقليمية بفضل الأحزاب الحاكمة، ما زلنا نشهد مراسم إحتفالات رسمية وشعبية في 22 تشرين الثاني من كل عام، بعيد الاستقلال المزعوم. لكن الفارق الوحيد هذا العام أن الذكرى71 للاستقلال ستكون رهينة الفراغ الرئاسي، وهذا يعني أن عيد الإستقلال هذا العام سيمرّ بدون احتفالات واستقبالات رسمية في قصر بعبدا، المهجور منذ أشهر بسبب تقاعس النواب عن انتخاب رمز الدولة ورئيسها.

المدارس اللبنانية، وكما كل عام، نظمت إحتفالات ومسيرات لطلابها بعيد الإستقلال، وزّعوا الأعلام اللبنانية؟ غنّوا النشيد الوطني وألقوا الكلمات التي تمجد وترسخ تاريخ الإستقلال في عقول الطلاب.

هذه الإحتفالات التي تجرى كل عام في المدارس تزرع في الأطفال حباً وولاءً للوطن، وفخراً بالشهداء ولكل من ثار من أجل الحصول على الإستقلال، تشعرنا بأننا نعيش في بلد حر سيد مستقل، انتصر على الإستعمار والإنتداب وتحرر من كل القيود الخارجية. لكن عندما نكبر وننخرط في مجتمعنا أكثر، ندخل الجامعة ومن ثم نبدأ العمل فنصطدم بواقع مغاير لما أوهمونا به طوال سنوات الطفولة، نعيش إنتدابا واستعمارا من نوع آخر عبر الأحزاب التي تأخذ أوامرها من خارج حدود الوطن.

71 عاما على إعلان لبنان دولة مستقلة، لم نصل حتى هذه اللحظة الى العناصر الأساسية التي تتكون منها الدولة، وهي الحكومة، الشعب والحدود. شعبنا منقسم طائفياً ومذهبياً، حدودنا متداخلة مع سوريا، تنتظر قرار الترسيم لضبط الحدود الخارجة عن سلطة الدولة، أما الحكومة التي من المفترض تحمي لبنان، تعلق مصيرنا ومصير الوطن بالمتغيرات والأحداث الإقليمية.

في البداية نرفض الإعتراف بالواقع المتناقض لما تعلمناه في كتب التاريخ والتربية، لكننا مع مرور الزمن إما أن نقبله ونتعايش معه لنصبح جزءاً منه، عبر انخراطنا في الأحزاب الطائفية، أو نرفضه ونختار الهجرة التي كانت وما زالت خيار كثير من اللبنانيين… او نحاول المقاومة لنصل إلى لبنان الذي أحببناه وحلمنا به منذ الطفولة. رغم أنه الخيار الأصعب من حيث التطبيق والنتيجة لأننا من الممكن أن نموت من دون أن نستطيع التغيير كما أسلافنا الذين ماتوا حاملين معهم شرف المحاولة.

عيد الإستقلال الذي كنا نغنيه ونحتفل به في طفولتنا، أصبح مصدر استفزاز لنا اليوم، مصدر إستفزاز لأننا لم نعشه يوماً، خلال71 عاماً مرت على لبنان، عاش اللبنانيون خلالها حروبا اهلية، قسمت اللبنانيين طائفياً، فذبحوا بعضهم بعضا “على الهوية”. وأصبح لكل طائفة مناطقها وحدودها، وكان لمنظمة التحرير الفلسطينية دور أساس في الحرب الأهلية التي استمرت عشرين عاماً. خلال الحرب الأهلية إجتاح العدو الإسرائيلي لبنان أكثر من مرة، حتى وصل الى العاصمة بيروت. دخل الجيش السوري إلى الأراضي اللبنانية تحت مسمى قوات الردع العربية، للتفريق بين الأطراف المتنازعة، لكنه حارب كطرف أساس في الحرب، وبعد اتفاق الطائف عام 1989 أصبحت الوصاية السورية واقعا تعايش معه الكثير من اللبنانيين، إلا أن قلة منهم رفضته، فكان مصيرهم إما الإعتقال او القتل أو النفي خارج الوطن. وصولا الى 14 شباط عام 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي شكل استشهاده شرارة انطلاقة ثورة الأرز التي طالبت بخروج الجيش السوري من لبنان، وانهاء الوصاية السورية، مقابل فريق من اللبنانيين رفض إنهاء الوصاية، وانقسم اللبنانيون مجدداً…

بدعم دولي خرج الجيش السوري من لبنان، ظن العديد من اللبنانيين اننا أخيرا أصبحنا بلدا مستقلا، لكن النظام السوري ترك وراءه موالين لا يزالون ينفذون أوامره حتى اليوم، أما من طالب بإنهاء الوصاية حينها فعاد وارتبط بأجندات إقليمية.

فكيف ينظر اللبنانيون إلى الإستقلال في ظل الفراغ الرئاسي؟

الممثل والمسرحي زياد عيتاني انتقد عبر صفحته الخاصة على فايسبوك طلاب الإعلام في الجامعة اللبنانية الذين قاموا بعرض عسكري لمناسبة الاستقلال، وقال في حديث لـ«جنوبية» :«هم طلاب جامعة، كان بإمكانهم تنظيم رحلة لمشاهدة العرض العسكري». وعن الإستقلال في ظل الفراغ، تساءل عيتاني: «ليش هيدا بلد؟ هل لدينا مقومات الدولة لنحتفل بالإستقلال، لا يوجد رئيس الجمهورية، مجلس النواب والحكومة لا تنتج، من المعيب على الحاكمين والمسؤولين أن يحتفلوا بالإستقلال».

أما مايا فكان رأيها مخالف: « لم يتغير شيء برئيس أو بلا رئيس»، والتي توافقت مع ميمنة التي قالت: «الرئيس عنا ديكور، حتى الديكور ما بدن يتركولنا! أساسا لم أشعر يوم أني في بلد مستقل كلهم مرهونون للخارج».

هذه السنة نطوي صفحة جديدة من تاريخ لبنان، مع تشاؤم كبير وتفاؤل قليل، الديمقراطية التي تغنينا بها سلبوها بتمديد النواب لانفسهم مرة ثانية، وكرسي الرئاسة فارغ لأن الدول التي تسمي الرئيس منشغلة بأزمات أخرى…

السابق
مالك «أكاسيا»: عميل مخدرات مزدوج لإسرائيل وحزب الله؟
التالي
الضاحية الجنوبية لا تحتفل بعيد الإستقلال