وأخيراً.. انكسرت الثنائية الصنمية بين 8 و14

خاضت الجامعة الاميركية في بيروت الاستحقاق الذي عجز عنه اللبنانيون. استضافت صناديق الاقتراع بعدما طردتها المؤسسات الدستورية اللبنانية، وشرّعت ابوابها وملاعبها لشباب يبحثون عن مدى يسمع اصواتهم ويعبرون فيه عن رأيهم.
جاءت نتيجة فرز الاصوات مساء الثلاثاء، الكترونياً للمرة الاولى كما الاقتراع، لتعكس بطبيعة الحال المشهد السياسي العام. حسم الحزب التقدمي الاشتراكي المعركة لصالح “قوى 14 اذار” لينالوا 8 مقاعد في الحكومة الطلابية مقابل 6 مقاعد ل”قوى 8 أذار”.
الا ان قالب الجبنة لم يحتكره فريقي 8 و14 كما جرت العادة، فثمة لاعب اضافي خاض المعركة للسنة السادسة على التوالي، وحجز للصوت المختلف مكانا في الندوة التمثيلية. فبعدما فاز العام الماضي بمقعدين، حقق “النادي العلماني” هذا العام تقدماً لافتاً وفاز بأربعة مقاعد.
تجربة المستقلين في الجامعات اللبنانية، كما المستقلين في الانتخابات البلدية والنيابية والنقابية، طالما كانت تجربة هشّة ولا تؤخذ على محمل الجدّ. الامر الذي لا يشبه واقع النادي العلماني في الجامعة الاميركية.
ضغوطات كثيرة مورست عليهم من كلا الفريقين، تشكيك باستقلاليتهم واتهامات بارتباطات خارجية لهم. الا ان المعركة الديمقراطية أنصفتهم واثبتوا انهم يشكلون مجموعة ضغط لا يستهان بها، بحيث يضم النادي 300 عضواً، كما كشفت رئيسته بوليانا جحا في حديث لموقع “ليبانون فايلز”.
الرفض القاطع للانضواء تحت راية اي فريق سياسي يبدو واضحا في كلام جحا، فهذا النادي ليس الا تعبيرا عن مجموعة من الطلاب الذين يمثلون شريحة كبيرة من الشباب اللبناني يقومون بحركة مستقلة، علمانية وبديلة عن الطائفية، والاهم انها بديلة عن كلا الفريقين أكان 8 أو 14 أذار.
وبعيداً عن الشعارات الرنانة، والانعزال في الشعارات العلمانية الكبرى، نزل هؤلاء الطلاب على الارض وأطلقوا حملتهم الانتخابية منذ اواخر شهر آب الماضي، ليثبتوا انهم يدركون جيدا ماذا يريدون. تجلى ذلك في حملتهم المنظمة جداً والتي خاطبوا من خلالها زملاءهم الطلاب ودعوهم لاختيار مصلحة جامعتهم والبرنامج القادر على خدمتهم داخل جامعتهم بعيداً عن الجو السياسي الخارجي.
تؤكد جحا مجددا ان لا علاقة للنادي بأي حزب سياسي انما هو حركة مستقلة تماماً، تعمل وفق ما تقتضيه مصلحة الطلاب والجامعة. وان هذه السياسة التي ستطبقها في كيفية اختيار رئيسا للحكومة الطلابية، مؤكدة انه سيكون هناك مرشح للنادي العلماني ولن يتم التحالف مع اي من القوى السياسية. وهنا تجدر الاشارة الى انه في ظل الانقسام الحاد ما بين 8 و14 سترتفع بطبيعة الحال اسهم مرشح النادي العلماني، في حين يلعب “الاشتراكي” دورا وازناً ايضا.
صحيح انها انتخابات طلابية، الا ان مفعولها لا يجب ان ينتهي عند أسوار الجامعة الاميركية في الحمرا. فعلّ هذه العدوى تصيب جميع اللبنانيين لكسر هذه الثنائية المتحكمة بالبلد منذ العام 2005، وخلق مشهدية سياسية مختلفة بعيداً عن الانقسام الحاد بين اللبنانيين على اساس طائفي ليس الا.
النادي العلماني تجربة تستحق التوقف عندها، لانها من بين حركات قلّة ترجمت اقوالها فعلاً وخاضت تجربة صناديق الاقتراع وكسرت ثنائية الانقسام في موقف وحدوي يجمع كل اطياف البلد، في حين عجز عن القيام بهكذا تجربة مَن هم أجدى بها من محامين ومهندسين واطباء في انتخاباتهم النقابية.
الحلم بنادي علماني وطني قد يكون من ضروب المستحيل في زمن الفتن الكبرى، وزمن التمديد للديكتاتورية المقنعة. ولكن دعونا نفرح قليلاً ونهلّل لشباب كسروا أخيراً صنمية المشهد السياسي بين 8 و14.

السابق
هل بدأت المنافسة بين Hawa Chicken وأبو فاعور؟
التالي
في رثاء فحص: «هاني…أقلني من رثائك»