«المخيّمات» بيئة متعاطِفة لا حاضِنة… حتى الآن

يعرف فلسطينيو لبنان، وخصوصاً الذين منهم في المخيمات، أن ربيع سوريا الذي تحوَّل حرباً أهلية – مذهبية قد وضعهم في موقف دقيق وحرج. فمن جهة اضطر الإسلاميون الجديون والممثِّلون منهم إلى الاختيار بين تحالف مزمن مع نظام أمّن لهم عمقاً جغرافياً ودعماً سياسياً وحماية فعلية وبين تعاطف مع ثوار سوريا وسائر الثوار في دول عربية عدة. فاختاروا الثوار الذين مثَّلوا ولا يزالون يمثِّلون غالبية الشعب السوري رغم خلافاتهم التي مكَّنت التيارات الإسلامية السنّية المتشددة جداً من إضعافهم ومصادرة ثورتهم. والدافع إلى الاختيار كان أنهم لا يستطيعون الوقوف ضد شعب كان فقراؤه يجمعون لهم تبرعات مالية كل يوم جمعة. ومن جهة أخرى اضطر الإسلاميون الفلسطينيون أنفسهم إلى الاختيار بين تحالف مزمن أيضاً بينهم وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمّن لهم دعماً سياسياً وسلاحياً ومالياً احتاجوا إليه ولا يزالون، وبين الثوار السوريين المشار إليهم أعلاه. فاختاروا الثوار لأنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار حلفاء لقائد معسكر تتَّهمه الغالبية في الشعوب العربية وهي “سنّية” بتنفيذ أجندتين مؤذيتين لها. واحدة قومية (فارسية) وأخرى مذهبية. ولا يخفى هنا أن الانتماء “الإخواني” للتنظيم الإسلامي الأكبر والأفعل على الساحة الفلسطينية، لعب دوراً مهماً في الاختيارين المذكورين أعلاه.

ويعرف فلسطينيو لبنان إياهم أن سيادة الطابع المذهبي للحرب في سوريا والعراق واليمن وللصراع في البحرين وللصراع الإيراني – السعودي وللتنافس الصراعي – الإيراني – التركي، وللحرب المذهبية سياسياً وأمنياً حتى الآن في لبنان دفع المذهبية الفلسطينية إلى الاستيقاظ، وجعل التعاطف مع الذين يحاربون النظام السوري وأجندتي إيران وكل المتعاملين معهما واسعاً وكبيراً.
هل وصل التعاطف المشار إليه إلى حد الاحتضان للحركات الإسلامية السنّية المتطرفة أو المعتدلة التي تواجه نظام الأسد ودولاً أخرى منها لبنان وأجندتا إيران القومية والمذهبية؟
تجيب مصادر فلسطينية “مسلِمة”وأخرى إسلامية غير تكفيرية بالاعتراف بوجود تعاطف مذهبي لغالبية فلسطينيي لبنان مع السنّة فيه وفي العالم العربي. وتؤكد أمراً يعرفه اللبنانيون وغيرهم هو أن تنظيمات إسلامية أصولية متشددة فلسطينية موجودة في المخيمات صارت بيئة حاضنة لمثيلاتها اللبنانية والسورية والمتنوعة الجنسيات. لكنها تلفت إلى أمر مهم جداً هو أن أشكال الاحتضان لا تزال “مقبولة أو معتدلة”، مثل قبول لاجئين في المخيمات هرباً من الأمن والقضاء اللبنانيين بعد إشكالات واشتباكات حصلت بينهم وبين القوى الأمنية والعسكرية، أو مثل عدم الاعتراض على خروج فردي لفلسطينيين من المخيمات بغية الانضمام إلى حركة “جهادية” تقاتل في سوريا أو العراق أو غيرهما، أو مثل عدم تسليم هؤلاء إلى السلطة اللبنانية رغم مطالبتها بذلك.
ويبدو استناداً إلى المصادر نفسها أن أحداً من التنظيمات الكبيرة والقادرة في المخيمات لا يفرض التسليم المذكور أعلاه، لكنها تستعيض عنه باطلاع السلطة على المعلومات التي تتوافر عندها من هؤلاء المطلوبين والتي تمكِّن قواها الأمنية من الاستمرار في مكافحة الإرهاب. كما أنها تستعيض عنه بأمر آخر هو قرار اتخذته كل الفصائل المعتدلة والمتشددة إسلامياً أو قومياً بعدم الانجرار إلى الحرب في لبنان إذا نشبت أو إلى الصراع الدائر الذي قد يوصل إليها. وقد شكَّلت لجنة من 200 عضو مهمتها منع التورُّط، وفي الوقت نفسه منع الاقتتال الفلسطيني الداخلي لأن لا مصلحة لها وللقضية في ذلك. والأحداث التي تحصل أحياناً داخل المخيمات فردية. وتعترف المصادر بان مهمة اللجنة ليست سهلة لأن مذهبية شيعية تواجه المذهبية السنية. ولأن جهات لبنانية عدة وغير لبنانية تطلب دائماً العون من فلسطينيي المخيمات (يوم المعركة مع الأسير في صيدا) وقبل نحو أسبوعين، وهي تمارس الضغط أحياناً للحصول على مبتغاها، وهي تنتمي إلى كل أفرقاء الصراع الدائر. لكنها تنهي بالإشارة إلى قلق في حال احتدام الصراع داخل لبنان وخارجه من عدم القدرة على ضبط المخيمات وخصوصاً إذ حصلت تطورات داخلية مهددة لهم أو تطورات سورية – لبنانية مماثلة، أو إذا ضغط أطراف خارجيون يمتلكون السلطة والمال من أجل دفع المخيمات إلى التورُّط.

السابق
وقف التحريض للحؤول دون انتفاضة ثالثة
التالي
توقيف 4 بينهم شيخ بجرم تجنيد أشخاص للانضمام الى داعش