«داعش».. إغراءات الخطاب الديني

في الساحة العراقية تحديدا، يركز «داعش» كثيراً على حوافز اقتصادية يوفرها للمنضوين تحت رايته عند الفئة العمرية المتقدمة بالسن نوعا ما، فيما تمثل الشعارات الدينية عنصر جاذبية قوية، أكثر إغراء عند جيل الشباب.

في المقابلات والدراسات التي أجريت مع زعماء عشائر سنية، أصبحت شعارات «داعش» أكثر وضوحا. فعندما بدأ التنظيم باحتلال الاراضي العراقية، وجد العراقيون انفسهم، لا سـيما السنة أمـام اربعـة خـيارات احلاهـا مر: إمـا الفـرار أو التعرض للقتل أو الدفاع عن النفس أو اللجـوء إلى «داعش». ولا شك أن اختيار الدفاع لم يكن عملا صائبا في ظل حـل «الصحوات» وبالـتالي عـدم وجـود سلاح كاف يجعل من خيار المواجهة أمراً واقعياً. إن المواجهة في ظل عدم توفر السلاح المطلوب أشبه بالانتحار الجماعي. ولما لم يكن الفرار أمراً مطروحا عند الكثيرين، فإن الخيار كان الالتحاق بـ«داعش» وان لم يكن خياراً ناتجاً من قناعات عقدية.
في الساحة العراقية تحديدا، يركز «داعش» كثيراً على حوافز اقتصادية يوفرها للمنضوين تحت رايته عند الفئة العمرية المتقدمة بالسن نوعا ما، فيما تمثل الشعارات الدينية عنصر جاذبية قوية، أكثر إغراء عند جيل الشباب.
لم يكن من الصعب ملاحقة الجـذور الفكـرية لتنظيم «داعش» ومحدداته العقدية، فالقواسم المشتركة مع تعاليم «الحركة الوهابية» تبدو واضحة للعيان وان في نسختها الاولى من القرن الثامن عشر، لكن ما ينبغي عدم إهماله ايضا ان هذا التنظيم قد تجاوز في مكامن عديدة الفكر الوهابي نفسه. ولعل أخطر أفكار هذا التنـظيم هو ايمـانه بكفر المجتمعات، ما يعني أن المجـتمع برمتـه كافر الا من ثبت بالدليل أنه مسلم. والمسلم عندهم هو من آمن بالفكر الذين يدينون به حصراً دون غيرهم. والواقع أن أصل تكفير المجتمعات يرجعه البعض الى الفكر الوهابي ايضاً عندما قام المؤسس محـمد بن عبد الوهاب، بالذهاب الى الدرعية لنشر دعوته واعتبارها دارا للهجرة مقابل الدور الاخرى التي تحولت الى دار شرك، في استلهام لمفهوم الهجرة النبوية.
وبهذا النوع من الخطاب غسل الأدمغة بنصوص دينية غير ثابتة، وإن ثبتت فإن لمعظم المذاهب الاخرى، لا سيما السنية منها، تفسيرا آخر لها، أضحى من السهل قيام «داعش» تصوير أعمالها كما لو أنها واجبات أي مؤمن صالح.
مع تعبئة دينية قوية تستفيد من سرد ديني، وخطاب سياسي يرتكز على تاريخ حافل من الاستعمار الغربي وأنظمة عربية قمعية، استطاع «داعش» صنع أيديولوجية يقترحها كبديل للنظام العالمي الحالي.
ويمكن تصنيف خطابات «داعش» وفق اربعة محاور:
1. محاربة العدو القريب من القادة العرب، والذي يعمل وفق المصالح الغربية. وهؤلاء القادة وفق تصنيف البغدادي نفسه هم عملاء للصليبيين وتجب محاربتهم.
2. محاربة العدو البعيد: فـ«داعش» يزعم انه يقاتل أعداءه لا للقضاء عليهم بل لمنعهم من قمع وقتل غيرهم من المسلمين.
3. محاربة الكفار: يقسم «داعش» العالم الى محورين أو فسطاطين كما يحل له التعبير: الإسلام والكفر. ويبقى داعش نفسه ممسكا بأداة القياس التي تحدد المسلم من غير المسلم.
4. تعظيم الخلافة على أسس دينية سلفية: إن إعلان التنظيم عن قيام الخلافة يمثل في أذهانهم ومعتقدهم انتصارا كبيرا، ما يجعلها أكثر استقطابا من تنظيم «القاعدة»، ويكفي أن ننظر الى خطاب البغدادي نفسه في التسجيل الصوتي بعيد اعلان الخلافة لمعرفة كيفية عمل هذا الاعلان في نفوس الاتباع: «يمكنك أن ترفع رأسك عاليا للدولة التي يوجد فيها الأخوة.. فسوريا ليست للسوريين والعراق ليس للعراقيين» لذلك دعا الشباب للهجرة الى هذه «الدولة».
والواقع أن معظم المسلمين ينظرون الى مفهوم الخلافة الإسلامية على أنها الدولـة التي يستطـيع فيها المسلم العيش خاليـا من القـهر وتخـضع لقواعد الإسلام. لكننا هنا امام قواعد الاسلام الداعشي. ويمكن للمرء أن يفهم بسهولة كيف أدى هذا الإعلام الى زيادة عدد المقاتلين الأجانب ومغادرتهم بلدانهم تنفيذا لواجب ديني وطمعا بالعيش بدولة «الخلافة على منهاج النبوة» كما يذكرون في ادبياتهم.
ان تنظيم «داعش» سوف يفقد في المستقبل المتوسط عناصر جاذبيته عند الفئة المنبهرة به وسيواجه تحديات في اساليب الإغراء التي يعتمدها، لا سيما بين الفئات التي تعيش التهميش في المجتمعات العربية.
أما في المدى المنظور فإن العمل على رفع التهميش عن هـذه الفـئات لن يكـون كافـياً بل لا بد من مواكبته بإصلاحات بنيوية في الثقافة الدينـية، لا سيما في دول الخليج، التي يجتاحها الفكر الوهابي، أما الاعتماد فقط على الغارات الجوية والحرب العسكرية كسبيل لعلاج هـذه الظاهـرة، فانـه لن يؤدي الا الى نتائج عكسية سيستفيد منها التنظيم في عملية التحشيد الاعلامي والنفسي لاستقطاب المزيد من الاتباع والانصار، وسنكون حـتماً، عندها، أمام نظام عالمي جديد يعيش التوحـش بأوضح صوره.

 

السابق
ماذا دونت ديانا مقلد حول عملية القدس؟
التالي
حزب الله لا يسمع ولا يقرأ!