سجناء رومية…«يأسرون» أهلها

على بعد أمتار من أوتوستراد نهر الموت، فُرضت اجراءات أمنية مشددة من حرس سجن رومية تخوفاً من اعتداء محتمل من تنظيم “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” وجماعات ارهابية أخرى لاطلاق السجناء الاسلاميين. أدخلت هذه الاجراءات بلدة رومية وسكانها والعاملين فيها والطلاب الذين يرتادون مؤساساتها التعليمية الى “غرفة العناية الفائقة ” في انتظار عودة الحياة الطبيعية. ولا ننسى المرضى الذين كانوا يقصدون مستشفى ضهر الباشق الحكومي عبر هذه الطريق. فالمنطقة المحيطة بسجن رومية تحولت ثكنة عسكرية بامتياز لا يدخلها الا المصرح له من القوى الامنية وبعد عناء تفتيش سيارته. ورغم اقتناع اهالي المنطقة بأهمية هذه الاجراءات، إلا أنهم لا يخفون معاناتهم بسببها. فالسجناء المفترض ان يكون السجن مكان عقاب لهم، أصبح وجودهم يشكل عقاباً ليس للمنطقة فحسب، إنما للوطن بأسره.

زحمة سير يومياً
بداية من زحمة السير التي تحصل يومياً، وتحديداً يومي الثلثاء والخميس عند الحاجز المستحدث قبل منعطف مدخل سجن رومية، فأهالي السجناء الذين يتقاطرون لزيارة أولادهم في السجن لا يسمح لهم الدخول الى المنطقة المعزولة كما أهالي المنطقة المصرح لهم، فيركنون سياراتهم في الخارج على طرفي الطريق، ما يسبب زحمة سير تؤخر القاطنين في محيط الحاجز عن أعمالهم. المواطن روني مير الهوا الذي لم يخفِ انزعاجه من الاجراءات التي تؤخره عن عمله كل يوم، قال لـ”النهار”: “على رغم الوجع المعنوي الذي نعانيه نتيجة الاجراءات الا انني اتحمله اذا كان البديل وصول مسلحين الى المنطقة لتفجير السجن واخراج بعض المجرمين”. وأضاف: ” ما نتعرض له لا شيء امام تضحيات الجيش في عرسال وطرابلس”. ميشلين تشكو بدورها من زحمة السير، لكن معاناتها الاساسية تكمن في ان “ابنتها تدرس في المدرسة الانطونية في رومية، وفيما كانت عملية ايصالها تستغرق 5 دقائق باتت الآن تتطلب ساعة”. وتابعت: “أصبحت اليوم امام خيارين، الأول سلوك اوتوستراد المتن السريع للوصول الى المدرسة، والثاني ان أسجلها في باص المدرسة المسموح له بالعبور الى داخل المنطقة المعزولة من دون أي معوقات”.

هل الاجراءات كافية؟
تربوياً الوضع ليس افضل. فتلامذة الانطونية وطلاب الجامعة اللبنانية يعانون أيضاً من إغلاق هذه الطريق، لأن عناء الوصول الى مدرستهم وجامعتهم بات اصعب. وتقول مديرة ثانوية “مار ضومط للراهبات الانطونيات” الاخت باسمة الخوري ان “الوضع صعّب الحياة على الجميع في المنطقة رغم الاطمئنان البسيط الذي عكسته الاجراءات لجهة منع اي اعتداء محتمل على السجن ومحيطه”. وشرحت لـ”النهار” معاناة اهالي التلامذة بسبب الاجراءات الامنية، قائلة: “قبل هذه الاجراءات كان يتوجه عبر هذه الطريق يومياً 4 باصات تابعة للمدرسة ومئة سيارة تقريباً، لكن بعدها أُجبرنا على شراء المزيد من الباصات لأن دخول الأهالي من المدخل السفلي بات صعباً من غير تصريح القوى الامنية، علماً انه ليس في إمكان جميع الاهالي تسجيل اولادهم في باص المدرسة بسبب الوضع المادي الصعب”.
وأضافت: “الضابط المسؤول عن التصريحات أفادني أن ليس هناك مشكلة في إعطاء تصريحات لأهالي التلامذة الا ان ذلك لن يخفف من المعاناة لأن كل سيارة ستخضع للتفتيش، وفي حال تطلب الأمر دقيقتين لكل سيارة، فوقت الانتظار على الحاجز يصبح نحو مئتي دقيقة، واذا اخذنا في الاعتبار عدد السيارات وزحمة السير الذي يتسبب به، فيستحسن سلوك الطريق الى المدرسة عبر اوتوستراد المتن السريع”. وعبّرت الخوري عن معاناة اهالي تلال عين سعادة، قائلة “ان اهالي المنطقة باتوا سجناء …والمنطقة اصبحت أسيرة بسبب الخطر الامني الذي يمثله بعض السجناء”.
نطالب بعودة المغاوير
اقتصادياً، لم تتأثر المنطقة كثيراً لأن معظم المحال فيها لا تزال مفتوحة. صاحب “ميني ماركت” هيثم الشامي أكد عدم تأثره مادياً بالاجراءات الامنية المتبعة، غير أنه أبدى تخوفاً كبيراً من اي اعتداء محتمل خارج المنطقة المعزولة. وقال لـ”النهار” إن “عملي لم يتأثر كثيراً نتيجة الاجراءات الا في البداية، عندما لم نحصل على تراخيص للموظفين كي يسمح لهم بإيصال المشتريات الى المنازل الموجودة داخل المنطقة المعزولة، وحصولنا على التصاريح لاحقا سهل عملنا”. واوضح ان “الشيء الوحيد الذي نشتكي منه حاليا هو ركن سيارات اهالي السجناء ايام الزيارات امام المحال وعند مدخل المنطقة المعزولة، ما يؤدي الى زحمة سير في المنطقة ويرهب السكان، خصوصاً أن هناك سيارات تكون من دون لوحة تعرّف عنها، ونتخوّف من ان تكون احداها مفخخة لانه لا يتم تفتيشها كما السابق عندما كان حاجز المغاوير موجودا”. وأضاف: ” نطالب بإعادة حاجز المغاوير لأن ذلك من شأنه طمأنة الأهالي خصوصاً لجهة تفتيش اي سيارة مشكوك فيها”.

المحتجون من خارج المربع الامني
من جهة أخرى، أكد مصدر أمني لـ”النهار” ان “الاجراءات المتبعة في محيط سجن رومية كفيلة بمنع حصول اي اعتداء محتمل، وهي عبارة عن حواجز وبلوكات باطون لمنع وصول اي شاحنة او سيارة مفخخة الى باب السجن بسهولة”. وأوضح المصدر ان “الاهالي الموجودين داخل المنطقة المعزولة وهي بمساحة نحو كلم مربع صعوداً وثمانمئة متر مربع نزولاً يتعاونون بشكل جيّد مع الاجراءات التي نفذناها ولا يشتكون منها، ونحن نعمل على تسهيل شؤونهم الا اننا مضطرون الى تفتيش نحو مئتي سيارة تدخل وتخرج كل يوم حفاظاً على سلامتهم”.
وأضاف ان “الحاجز يسهل مرور زوار السكان الموجودين في المربع الامني بعدما يتم التصريح لنا عنهم وتفتيش سياراتهم عند الدخول، والامر عينه ينطبق على الاشخاص الذين يقصدون القاطنين في الداخل لتقديم خدمات لهم”، في المقابل، اعتبر المصدر ان المتضررين الوحيدين “هم القاطنون في محيط السجن بسبب زحمة السير التي تحصل عند زيارات اهالي السجناء ودخول القاطنين وخروجهم او الاشخاص الذين كانوا يقصدون تلال عين سعادة ومحيطها عبر هذه الطريق التي اغلقناها وباتوا مجبرين على اعتماد طريق المتن السريع للوصول الى الاماكن التي يقصدونها”. واشار الى ان “مرور سيارات الاشخاص القاطنين في المحيط الخارجي للسجن لن يكون سهلاً في هذه المرحلة حتى لو حصلوا على تصريحات لأن عدد سيارات قاطني المربع الامني، بالاضافة الى حركة دخول فوج المغاوير وخروجه، عاملان يتطلبان المزيد من الوقت ويسببان بعض العرقلة لاننا مجبرون على تفتيش جميع السيارات، ما يتطلب وقتا كبيراً ويجعل التوجه عبر طريق المتن السريع افضل بكثير من الدخول والخروج عبر طريق السجن”.

أمام هذا الواقع، وفي انتظار أي خطة امنية بديلة من الجاري تنفيذها حالياً، كنقل السجن او السجناء الذين يشكلون خطراً على المنطقة الى مكان اخر، مسلسل معاناة المواطنين ستتوالى فصوله.

السابق
تدابير سير عند نفق بيروت خلدة لتنظيف مجرى نهر الغدير
التالي
الملك عبد الله سبب رئيسي للخلافات بين الأمة الإسلامية