من لبنان الى تونس: دروس وعبر وافكار للمستقبل برسم الاسلاميين

قاسم قصير

شهد لبنان و تونس  خلال الايام القليلة الماضية حدثان مهمان سيكون لهما تداعيات وانعكاسات غير تقليدية في المرحلة المقبلة.

فقد شهد لبنان حصول اشتباكات قاسية بين مجموعات اسلامية متشددة لها علاقة بجبهة النصرة وتنظيم داعش ومؤيدين لهم من جهة وبين الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية من جهة اخرى مما ادى لسقوط عشرات الضحايا والجرحى وتدمير احياء عديدة في مدينة طرابلس وقد ادت الاشتباكات الى هروب قادة المجموعات وسيطرة الجيش اللبناني على احياء مدينة طرابلس والمناطق الاخرى التي حصلت فيها الاشتباكات.

وفي تونس شهدنا حصول انتخابات تشريعية للمرة الاولى بعد الثورة الشعبية وبعد مرحلة انتقالية استمرت حوالي الاربع سنوات ، وقد شهدت الانتخابات مشاركة شعبية جيدة وادت الى تقدم حزب نداء تونس على حركة النهضة بحوالي الخمسة عشر مقعدا، وقد تعاطت حركة النهضة بايجابية مع النتائج ورضيت بما اسفرت عنه العملية الديمقراطية  وكان للحركة دورا مهما في استكمال المرحلة الانتقالية بعد الثورة والقبول بتشكيل حكومة وطنية تضم عدة قوى اساسية ،كما تنازلت الحركة عن موقع رئاسة الحكومة تسهيلا للعملية الديمقراطية مما مهّد للانتخابات النيابية والتي ادت الى تراجع حصة النهضة النيابية وان كانت بقيت احدى اهم القوى السياسية والشعبية في تونس.

هذان الحدثان يحتاجان لقراءة دقيقة وعميقة لفهم ما يجري والتوصل الى نتائج ودلالات تساعد في كيفية تعاطي الاسلاميين مع المرحلة المقبلة.

فعلى الصعيد  التونسي لا بد من تهنئة حركة النهضة على هذا الانجاز الديمقراطي والذي يؤكد استعداد الحركة الاسلامية للقبول بالديمقراطية ونتائجها وتداول السلطة،كما ان تعاطي الحركة مع نتائج الانتخابات بهدوء وعدم الانفعال والترحيب بالتعاون مع بقية القوى السياسية في تونس ، كل ذلك يقدم سلوكا مهما وايجابيا من قبل الاسلاميين ينبغي ان يشكل نموذجا ودليلا لكل الحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي، كما ان الحركة معنية بدراسة اسباب تراجع عدد اعضاء كتلتها النيابية واسباب تقدم حزب نداء تونس وماهي طبيعة اتجاهات الشعب التونسي وحاجاته المستقبلية، وما حصل ينبغي ان يكون محور دراسة معمقة من اجل تحديد كيفية التعاطي مع المستقبل.

اما على الصعيد اللبناني، فليست هي المرة الاولى التي تقوم فيها مجموعات اسلامية متشددة بجر الساحة الاسلامية اللبنانية الى مواجهات مع الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية وتكون النتيجة سقوط عشرات الضحايا والجرحى وتدمير المناطق الاسلامية او المخيمات الفلسطينية كما جرى في مخيم نهر البارد عام 2007، ومن ثم يقتل او يهرب اعضاء المجموعات الاسلامية وقادتها ، وتكون النتيجة خسارة كبيرة للساحة الاسلامية والحركة الاسلامية وهناك العديد من الادلة والشواهد على ذلك.

ولن ندخل في سجال حول الاسباب والدوافع التي تدفع بعض الشباب المسلم في لبنان للالتحاق بهذه المجموعات او الذهاب للصدام مع الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية، وحتى لو كان بعض هذه الاسباب وجيها وصحيحا فان نتائج الصراعات دائمة تكون لغير صالح الساحة الاسلامية والحركات الاسلامية.

وقد عمدت الجماعة الاسلامية في لبنان وبالتعاون مع العديد من الهيئات والجمعيات الاسلامية للتصدي لظاهرة العنف الاسلامي والتطرف وعقدت مؤتمرين الاول بعد احداث ايلول (سبتمبر) 2001 وثانيا بعد احداث مخيم نهر البارد عام 2007 واصدرت العديد من المواثيق والبيانات والفتاوى المنددة بالعنف ، وخلال السنتين الماضييتين تصدت هيئة العلماء المسلمين لقيادة العمل الاسلامي واطلاق صوت عاقل في الساحة الاسلامية لمواجهة العنف والتطرف لكنها لم تنجح حتى الان في وقف توريط الساحة الاسلامية في مواجهات فاشلة وخاسرة.

فهل تعمد القوى الاسلامية اللبنانية اليوم لدراسة ما جرى في طرابلس والمنية وتحديد الاسباب والدروس والعبر من كل ذلك  من اجل معالجة جذرية لهذه الازمات.

نحن اليوم ازاء تطورات متسارعة في كل المنطقة وبجب ان يرتفع صوت العقل والوعي والبحث على كل صوت كي تنجح الحركات الاسلامية في تطوير تجاربها وكي ننجح جميعا في اعادة الاستقرار والامن والحياة الكريمة الى اوطاننا .

 

السابق
الجنوبيات انتهين من تحضير «المونة» الشتوية
التالي
بالفيديو.. ثلاث لبنانيات قد يغيّرن العالم