الراعي لا يُبارك التمديد للمجلس ولا يلعنه

البطريرك مار بشارة بطرس الراعي

إذا كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لا يبارك التمديد لمجلس النواب لأنه عمل غير دستوري، فإنه لا يبارك أبداً من يعطلون جلسات انتخاب رئيس للجمهورية بل يلعنهم لأنهم سبب هذا التمديد وجعلوه شرا لا بد منه، وإلا كان الفراغ المجلسي بعد الشغور الرئاسي، وهو ما يريده المعطلون توصلا الى تعديل اتفاق الطائف الذي لم يعد في نظرهم يصلح ويتلاءم مع ما استجد من معطيات ومتغيرات، والبطريرك الراعي يعلم ان التمديد هو شر لا يباركه ولكنه لا يلعنه لأن الاكثر شرا منه هو الفراغ الشامل، ويعلم ايضا ان من يعطلون جلسات انتخاب الرئيس هم سبب المجيء بهذا الشر الملعون.

الواقع ان الشعب الواعي يفهم، كما سيد بكركي، ان معطلي الانتخابات الرئاسية ورافضي التمديد في الوقت عينه يحاولون تحقيق كسب شعبي رخيص، مع انهم يعلمون ان البديل من التمديد هو الفراغ التشريعي المضر بمصالح الوطن والمواطن، وإبقاء رئاسة الجمهورية شاغرة الى ان يقوم مجلس نيابي جديد منبثق من انتخابات نيابية ينتخب رئيسا للجمهورية اي وجوب انتظار سنوات… اذ كيف ينتخب رئيس ولا وجود لمجلس نيابي اذا لم يمدَّد له؟
والغريب ان معطّلي جلسات انتخاب الرئيس يزايدون على من يواظبون على حضورها برفض التمديد كسباً لشعبية رخيصة ويطالبون بإجراء انتخابات نيابية، وهو موقف كان يمكن اعتباره سليما ومنطقيا لو ان المطالبين به احترموا موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية كما يريدون احترام موعد استحقاق الانتخابات النيابية، فلو انهم فعلوا ذلك لما كان صار التمديد مرة اولى لمجلس النواب ومواجهة ضرورة التمديد له مرة ثانية، بل كانت الامور في البلاد سارت سيرا طبيعيا وأعقب انتخاب الرئيس اجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة جديدة في ضوء نتائج الانتخابات، لكنهم أصروا على تعطيل جلسات انتخاب الرئيس لأنهم يريدون ان يكون هذا الرئيس مع المحور الايراني، والا فليكن الشغور وبعده الفراغ الشامل الذي يخططون له منذ حصول التمديد الأول لمجلس النواب ويتجاوزون استحقاق الانتخابات الرئاسية الى الانتخابات النيابية برفضهم التمديد وإن عن غير اقتناع لأنهم يعلمون أن الحكومة تصبح مستقيلة حكماً عند الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية وفي ظروف أمنية يعلمون انها قد لا تسمح بإجرائها، ومَنْ يجري استشارات لتسمية رئيس للحكومة، ومن يضمن استمرار الحكومة التي إذا ما انفجرت من الداخل يصير لبنان بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة وبلا مجلس نواب…
إن على معطّلي انتخابات رئيس الجمهورية اذا كانوا صادقين في قولهم انهم يحترمون الاستحقاقات الدستورية في الانتخابات الرئاسية وفي الانتخابات النيابية، أن يؤمنوا بحضورهم نصاب جلسات الانتخاب ولتأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها الطبيعي في انتخاب المرشح الذي ينال أكثرية الاصوات المطلوبة، لا أن يفرض هذه الاكثرية وقبل الاقتراع السري هذا المرشح او ذاك وإلا هددوا باستمرار تعطيل الجلسات من دون ان يؤنبهم ضمير ولا يرفّ لهم جفن.
ثمة من يقول إن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور ولا انتخابات نيابية بسبب الظروف الأمنية، وان من سيبقى حاكما للبنان بديلا من رئيس الجمهورية هي الحكومة ولو في الحد الادنى من الوفاق بين أعضائها، ومجلس نيابي ممدد له ينتقي المشاريع الضرورية التي عليه إقرارها. وهكذا يكون معطّلو انتخاب رئيس الجمهورية قد أدخلوا لبنان في وضع شاذ لم يشهده في أي وقت مضى اعتقادا منهم ان التطورات الجارية في المنطقة قد تكون لمصلحتهم فتفرض على لبنان الرئيس الذي يريدون، فإذا لم يكن العماد ميشال عون فرئيساً آخر يكون على صورته ومثاله ومؤيدا للمحور الإيراني الذي يتوقعون له الانتصار.
ولكن هبْ أن هذا الحلم تحقق، فهل يمكن أي طرف في لبنان ان يحكم وحده ويلغي الطرف الآخر؟ ولنا من تجارب الماضي خير دليل على ذلك. فحوادث 1958 جاءت باللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية لأنه كان خارج الصراعات المحلية والاقليمية والدولية، واتفاق الطائف جاء برينه معوض رئيسا للجمهورية وبعد اغتياله صار الحكم لفريق سياسي واحد وقد عانى لبنان ما عاناه من جراء ذلك، واتفاق القاهرة جاء بسليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية وكان من “تكتل الوسط”، واتفاق الدوحة جاء بالعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية لأنه من خارج 8 و14 آذار، ولا يمكن أن يأتي رئيساً للجمهورية وسط الانقسام السياسي والمذهبي الا من خارج الاصطفافات الحالية.
والسؤال: متى يخرج لبنان من جعله يختار بين السيئ والأسوأ: إما القبول باتفاق القاهرة أو الحرب، إما القبول باتفاق الطائف أو الحرب، إما القبول باتفاق الدوحة أو الحرب، واليوم مطلوب إما القبول برئيس يكون مع المحور الايراني او الفراغ الذي لا أجل له…

http://newspaper.annahar.com/article/182934

السابق
مسيحيو شرق صيدا يسعون لـ«العيش بسلام»
التالي
فريد الخازن:استقالة النواب لا تعطل التمديد للمجلس