تغيّر موازين القوى وعملية السلام مع الأكراد

يقتضي بروز مشكلة عرقية قديمة تهدد الامن والسلم أن تعدّ الحكومة التركية خريطة سياسية من أجل حل هذه المشكلة. والقضية الكردية في تركيا شائكة، وكلما تأخر الحل ازدادت تعقيداً وتفاقم تشابكها. واليوم تواجه الحكومة عوامل طارئة جديدة وعدداً من المفاجآت، في وقت نعيش في منطقة الشرق الاوسط الملتهبة. لذا، يجب توقع تغيرات يومية. ومرور الوقت يؤثر في مسيرة الحل السلمي التي باشرتها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني منذ نحو سنتين. فمع الوقت يتغير المؤثرون في المسيرة هذه في الداخل والخارج، ويطاول التغيير اللاعبين الداخليين فيحل محلهم آخرون أو يضعف نفوذهم. وخير مثال هو اندلاع حرب أهلية في سورية. فتلك الحرب غيّرت توازنات أو معادلات مسيرة الحل السلمي الكردية في تركيا، وأدخلت لاعبين جدداً على خطها. فسورية صارت في عين العاصفة واستقطبت الاهتمام الدولي. وإثر الإجماع الدولي على محاربة «داعش»، أصبحت القضية الكردية – ولو على نحو غير مباشر – موضوع تداول دولي، بعدما كانت أنقرة تسعى الى حصرها في الداخل وحلّها في معزل عن تدخلات خارجية.

وحاز حزب العمال الكردستاني دعماً دولياً لموقفه لم يحلم يوماً به. وزادت قوة موقفه التفاوضي في مسيرة الحل السلمي، ووجد داعمين جدداً له إقليمياًَ ودولياً. ولا شك في ان ميزان القوى الجديد أو موقعه المستجد سيزيد مطالبه في عملية السلام ولن يكون التفاوض معه يسيراً كما في السابق. ولم تحسب الحكومة حساباً لمثل هذه التطورات، فأصاب الضعف موقفها التفاوضي، وتبدد زخم مبادرتها وتراجعت قدرتها على الإمساك بمقاليد الحل. وقد تتساءل اليوم ما إذا كان التسويف والتأجيل في مسيرة الحل من أجل استخدامها في خدمة مصالح حزبية ضيقة في الانتخابات، ساهما في الوصول الى ما آلت اليه الامور. وتجبه الحكومة التركية اكثر من مشكلة، اخطرها تغيُّر شكل الحل السلمي وخروجه عن الاطار المرسوم له، وبروز مشاكل جانبية لم تكن في الحسبان.

في السابق، كانت الحكومة ترى ان مسيرة الحل تقتصر على مفاوضات بينها وبين حزب العمال الكردستاني فحسب. اما اليوم فرجح وزن الدور الكردي الاقليمي، إثر تعاظم دور اقليم كردستان العراق في الساحة السورية وفي كوباني التي منحت أزمتها أكراد سورية دوراً في المفاوضات.

وبرز أكثر من مسيرة حل على الحكومة أن تجبهها في آن. التحدي الأبرز اليوم هو صوغها نموذجاً من أجل توزيع السلطات بينها وبين «الكردستاني» في مناطق نفوذه. فالحزب يسعى الى أن يكون ممثل السلطة الشرعية في المناطق التي تخضع له. فما شكل تقاسم السلطات في هذا الجانب من المشكلة؟ وعلى أي وجه سيجلو دور التيارات الكردية الإسلامية التي دعمتها أنقرة في السابق؟ وهل ستحظى هي أيضاً بقسم من الصلاحيات؟ وفي ظل الاقتتال الشعبي بين اكراد «الكردستاني» وأكراد التيار الديني، أين ستقف الحكومة، ومع مَن، وكيف ستتصرف؟ هل ستتركهم يُقتلون كما حدث الاسبوع الماضي؟ وعلى أي وجه ستتعقّد المشكلة مع احتمال انزلاق الخلاف المذهبي إلى جانب منها؟ كل هذه التحديات قد يعيد رسم خريطة طريق مسيرة الحل السلمي التي باتت اليوم أكثر عسراً وتعقيداً. وقد يدرك مستشارو الحكومة الذين تناولوا نموذج الانفصاليين الإرلنديين في بريطانيا، أن الصراعات تختلف في ما بينها، وأن محاولة فرض نموذج حل لصراع ما على صراع آخر في منطقة أخرى، قد تؤدي الى نتائج مغايرة لما آل إليه النموذج الأصل.

 

 

السابق
حزب الله يستقدم النخبة الى بريتال ويستعين بالجيش
التالي
شاب قضى شنقا في الحلوسية