مَن مع ترميم الإرهاب؟

قبل عام زار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس الصليب الأحمر بيتر ميرفر إسرائيل. واجتمعا إلى رئيس الحكومة وإبلى كبار الوزراء وأعربا عن قلقهما من تصعيد في غزة يقود إلى المس بالأبرياء. والتقى الرجلان مع وزير الدفاع موشي يعلون، الذي عرض أمامهما خريطتين في مكتبه في هكرياه. قال لهما: انظرا، هذا هو ميدان المعركة الذي سنواجهه إذا وقع التصعيد. على الطاولة كانت خرائط منطقتين مدينيتين مكتظتين: النبطية في جنوب لبنان والشجاعية في قطاع غزة.

وأوضح يعلون أن مخربي حزب الله وحماس يقيمون بين المدنيين. نحن سنبذل جهدا من أجل إخلائهم. سنوزع مناشير وننفذ عمليات إطلاق نار ردعي. مع ذلك، إذا سقط صاروخ في باحة روضة أطفال أو تم اكتشاف مخزن صواريخ في مسجد أو مخزن ذخائر في قبو مستشفى الوفاء في غزة، فليس هناك مفر من الهجوم. بعد عام من ذلك اللقاء عاد الأمين العام للأمم المتحدة إلى إسرائيل، في أواخر عملية الجرف الصامد. وقال بان كي مون ليعلون: «المكان يبدو كما لو بعد هزة أرضية»، فرد عليه يعلون مذكرا: «قلت لك».
قبل ثلاثة أسابيع التقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالأمين العام للأمم المتحدة بعد أن ألقى خطابا في الجمعية العمومية وروى للعالم عن جرائم الحرب التي اقترفتها حماس. وسخن السجال بين نتنياهو وبان كي مون. بان كي مون لم يتراجع عن فكرة التحقيق في الهجمات التي نفذتها إسرائيل في غزة.
هذا الأسبوع عاد بان كي مون إلى القدس. هذه المرة وصل من مؤتمر خاص عقد في القاهرة، مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، الذي عقد بمبادرة مصرية. وظهر هناك 30 ممثل دولة، تعهدوا بدفع 5.4 مليارات دولار لمصلحة ترميم الدمار الذي جلبه عليهم قرار حماس إطلاق صواريخ على إسرائيل. مليار دولار ستأتي من قطر و212 مليون دولار ستأتي من الولايات المتحدة. إسرائيل وحماس لم يحضرا المؤتمر. أعلن ممثلو السلطة الفلسطينية أن 80 ألف بيت تضرر، بينها 7 آلاف هدمت. فقط للمقارنة، خلال حرب لبنان الثانية، في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت دمر 70 مبنى فقط. الفلسطينيون أعلنوا عن 2100 قتيل بينهم حوالي ألف من المخربين. حجم الدمار كان هائلا وله أبعاد دولية من ناحية وأبعاد قطرية ومحلية بالنسبة لقيادة حماس من ناحية أخرى، خصوصا على طرق قيادته وعلى الجمهورين الداعم والمعارض لها. من ناحية إسرائيل كان الدمار حرفا في لغة الإشارات في الشرق الأوسط، يعني أن للعدوان ثمنا. ولإعلان الحرب هناك مسؤول وهناك من يدفع الثمن. هكذا يخلقون الردع، العقاب والهزيمة.
أليست هناك خشية من أن المليارات التي تم التبرع بها في مصر يمكن أن تصل إلى منظومة الإرهاب ونشطائها، بدلا من إعادة إعمار لمصلحة سكان يفتقدون كل شيء ولترميم المباني؟ وهل أن مواد البناء ستوجه نحو أنفاق الإرهاب، والأنابيب لانتاج الصواريخ، وسيتم استخدام الأسمدة الزراعية في انتاج المواد المتفجرة؟ الخشية قائمة، كما يقول المستوى السياسي في القدس.
وأولا، هناك فجوة هائلة بين المبالغ الموعودة في مؤتمر الدول المانحة للفلسطينيين (والذي يعقد بشكل دائم كل عام في نيويورك في الأسبوع الذي يسبق دورة الجمعية العمومية) وبين الأموال التي ستصل فعلا. أحد الأسباب المركزية لذلك يعود لواقع أن دولا مانحة، سواء كانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى دول مثل البحرين واتخاد الإمارات العربية، غير معنية بأن تصل الأموال إلى حماس، التي ترى فيها جميعا أنها عدو.

العامل المصري

في إطار وقف النار أنشأت الأمم المتحدة، مصر وإسرائيل آلية قررت أن هذه الأموال لن تصل مباشرة إلى حماس، وإنما أولا لقطاع غزة عن طريق السلطة الفلسطينية. ويفترض أن تمر مواد البناء عبر مراقبة إسرائيلية ومصرية في المعابر الحدودية، وتدخل من هناك إلى القطاع تحت رقابة السلطة الفلسطينية ومنظمات دولية تحت غطاء الأمم المتحدة لإعادة الإعمار المدني وليس لأغراض عسكرية.
ويعترفون في إسرائيل: نحن بحاجة لفتح أعيننا أضعافا مضاعفة من أجل أن يتم استخدام المال بشكل مناسب، وإذا اكتشفنا أن مواد معينة تخدم في بناء الأنفاق، فإن تدفقها سيتوقف. وهكذا سيفعل المصريون، الذين أوقفوا في العام الأخير الأسمنت القادم من قطر، والذي استخدم في بناء الأنفاق.
من ناحية إسرائيل، يكمن المفتاح الحقيقي في إعادة إعمار غزة في سيطرة كل من إسرائيل ومصر برئاسة عبد الفتاح السيسي على المعابر. هكذا يمكن منع دخول الأسلحة، وما دام ليس هناك إطلاق نار، فإن فرصة حدوث جولة عنف أخرى تتقلص. وعمليا فإن نزع سلاح غزة يتم حاليا، بتعاون مصري إسرائيلي، الذي يمنع تعاظم القوة في غزة. وقاد النظام الحالي في مصر إلى أنه في العام الأخير تم وقف تدفق وسائل القتال في المسار الإيراني – السوداني وأيضا في مسار ليبيا – سيناء، ومن هناك لقطاع غزة.
وطوال القتال في قطاع غزة طلبت إسرائيل أن يكون ثمة رابط بين إعادة الإعمار وتجريد غزة من السلاح. وفي وقته كان واضحا أن هذا المطلب يشمل طموحا إسرائيليا، لكنه غير قابل للتنفيذ، لأنه ليست هناك قوة دولية يمكنها الدخول وتنفيذ نزع السلاح. مع ذلك، إسرائيل لا تتنازل عن مطلب نزع سلاح غزة، وذلك لأسباب عدة، أولا: بسبب أن هذا يستدعي خطوات حصار قائمة حاليا ولا تسمح بتعاظم إضافي في قوة حماس. فضلا عن ذلك، من الواضح في إسرائيل أنه لن تكون عملية سياسية في المستقبل ما دام هناك على الأرض آلاف الصواريخ، بينما اتفاقيات أوسلو تتحدث عن قوة شرطة مع أسلحة خفيفة فقط. في النهاية، الوضع القائم في غزة يقف في نصب أعين الوسطاء الأميركيين، الأوربيين والعرب، ومسألة نزع السلاح في يهودا والسامرة، حيث يعتبر أمرا حاسما بالنسبة لإسرائيل وبمثابة «أمن وجودي» و«التعلم من التجربة».
ويزعم الفلسطينيون أنهم سجناء في قطاع غزة وأن لا مخرج لهم على العالم الحر (ميناء بحري أو جوي). من ناحية إسرائيل، لا مانع من أن تتوفر لسكان القطاع طريق عبر مصر. فغزة هي كيان معاد ولا مبرر لأن تسمح إسرائيل بالخروج إلى أراضيها. من ناحية أهل غزة، التغيير للأسوأ وقع في العام الأخير حينما أغلقت مصر معبر رفح. وبالنسبة للدخول من الجو والبحر، فهذا يعتبر قيدا أمنيا لا حصارا. ويشرحون في القدس أنه إذا توفرت لهم حرية عمل في البحر فإن الصواريخ والمضادات للطائرات والدبابات ستدخل «بشكل حر» للقطاع. وهذا قيد ينبع من احتياجاتنا الأمنية، واختيارهم البقاء في محور الشر.
هذا الأسبوع تحدث في الأمر الرئيس روبي ريفلين، الذي قال بعد لقائه الأمين العام للأمم المتحدة: «إننا نفهم وجوب إيجاد حل للحصار على قطاع غزة، وإنه لا يمكن لمليون ونصف مليون فلسطيني مواصلة العيش في الظروف الراهنة، فلسنا عميانا عن المصاعب التي يواجهونها».
غير أن حماس تواصل كونها أداة إيرانية في الحلبة الخلفية لإسرائيل، وتحاول ترميم قدراتها والاستعداد للجولة المقبلة. وتعلمنا التجربة أن القيادة الفلسطينية تسعى لاستغلال حالة التشرد والدمار وتخليدها، حتى لو كان الثمن غياب المساعدات ورفاهية المواطن البسيط. في القدس يؤمنون أن حماس تريد إعمار القطاع، لكن ببطء. يبدو أن خيارهم في غزة قد تم: ترميم قدراتهم العسكرية تمهيدا للجولة المقبلة بقوة، وترميم مدني لمقربي السلطة وأنصارها.

 

السابق
«داعش» يحصد المزيد من «البيعات»
التالي
ضربة في مجلس الأمن