الأكراد قوم من الجن… مع المعذرة

اكراد
في إطار الاهتمام المستجدّ بهم، وكونهم من المجموعات الّتي تعتبر "أقليّة" في العالم العربي، فيعود هذا المقال إلى تاريخ الأكراد في مختلف الحقبات، لينتهي بخلاصة واضحة: "الكرد ليسوا أكرادا والكردُ ليسوا من الجن".

لم يكن ينقص الأكراد قساوة الجبال التي عاشوا فيها وقساوة الأنظمة والدول والممالك التي تعاقبت عليهم حتى جاءت النصوص الدينية والتاريخية لتخرجهم عن الطبيعة البشرية وتردّ أصولهم للجن والأبالسة.

فقد روى الراغب الأصفهاني في المحاضرات بأن النبي سليمان غزا بلاد الهند وسبى منهم ثمانين جارية وأسكنهن جزيرة في البحر، فخرجت الجنّ من البحر وواقعت الجواري فحملت منهنّ أربعون جارية. ولمّا علم سليمان بذلك قال أَكردوهنّ إلى الجبال. فسُمّوا أكرادا. وفي العربية كَرَدَ أي طرَد.

و نقل المؤرخ المسعودي في مروج الذهب بأن سليمان النبي لمّا نُزع عنه المُلك، تمثّل الشيطان بهيئته ووقع على بعض إمائه فحملن. ولمّا عاد المُلك له أمر قائلا: أكردوهنّ إلى الجبال. فتناكحوا وتناسلوا وبذلك بدء نسب الأكراد.

وأمّا ابن كثير في تفسيره فكان خفيف الوطئة عليهم فروى بأن الأكراد قوم نعالهم الشَعر، على خلاف الشيخ المناوي الذي رأى في كتابه فيض القدير بان رتبتهم تقارب البهيمية وارتقى الغزالي قليلا فقال بأن لا فضل فيهم.

فكيف يستقيم ما تقدّم من نصوص مع قوم بلغوا شأنا في كثير من المجالات. فقد كان منهم صحابة لرسول الله كمثل حابان المعروف بأبي ميمون الكردي الذي أسلم قبل فتح العراق والشام، ومنهم التابعون والمحدّثون كميمون الكردي.

وكان كسرى ملك فارس قد اتّخذ لنفسه جيشا منهم إبّان معركة القادسية فانقلبوا عليه وانضمّوا لجيش المسلمين مما سهّل فتح بلاد فارس، وقد كانوا في تلك المعركة سريعي الحركة، فارعي القامات، كاملي العدّة، وقد وصفهم ياقوت الحموي فقال بأنهم أولو بأس وقوّة وعدد وكثرة.

وكيف يمكن لنسل الجن أن ينبغ منهم موسيقيّ كمثل زرياب، وعالم النبات الدينوري، والمؤرخ ابن خلكان، والجغرافي أبو الفداء صاحب تقويم البلدان والحافظ أبو زرعة والفقيه ابن الحاجب والرياضي الفلكي ابن الخياط والقائد الناصر صلاح الدين.

وقد بالغ السيوطي في إنصافهم حيث نقل عن ابن عباس بأنّ الله قد جعل الغيرة في عشرة أجزاء تسعة منها في الأكراد وواحدة في سائر الناس.

وأصل الكُرد كعرق مختلف عليه بين قائل بأنهم من العرق الآري أو الهندو-أوروبي أو من نسل العماليق أو من أصول أرمينية، وقائل آخر بأنهم بدو الفرس أو أنهم عرب هاجروا لفارس وتناسلوا هنالك. وقد يأخذ الحماس بعضهم فيقول بأنهم شعوب موجودة في جبال زاكروس (كردستان) منذ فجر التاريخ.

ولفظ الكُرد بالفارسية قد تعني الذئب أو البطل أما الكوردي بالسومرية فتعني ساكني الجبال. وفي العربية الأكراد مِن كَرَدَ أي المطرودون أو المنفيون المنقطعون عن الأحكام الشرعية. وربما لقُرب هذين الجذرين وقع الخلط والخطل وقست النصوص عليهم.

والغريب المستغرب ما نقله الكليني في كتابه الكافي عن أبي الربيع الشامي عن الإمام الصادق بأن الأكراد حيّ من الجنّ كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم. وقريب منه أيضا بأنهم جنس من الجنّ كُشف عنهم الغطاء فلا تناكحوهم.

وقد كنت بمحضر عالم حكيم، وسيقت هذه القضية للنقاش فقال معلّقا: مع تعذّر المعنى الحقيقي للرواية لا بد من تخصيصها أو حملها على المجاز وإلا فالطرح أولى. فالتخصيص كمثل القول بأن نهي الإمام مخصوص بأهل تلك الأزمنة لما كانوا عليه من عمل وعقيدة آنذاك لا من حيث ذواتهم وقوميتهم.

والمجاز كالقول بأن الحديث فيه تشبيه للأكراد بالجن من حيث السرعة وسهولة الإختفاء والنهي هو نهي إرشادي. أو القول بأنهم المطرودون أو الفارون المنقطعون عن أحكام الشريعة، والمستترون في الجبال الذين يغيرون على القوافل ويختفون بسرعة كسرعة الجن.

وكيف يُحكمُ بالنهي عن معاملتهم ومنهم محمد بن إبراهيم المعروف بإبن الكردي من أصحاب الإمام العسكري والراوين عنه. ويُنسب للإمام الحسن بن علي بأنه كان يلبس في الشتاء عمامة سوداء وطيلسانا كرديا.

وقد اتّخذ ناصر الدولة الحمداني زوجة من الأكراد كانت تُدعي فاطمة الكردية، ولم يستنكر عليه علماء الدولة الحمدانية الشيعية هذه الزيجة أبدا.

وفي زمان الدولة الصفوية، ناصرت قبيلة دنبل الصفويين ضد خصومهم ثم دخلت في خدمته عن اعتقاد وإرادة. ومن القبائل الكردية التي دخلت في التشيّع أيضا البشنوية والفيلية وبني عناز وكان منهم الأمراء والوجهاء والعلماء والشعراء حيث ترجم لهم السيد محسن الأمين في موسوعته الأعيان كالأمير حسنويه بن الحسين والأمير أبي فراس بن جعفر والأمير أبو العسكر بن سرخاب والشيخ الشاعر ابن نعيم الكردي والشيخ جواد الكردي وابنه الشيخ محمد تقي وغيرهم.

ولاننسى أخيرا (الصعبيين) آل صعب حكّام مقاطعة الشقيف في جبل عامل، حيث يرجعون بأنسابهم لصلاح الدين الأيوبي الكردي الأصل. ومنهم اليوم في النبطية آل الفضل الكرام.

وبعد هذا البيان، فالكرد ليسوا أكرادا والكردُ ليسوا من الجن.

السابق
أزمة الأقليات ومواصفات الحل
التالي
طموحات إيران والردّ السعودي