جونية باقية وداعش إلى زوال.. من أبو إياد إلى أبو هادي

أبو أياد
حين قال أبو إياد في منتصف السبعينيات إنّ "طريق القدس تمرّ في جونية" كان يقصد أنّه لا سبيل إلى تنظيم معركة الهجوم الأرماغيدونيّ المعاكس على إسرائيل إلا بانضمام المسيحيين، برضاهم أو غصباً عنها، إلى التحالف اللبناني الفلسطيني العربي، العسكريّ والسياسي، ضدّ إسرائيل. وهذا ما لم يحصل إذ غادر الفلسطينيون بيروت من موانئها، إلى تونس، وغادرت إسرائيل لبنان، وبقيت جونية تناصر "القوّات" و"الكتائب" و"العونيين"، وتكره الفلسطينيين.

لولا تدخّل “حزب الله” في قمع الثورة السورية لكانت “داعش” وصلت إلى جونية. كلام نقل عن بطريرك أنطاكية وسائر المشرق بشارة الراعي، ثم نُفِيَ، لكنّه وقع على آذان من يهمّم الأمر.

كلام يُراد منه تخويف المسيحيين من وصول “جحافل البرابرة الجدد”، أي “داعش” بوصفها اختزال “التطرّف الإسلامي”، السنّي تحديدا، إلى عاصمة المسيحيين اللبنانيين غير المعلنة، الرديفة لبيروت، عاصمة الساحل المتني، جونية.

بل قل هي “روح” بيروت، أو روح لبنان. فالبلاد لا تحتفظ بروحها، بالضرورة، في عاصمتها. فأنقرة عاصمة تركيا لكنّ روحها في اسطنبول، كما أنّ الشام عاصمة سوريا، لكنّ روحها ورزقها في حلب، وواشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأميركية لكنّ روحها في نيويورك.

جونية في هذا المعنى هي روح بيروت ولبنان. هي مساحة الحريّة حين يشتدّ الخناق على بيروت. هي منفذ الموارنة والمسيحيين على حياة السهر والاستهلاك والأسواق، ومنفذ جيرانهم المسلمين، سنّة وشيعة ودروزا، على هذه الحياة، خصوصاً حين يصير صعباً عليهم أن يعيشوها في مناطقهم.

هي ملاذ مراهقي ضاحية بيروت الجنوبية وشبّانها، في مغامراتهم الليلة، ومثلهم أقرانهم في الطريق الجديدة، ممن لا قدرة لهم على عيش هذه الحياة قرب بيوتهم وأحيائهم الأهلية…

لكنّ جونية تعني أيضاً العنفوان المسيحي. فلا قدرة لزعيم مسيحيّ أن يدّعي قيادة المسيحيين إذا لم يكن له موطىء زعامة في جونية. والدليل أنّ …

وحين قال أبو إياد في منتصف السبعينيات إنّ “طريق القدس تمرّ في جونية” كان يقصد أنّه لا سبيل إلى تنظيم معركة الهجوم الأرماغيدونيّ المعاكس على إسرائيل إلا بانضمام المسيحيين، برضاهم أو غصباً عنها، إلى التحالف اللبناني الفلسطيني العربي، العسكريّ والسياسي، ضدّ إسرائيل. وهذا ما لم يحصل إذ غادر الفلسطينيون بيروت من موانئها، إلى تونس، وغادرت إسرائيل لبنان، وبقيت جونية تناصر “القوّات” و”الكتائب” و”العونيين”، وتكره الفلسطينيين.

واليوم حين يقول البطريرك الراعي هذا الكلام، ثم يتنصّل منه، فهو يقصد أنّ جونية  تستجير بحزب الله وتحتمي به من “داعش” وأخبارها الدموية التي تسبقها. وهو يريد القول للمسيحيين إنّ الوقت ليس للتفكير الأخلاقي والعقلاني بحقّ الشعب السوري في تقرير مصيره، بل إنّ سيف تغيير الخرائط الخرائط الديمغرافية يعمل في رؤوس الجميع، وعلى جونية أن تحني رأسها وأن تنحني للعاصفة، بأن تحتمي بحزب الله.

ليست جونية أكثر من استعارة، لكنّها مليئة بالدلالات. بعد أشهر، أو ربما سنوات، سيأتي من يكتب أنّ داعش رحلت، وتكسّرت على صخور كثيرة، سورية أولا وعربية ثانيا، وليس لبنانية أو حزب اللهية بالطبع. وستبقى جونية مصيف اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، وأحد مصايف العرب في لبنان، وواحدة من رموز الشرق، القديم منه وذاك الذي سيولد برحيل داعش وآل الأسد.

ومن أبو إياد إلى أبو هادي، الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، لن يمرّ أحد من جونية، ليس لأنّ المسيحيين أقوياء أو لأنّ حزب الله قويّ، بل فقط لأنّ جونية هي “روح” لبنان، ومتى “سقطت” جونية يكون لبنان كلّه قد سقط. ويكون لا لزوم للكتابة عنها ولا عن لبنان، ويكون كاتب هذا المقال حتّى، وناشره، خارج النقاش.

السابق
ليون: «المخيمات» خطر وجودي لن نقبل به
التالي
هل أصبحت المجموعات المسلحة في طرابلس «أمرا واقعا»؟