طرابلسية نهاد المشنوق

في توقيت أكثر من مناسب سجل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موقفه المتقدم إزاء ما شهدته طرابلس يوم الجمعة الماضي، من مسيرات وتحركات رفعت خلالها أعلام تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المتعارف عليه بـ “داعش”، وراح المشاركون فيها ينادون بإقامة هذه الدولة ويطلقون الصرخات المنددة بالجيش والمؤسسة العسكرية.

كاد الصمت الطرابلسي من قبل وزراء ونواب وسياسيين وفعاليات مدنية ودينية من أبناء الفيحاء يبدو محيراً إن لم نقل أكثر ، إذ لم يُسمع صوت يندد بما حصل أو يشرح لنا وجهة نظره في هذا الموضوع . وحتى الذين يمشون على الحبل في مثل هكذا حالات وينتقون كلماتهم بعناية فيمدحون الجيش من جهة ويبررون ردود الفعل ضده من جهة أخرى تواروا عن الأنظار هم أيضاً.

وحده الوزير المشنوق تصدى لما رآه شواذاً وغريباً عن جسمنا اللبناني بصورة عامة وعن مجتمعنا الاسلامي بشكل خاص ، والأهم عن صورة طرابلس مدينة العيش المشترك والإلفة والتسامح والتي هي في طليعة المتمسكين بالدولة والملتفين حول عمودها الفقري عنينا به الجيش اللبناني.

الزميل المشنوق، وهو الإعلامي العتيق الذي عملنا معاً في بداية مسيرتنا الصحفية محررين في مجلة “الحوادث” أواخر الثمانينات ، قال كلمته بجرأة ليست غريبة عنه . إذ إعتبر “من ساروا في طرابلس لا يمثلون المدينة وأهلها . لأن ما قاموا به هو إعتداء على المدينة والدين والإسلام وهو تشويه للدين” . وأكد من على منبرإسلامي خلال حفل لتكريمه أقامته “جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية”: “أننا لا نقبل ولا للحظة بأن يكون وضع المسيحيين في لبنان كما حصل في سوريا” . كما إعتبر “أن من يحمل علماً أسود في طرابلس وغيرها عليه كلمات مقدسة وهي الأولى والأصدق بديننا كمسلمين . وهذا العلم وهذا الكلام المكتوب عليه لا قيمة له عندما يستعمل لذبح عسكري لبناني تحت رايته”.

وإذا كان هناك من رأى في موقف المشنوق رداً على مطالبة زميله في الحكومة وزير العدل اللواء أشرف ريفي بملاحقة من أحرق العلم المذكور وسط الأشرفية بعد أن جرده الأول من مضمونه ، فإن الغالبية العظمى من اللبنانيين. وكما بدا واضحاً من ردود الفعل على ألسنة الناس ووسائل التواصل الإجتماعي ، أثنت على ما أعلنه وزير الداخلية والبلديات . وثمة من عُرِف بمعارضته الشديدة للأخير لكنه لم يتردد في الإعتراف بصوابية الرجل وإقدامه على إزالة اللبس والغموض اللذين اكتنفا موقف الحكومة بهذا الشأن وكذلك توجه “تيار المستقبل” الذي يعد المشنوق أحد أبرز أركانه.

وإذا كنت أنا المواطن الطرابلسي أولاً والإعلامي ثانياً ، رأيت من الواجب أن أتوقف عند ما ذكره وزير الداخلية والبلديات ، وأنوه بما ورد على لسانه والذي يعبر فيه عن مشاعر أبناء الوطن خصوصاً المسلمين ، فإن ما فعله لا بد أن يحسب في خانة الأداء الجيد للمهمة التي ألقيت على عاتقه ، حيث حرص على ما يبدو إعتماد سياسة التصرف المسؤول ، بحيث يضع إنتماءه الحزبي والسياسي جانباً متطلعاً الى المصلحة العامة . وهذا ما بدا واضحاً من خلال إشراكه رئيس وحدة التنسيق والإرتباط في “حزب الله” الحاج وفيق صفا في إجتماعات مجلس الأمن المركزي ، الأمر الذي لم يجرؤ عليه وزير داخلية من قبله . كذلك إعلانه الوقوف والتضامن مع كل من تلفزيون “الجديد” وجريدة “الأخبار” يوم إستدعتهما المحكمة الدولية الناظرة بجريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري للتحقيق معهما بتهمة تحقير المحكمة وتعريض الشهود للخطر . ولا أظن أن أحداً يجهل مدى حساسية هذه القضية التي يرفض معها جمهور الشهيد رفيق الحريري التعرض للمحكمة المذكورة.

لا شك أن الوزير المشنوق وُفِّق في ما قام به خصوصاً لجهة رفضه المس بالعسكريين ورجال قوى الأمن ، وها هو الرئيس سعد الحريري يبدو جازماً هو الآخر في ما يخص دعم الجيش وتأمين الغطاء السياسي له ، إذ لم يتورع عن توجيه الإنتقاد الى “الإئتلاف السوري” المعارض على “البيان الذي بعث به الى مجلس الأمن الدولي إحتجاجاً على ما سماه انتهاك الجيش اللبناني لحقوق الإنسان والإعتداء على النازحين في عرسال” . وفيما قال الحريري أن البيان المذكور في غير محله ، فقد أخذ أيضاً على مصدريه تجاهل الدعوة الى تحرير العسكريين اللبنانيين وإعادتهم الى عائلاتهم سالمين”، مبدياً في الوقت نفسه إستياءه “من الصور التي وزعت عن الإقتحام الأخير لمخيمات النازحين في عرسال” ، معلناً أنها “كانت مسيئة وغير مقبولة”.

 

السابق
مجلس النواب يستعدّ لإقرار السلسلة بين اليوم وغد
التالي
جامعيات لبنانيات يقدمن خدمات جنسية!