’الشعوب’ تتناوب رفض الجيش وقبوله!

رسمياً لم يكن الجيش اللبناني موضوعاً خلافياً بين اللبنانيين بعد انتهاء حروبهم. فسوريا حافظ الأسد أوكل اليها المجتمع العربي والمجتمع الدولي تطبيق اتفاق الطائف بعد تعذّر انتخاب خلف لرئيس الجمهورية أمين الجميل عند انتهاء ولايته. والتطبيق اقتضى خطوات عملية لإنهاء اسباب الحروب بتعديل الدستور، وفي الوقت نفسه خطوات عملانية لحل أدوات هذه الحروب مثل الميليشيات ولإعادة تكوين المؤسسات الدستورية والإدارات على تنوعها. طبعاً قامت سوريا بكل هذه الأمور ولكن بطريقة أمّنت لها السيطرة التامّة على القرار اللبناني الحكومي والنيابي والرئاسي والإداري والقضائي والأمني والعسكري. لم يُرض ذلك في حينه كثيرين من الاطراف السياسيين وخصوصاً الذين منهم ساهموا في وضع اتفاق الطائف أو في تسهيل “إمراره”. لكن باستثناء قائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع لم يتمرَّد أحد فدفع الثمن. أما الآخرون فتكيّفوا مع الأمر الواقع لاسباب متنوعة.

رغم ذلك كله لم يتعرّض الجيش اللبناني، في أثناء الإدارة السورية للبنان التي تحوّلت وصاية ثم حكماً مباشراً فاحتلالاً، إلى الانتقاد من لبنانيين لتعاطفه وتعاونه مع طرف لبناني احتفظ بسلاحه، واستغل احتضان سوريا وإيران له ليؤسس جيشاً محترفاً قادراً على خوض حرب عصابات وحرب نظاميه بالكفاءة نفسها. أما سبب ذلك فكان سيطرة سوريا على النظام والمجتمع اللبنانيين بكل مفاصلهما. وعندما زالت السيطرة بخروجها عسكرياً من لبنان عام 2005 لم تتغير الأمور كثيراً، لأن اللبنانيين انقسموا فريقين واحداً قوياً عسكرياً وديموغرافياً يحظى بدعم الأمن السوري الخاص الذي بقي في لبنان، وآخر يريد إزالة أي أثر ونفوذ لسوريا في البلاد. في هذه المرحلة بدأت المؤسسة العسكرية تتعرض إلى الانتقاد. فـ”حزب الله” قائد فريق 8 آذار حرص، من جهة، على إبقاء النفوذ السوري داخلها وعلى حمايته خصوصاً بعدما برزت فيه اتجاهات “غير سورية”، وفي الوقت نفسه وبتفاهم مع حليفيه الإقليميين رفض “الحزب” كل ما من شأنه المسّ بسلاحه ونشاطه العسكري و”علاقته” بالجيش بسبب عدم الثقة بالوضع السياسي كله، وخوفاً من تطورات إقليمية وداخلية تطيح دوره. يضاف إلى ذلك ان “الحزب” كان يشعر بفائض القوة ولا يشعر تالياً بالحاجة إلى الدولة وتحديداً إلى مؤسساتها العسكرية والأمنية.
إلا أن الوضع الآن يبدو مختلفاً “فربيع” سوريا تحوّل حرباً أهلية – مذهبية – إرهابية تدخل فيها “حزب الله”، وأحدث فرقاً مكّن نظامها من تلافي الانهيار. لكن تدخله صار مكلفاً جداً وخصوصاً بعدما صار لبنان قاب قوسين أو أدنى من “ربيع” سوريا الدامي، وتحديداً بعدما تأكد له أن “الهلال” الذي أسسته إيران، وكان يبدو متماسكاً، صار مهدداً وحظوظ استمراره لم تعد كبيرة. وصار في حاجة وخصوصاً بعد أحداث العراق إلى مؤازرة فعلية من جيش بلاده، ولا سيما بعدما وصل الاحتقان المذهبي السني – الشيعي في لبنان إلى الذروة، وبعدما صارت تصفية الحسابات بين الثوار السوريين والإرهابيين الاسلاميين والمعتدلين مع “الحزب” على أرضه احتمالاً كبيراً. ويعني ذلك أن انقلاباً في الأدوار قد حصل، فغالبية السنة في لبنان كانت تنتقد المؤسسة العسكرية بعد 2005 بسبب تنسيقها التام مع “الحزب” وربما بسبب ميلها اليه. ولذلك فإن أدوارها في مناطقهم وخصوصاً بعد اندلاع حرب سوريا كانت مرفوضة. و”الحزب” زاد التعاون معها عملياً اليوم بعدما كان غير متحمس لذلك في السابق.
ما القصد من هذا الكلام؟
ليس القصد الإساءة إلى الجيش. فهو غير مسؤول عما يحصل بخلاف السلطة السياسية والزعامات الطائفية والمذهبية والعشائرية. بل هو لفت الجميع إلى أنه سيضطر حتماً، إذا تعرّضت قرى شيعية لبنانية يسيطر عليها “الحزب” إلى هجوم “داعش” وإخوانه، إلى مساعدتها أو إلى “قبول” وإن من دون استشارة مسبقة له تدخل عسكري من “الحزب” في حال تعرضه في “عرسال” مثلاً إلى هجوم يفوق قدراته على صدّه. هذا الواقع يجب أن يفرض على “الحزب” و”أعدائه” في لبنان كما على السياسيين اتخاذ كل الخطوات لمنع انهيار المؤسسة العسكرية، ولتشجيع رافضيها من كل الأطراف على التنازل لها، ولدفع “الزعامات” الشيعية والسنية والمسيحية إلى إغلاق أبواب الفتنة في لبنان، وهي اليوم مشرّعة. فهل يفعلون؟

http://newspaper.annahar.com/article/173137

السابق
يوم اللغة الأوروبية في لبنان
التالي
فتفت: الاجواء ايجابية لعقد جلسة تشريعية