فصول التحالف الجديد بين ’داعش’ و ’هلال الممانعة’

هناك تجربة يجب القياس عليها لاستشراف موقع «هلال الممانعة»، أي سورية وايران وروسيا، من الحرب المزمع شنها على «داعش». والتجربة هي ما كان يُطلق عليه «المقاومة العراقية»، في النصف الثاني من العقد الفائت. ففيما كانت تلك «المقاومة» نوعاً من الحرب الأهلية، تمكنت كل من سورية وايران من الاستثمار في «مقاومة الآخرين» للاحتلال الأميركي. طهران ودمشق وحدهما من استفاد من «المقاومة» السنّية. فقد انسحب الأميركيون وتركوا العراق هدية لطهران، وكان من نتائج ذلك أيضاً أن انحاز النظام الجديد في العراق إلى نظام «البعث» في سورية في المحنة التي تعصف به هذه الأيام.

اليوم نشهد فصولاً تُذكِر بتلك الوقائع. العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يستعد لخوض حرب على «داعش». طهران ودمشق استُبعِدتا من هذا التحالف لأسباب يعرفها الجميع، وأعلنتا أنهما لن تسكتا عن «انتهاك» السيادة، ولم يُخفف حدة لهجتهما أن الحرب تستهدف عدوهما، أي «داعش». التشابه هنا يكاد أن يُلغي الفروق. فصدام حسين كان أيضاً عدو عاصمتي الممانعة، وكان من بين أهداف إسقاطه «حماية الشيعة» أيضاً.

في حينه توزعت العاصمتان المواقع: دمشق راحت تضخ «مجاهدي القاعدة» إلى بغداد ليستهدفوا كل شيء هناك، وطهران راحت تدعم الميليشيات الشيعية. ونجحت الخطة المحكمة، فسقطت بغداد في يد طهران.

بدأ سيناريو مشابه يلوح اليوم. ولن تتردد كل من العاصمتين في محاولة تأمين نصر لـ «داعش» تعودان لاحقاً لاستثماره. فتنظيم «الخلافة» الذي تمكن في أشهر قليلة من السيطرة على مناطق واسعة في العراق وسورية مستعيناً بالدرجة الأولى بمشاعر الانقسام المذهبي الذي لطالما غذته طهران ودمشق، هو اليوم الدجاجة التي تبيض ذهباً لهلال الممانعة. فالجميع يعرف أن لا مستقبل لهذا التنظيم ولا أفق، وأن ينجح في إعاقة أهداف التحالف الدولي، فهذا يعني أن جهةً ما من المفترض أن تستثمر في ذلك، ولن تكون هذه الجهة سوى طهران والنظام المتداعي في سورية.

نعم طهران محقة عندما تقول إن التحالف الدولي ضد «داعش» يُضمر سوءاً للنظام في سورية. بدأت مؤشرات ذلك تلوح عبر اعلان الولايات المتحدة تدريب فصائل من المعارضة السورية في موازاة الغارات التي ستشنها على «داعش»، علماً أن الهدف من ذلك هو منع النظام السوري من الاستثمار في نتائج هذه الضربات.

ويبدو أن جيش النظام في سورية بدأ يتحرك وفقاً لهذه المعطيات. ففي الأسبوعين الفائتين انتقلت غارات طيرانه إلى استهداف الفصائل المناوئة لـ «داعش» في إدلب وحلب. وما إضعاف خصوم «داعش» إلا بداية طريق لضخ المزيد من أسباب الصمود في شرايين «الخلافة». ثم إن مؤشرات أخرى بدأت تلوح لا يُمكن استبعادها عن هذا السياق. ففي الأسبوع الفائت أعلن «حزب الله» أنه سيُضاعف نشاطه العسكري إلى جانب النظام في سورية، وأن المرحلة تقتضي مزيداً من القتال هناك، وهذا الإعلان جاء غير منسجم مع سياسة الصمت التي يضربها الحزب على دوره في دمشق، وغير منسجم أيضاً مع ما يُمكن أن نتوقعه لجهة تبريد الاحتقان المذهبي. إعلان الحزب سيُقدم لـ «داعش» مزيداً من المقاتلين، وسيجعل من هذا التنظيم الجهة التي تتولى مواجهة المد الشيعي. الإعلان جاء فعلاً هدية قيّمة لـ «الخلافة» في ظل ادعائها دفع الظلامة عن «أهل السنة». وفي السياسة لا يمكن توظيف هذا الإعلان إلا بالرغبة في دعم «داعش».

صحيح أن الصعود المفاجئ لـ «داعش» أحدث هلعاً في صفوف «هلال الممانعة»، لكن التحالف الدولي المستجد هو العدو غير الأهلي الذي يشكل تهديداً أكبر. وفي ظل هذه المعادلة، فإن العدو الأهلي الذي لا مستقبل سياسياً له هو الخيار، وعلينا أن نتوقع تغيراً وشيكاً في المواقع مع بدء الغارات على مواقع «داعش» في سورية.

في العراق لا يبدو أن هناك تحفظاً جوهرياً لطهران عن مهمة التحالف. ضرب «داعش» هناك سيُعزز مواقع حلفائها، وإن كان غير واضح بعد ما وعدت به واشنطن السنّة العرب، لا سيما أن الجميع يعرف، خصوصاً الجنرال جون آلن، أن لا نصر على «داعش» من دون أثمان سياسية فعلية يجب أن تُدفع للسنّة العرب. أما في سورية فليس أمام «هلال الممانعة» إلا الرهان على صمود «داعش»، وبما أن هذا الصمود لن يؤمنه إلا استهداف خصوم التنظيم من المعارضة السورية، وإعاقة تقدمهم إلى المواقع المستهدفة بالغارات، فسيتولى جيش النظام إضعاف خصوم «الخلافة» وسيتولى «حزب الله» رفع مستوى الجاهزية المذهبية لـ «تنظيم» الدولة عبر كشفه مزيداً من الأدوار التي يؤديها في سورية.

كانت الخطة تقضي بأن يُسارع العالم إلى تحالف مع النظام في سورية للقضاء على «داعش». رُتب المسرح لذلك، وخرج وليد المعلم مرحباً بحرب دولية على هذا التنظيم، مُقدماً «السيادة» هدية لمن يطلبها، شرط أن يبقى النظام، أما وأن العالم رفض، فإن ذلك يعني أنه «امبريالي».

لا قيمة للخصومة المذهبية في حرب من هذا النوع. مستقبل النظام في سورية أهم في عرف طهران من الأخطار التي يُشكلها «داعش». وهذا التنظيم، في ظل انسداد أفقه السياسي، سيتيح لطهران أن تستثمر في دمشق على نحو ما أتاحت «القاعدة» لها أن تستثمر في بغداد. لا قيمة للضحايا أيضاً إذا كان موتهم، على مذبح المصالح. العدو المذهبي حليف موضوعي، وهذه المعادلة التي ابتُذلت عشرات المرات في حروبنا الأهلية الممتدة على مدى تاريخنا الحديث، ها هي تنبعث مجدداً. أميركا، عدو طهران و»حزب الله» والنظام في سورية، ستشن حرباً على «داعش». ومصلحة طهران أن لا تُهزم «الخلافة»، وربما احتاج ذلك تسعيراً للخطاب المذهبي، وربما أيضاً فتح معسكرات لتدريب «المجاهدين» السنّة. ولمَ لا؟ ألم نشهد مثيلاً لذلك في العراق بين 2005 و2009؟
http://alhayat.com/Opinion/Hazem-AlAmin/4687426/

السابق
قطع طريق القلمون الدولي للمطالبة باطلاق سراح المخطوف مغيط
التالي
طلاب 14 آذار: ضدّ التسلّح والأمن الذاتي… نريد الجيش