حدثٌ وطني وعربي وإسلامي

لم يزل جسده أقرب إلى النبض منه إلى الموت الكامل، ليس بوسع أقرب أصدقائه إليه أن يقول كلاماً موضوعياً أو حيادياً، أو حتى كلاماً يترجم المشاعر الأليمة التي خلَّفها هذا الغياب الفاجع، ولكنني على الأقل أقول إن رحيل هذا الرجل شكل فجوة عميقة في فكرنا وفي رؤيتنا لكل ما يحيط بنا، ولدي إحساس أن لبنان وحتى العرب خسروا بغيابه قامة استثنائية وفكراً لا يكفيه أن نقول لشأنه إنه فكر مستنير. لقد تجاوز السيد هاني حدود الاستنارة التي عرفها الفكر الإسلامي في عصر النهضة وفي بعض العصور النادرة في تاريخنا الإسلامي. وبدا لي أن هذا الفكر يؤسس لرؤية شمولية هي أكثر ما يتماهى مع طبعة العصر وخطابه المعقد بمخزون ثقافي وروحي ومعرفي لا حدود لأبعاده ومَدَياته.

لقد تجاوزت في حزني عليه موجبات الصداقة والحب والإخاء، لأن موته أكبر من أن يكون حدثاً عاطفيا، عابراً أو غير عابر. إنه كما قلت حدثٌ وطني وعربي وإسلامي وحضاري، وقد خسرت وعداً تعاهدنا وتعاقدنا عليه أن نكتب معاً وثيقة فكرية شاملة، على أن يبدأ العمل بها في هذه الأيام التي فاجأه فيها المرض، وأنا الآن أبحث عن البديل فلا أجد. إنني أترك مجالاً للزمن حتى يجف اسمنت قبره لأستطيع القول المنطقي بشأنه وأستودعه رحمة الله الذي أحبه حباً صوفياً عميقاً لا يجاريه فيه أحد. من مدَّعي هذه المحبة.

السابق
هانوي والتبغ والسيد هاني فحص
التالي
السيد الذي يصالحك مع فكرة «رجل الدين»