داعش خطر حقيقي.. على السنّة

داعش
داعش لا يشكل خطراً أساسياً على مشاريع الدويلات المذهبية التي تتبلور هنا وهناك، خطره الأساسي يقع على المجموعات السنّية التي يحاول الإيهام أنه تنظيم نشأ لحمايتها.

الجميع يتحدث عن الفوضى الخلاّقة في منطقة الشرق الأوسط، والفوضى الخلاّقة هي كلمة السر لتفتيت الكيانات القائمة، وإعادتها إلى مكوناتها الأثرية والأولية، وهي كيانات لم تكن يوماً، ومنذ إنشائها، متماسكة، بل ممسوكة بالحديد والنار. منذ أكثر من تسعين عاماً والكيانات قائمة، لكن مجتمعاتها لم تستطع أن تولّد شعباً واحداً وموحداً داخل كل كيان. إذا كان الاتجاه تحويل المنطقة إلى دويلات ترتكز إقامتها على مذهب معين، يصير من الطبيعي أن ينشأ تنظيم داعش، ومن يعادله من مجموعات إسلامية سنية أخرى. داعش لا يشكل خطراً أساسياً على مشاريع الدويلات المذهبية التي تتبلور هنا وهناك، خطره الأساسي يقع على المجموعات السنّية التي يحاول الإيهام أنه تنظيم نشأ لحمايتها. حملة التطهير المذهبي والديني التي يقوم بها داعش، خطوة طبيعية لإقامة مناطق صافية مذهبية، لكنه يعرف حدوده، وعندما تجاوزها في العراق، كان الطيران الأميركي له بالمرصاد. الضربات الجوية الأميركية رسمت حدود الدويلات الثلاث الأساسية في العراق وعلى كل طرف احترام حدود ولايته. داعش لم يخرق حدود التواجد الشيعي، خطوته كانت طرد الشيعة والمسيحيين والايزديين من الأراضي التي يعتقد أنها حدود ولايته وعليها يبني سلطته الموازية لسلطات مذاهب أو قوميات أخرى. داعش يخوض معركة زعامة العالم الإسلامي السنّي، بمواجهته التيارات المعتدلة السنّية التيارات السلفية الأخرى وخصوصاً ما هو في مواقع السلطة مثل الوهابية. إنه يحاول أن يحكم بالسيف والنار ويتسلط على أبناء مذهبه، لتبقى دويلته ودويلات أمثاله من المذاهب الأخرى تواجه نزاعات داخلية مستمرة. عدد القتلى من أبناء مناطق سيطر داعش أعلى بكثير من عدد القتلى من أبناء المذاهب الأخرى، إنه لا يريد أية معارضة داخل مناطق سلطته. لكنه يحترم حدود دويلات الآخرين لم يستطع الحكم الأموي والعباسي وما تلاهما من سلطات أن تقضي على القبائل والعشائر المنتشرة في بلاد الشام. وفي أيام العثمانيين، كانت هذه القبائل والعشائر أحد مرتكزات السلطة العثمانية، وحتى بعد الحرفيين العالميين الأولى والثانية، أبقت كل السلطات على هامش نسبي لحرية تحرك القبائل والعشائر وسمحت باستمرار العلاقات القبائلية والعشائرية، الآن داعش تحاول أن تغير هذا الواقع من خلال توجيه الضربات العسكرية المتتالية للعشائر والقبائل المتواجدة في العراق وسورية، تريد استبدال الولاء للعشيرة. بولاء فردي مطلق لسلطة تحكم بإسم الدين والجميع رعايا لها لا حول لهم ولا قوة ولا رابط بينهم سوى التزامهم بقرارات السلطة الجديدة. إنهم يحاولون توجيه البندقية في الأماكن التي يعتقدون أنها حدود دويلاتهم التي لن يعيدوا خطأ ممارستهم في أربيل لننظر إلى الخارطة، حدود جديدة ترتسم، وقوى عسكرية تنسخ تجارب غيرها من القوى العسكرية الأخرى، الزعامة الإسلامية السنّية السائدة، تفيق من الصدمة بعد أن كانوا أحد المخططين لها لتجد نفسها تدافع عن زعامتها، وتحاول استلحاق المعركة ضد داعش. هذه التطورات، من دون شك، ستضعف الطرفين، وما تبقى من أنظمة أو دويلات استبدادية، تتجه نحو مزيد من الوهن. الشيعة من جهتهم، لم يستطيعوا الإجابة على سؤال: ماذا عن مستقبلهم في المنطقة؟ واعتقد بعض زعمائهم أن الحل بإبراز خصوصياتهم فكانوا نسخة عن المذاهب الأخرى، ونسوا ما أوصى به أحد رجال الدين الشيعة الشيخ محمد مهدي شمس الدين حول مستقبل الشيعة وعلاقتهم بالآخرين. ومن تعتمد عليه الشيعة السياسية تراه يتجه للغرق أكثر وأكثر في رمول المنطقة من أفغانستان إلى غزة. داعش خطر حقيقي، لكن خصمه الأساس هو أهل السنّة والجماعة، والباقون فرقاء يلعبو دور الأعداء بالخطاب السياسي. عام 2006 قالت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية رايس أن الشرق الأوسط يعيش مخاضاً مؤلماً لكنه سيولد جديد. فعلاً أنه مخاض مؤلم جداً، لكن الشعوب العربية تدفع ثمنه الغالي. وتعيش أزمة عناصر هوية تحولت إلى هوية قاتلة.

السابق
بعد فولي… داعش يبعث برسالة من دم التحالف الكردي الأميركي
التالي
من هم الحلفاء الجدد الذين يبحث عنهم اوباما؟