نتنياهو يهرب من مهانة التسليم بالمقاومة الى القصف

احتار مراقبو المفاوضات الجارية بين إسرائيل والفلسطينيين في القاهرة في قراءة ما يجري: هل هو انهيار للمفاوضات ووقف النار، أم استمرار لمفاوضات القذائف على الأرض؟

وتجدّد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة مساء أمس، بعدما أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جيش الاحتلال بالردّ على سقوط ثلاثة صواريخ أطلقت من القطاع على أسدود ونتيفوت وبئر السبع خلال التهدئة، بحسب ما أعلن مسؤول حكومي إسرائيلي.
وعلى أثر ذلك، شن طيران الاحتلال سلسلة غارات جوية على غزة، أسفرت عن استشهاد 3 فلسطينيين بينهم رضيعة، وإصابة 50 شخصاً بجروح.
وفي كل حال، أعلنت بلديات عدة في وسط إسرائيل ومحيط تل أبيب عن العودة إلى فتح الملاجئ خشية تطور القتال والعودة إلى الحرب الواسعة.
وقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن مهاجمته ما لا يقلّ عن 25 موضعاً اعتبرها أهدافاً للمقاومة. وسرعان ما عادت المقاومة الى قصف تل أبيب وجوارها بعدما قصفت تحذيرياً أسدود ونتيفوت وبئر السبع. وأعلن الجيش الإسرائيلي لاحقاً، أن «صاروخاً من غزة ضرب منطقة تل أبيب الكبرى».
وكانت الأنباء تضاربت حول ما إذا كانت هدنة الـ24 ساعة الأخيرة التي مدّدت بها هدنة الخمسة أيام سببها خلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين أم بين الإسرائيليين أنفسهم. فقد كان واضحاً للجميع أن الوفد الفلسطيني وافق على الورقة المصرية وأن إسرائيل لاعتبارات دولية ومحلية وإقليمية سوف توافق عليها. وأشارت أنباء مختلفة إلى أن التوافق على الورقة المصرية كان سيعلَن بحضور أميركي بارز لتسهيل تمرير رئيس الحكومة لهذا الاتفاق داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر.

وكانت ليلة أمس الأول، قد شهدت تضارباً كبيراً في المعلومات حول الاتفاق والتوقيع عليه بالأحرف الأولى وحول عدم حدوث أي اتفاق على أي بند. ولكن كان واضحاً أن تمديد الـ24 ساعة كان يبدو مستحيلاً لولا حدوث تقدم كبير. تشهد على ذلك أيضاً حقيقة إخفاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن أعضاء حكومته تفاصيل ما يجري في القاهرة.

وقد اضطر وزراء لمواجهة نتنياهو بحدّة بعدما نشرت صحف فلسطينية مسودة الورقة المصرية بصيغتها الأخيرة والتي يصعب فيها على نتنياهو ادعاء تحقيق إنجازات سياسية بعيدة المدى في المفاوضات.

وأياً يكن الحال، بدا لجميع المراقبين أن الوفد الإسرائيلي إلى المفاوضات، يحاول حتى اللحظة الأخيرة انتزاع تنازلات وتغيير بنود وصياغات في الورقة المصرية.

وبحسب ما علمت «السفير»، قدّم الوفد الفلسطيني ورقة من سبعة بنود تغطي المرحلة الأولى من المفاوضات. ويبدو أن الإسرائيلي الذي كان يتمنى أن يريحه الوفد الفلسطيني ويرفض الورقة المصرية اضطر للإعراب عن تحفظات قادت إلى الاعتقاد بالعودة إلى المربع الأول.
لكن هناك من يعتقد أن كل ما يجري في القاهرة هو مساومات تجد ترجمات لها على الأرض. ولهذا عندما رأت بعض الأطراف الفلسطينية أن الإسرائيلي لا يتحرك نحو التسوية، أقدمت على إطلاق صواريخ نحو بئر السبع وأسدود في إشارة تهديدية واضحة: لا تمديد لوقف النار بعد منتصف الليل.

وفي نظر الكثيرين في إسرائيل، شكل هذا مفاجأة. فالجميع كان في مربع الحديث عن الاتفاق وليس في مربع الحديث عن الفشل. ولذلك فهم البعض أن الردّ الإسرائيلي بقصف مواضع عدة في غزة كان نوعاً من إدارة أزمة، لكن توجيه الوفد الإسرائيلي بالعودة إلى تل أبيب كان هو المفاجأة.
وبديهي أن ذلك أدخل العديد من القوى الإقليمية والدولية في الموضوع لأن الهدنة مطلوبة دولياً وإقليمياً. وقد سارعت الولايات المتحدة علناً لمطالبة الطرفين بوقف النار والعودة إلى طاولة المفاوضات في القاهرة.

ولكن للعالم منطقه وللحلبة السياسية الإسرائيلية منطقها. فقد حمل وزير الاقتصاد نفتالي بينت بشدة على نتنياهو، معلناً أنه «إذا كنت تريد النصر على تنظيم إرهابي فيجب أن تهزمه. وعندما تجري مفاوضات مع تنظيم إرهابي فإنك لا تنال سوى المزيد من الإرهاب».

وأضاف بينت أن «حماس تظن أن إطلاق الصواريخ يعزز إنجازاتها في المفاوضات، لذلك تطلق الصواريخ حتى في ظل وقف النار، فالصواريخ ليست خطأ من جانب حماس، إنها أسلوب. والرد الشديد هو ما يوقف التدهور. وآجلاً أو عاجلاً ستضطر إسرائيل لهزيمة حماس، لا مفر من ذلك».

وفي ملاحظة لافتة تشير، ربما، إلى عدم الرغبة في تحطيم الأواني، أكدت جهات أمنية إسرائيلية أن إطلاق الصواريخ من غزة على بئر السبع ونتيفوت لم تكن من صنع «كتائب القسام». وحاولت إشاعة أن هناك خلافات داخل حركة حماس وأن رئيس المكتب السياسي خالد مشعل يستخدم جهات منشقة لتشويش المفاوضات.

ولكن الغارات التي نفذها الطيران الإسرائيلي ليلة أمس، على فضائية «الأقصى» وعلى مساجد في حي النصر توحي بأن الكلام الإسرائيلي شيء آخر.
فحكومة نتنياهو تجد نفسها اليوم، في ظل الانتقادات الشعبية الحادة والخلاف السياسي العميق، في وضع أفضل من دون اتفاق وحتى مع تصعيد. فالجمهور الإسرائيلي تواق للانتقام ولا يريد احتمال وضع تبدو فيه إسرائيل مهانة ولذلك فإنه يطالب بالحسم العسكري أكثر مما يقبل الكبح.

وفي المقابل، فإن حكومة نتنياهو تسمع كل الأصوات المنتقدة لاحتمال نشوء حرب استنزاف، وتفكر في أن الخيار الأفضل لها هو التوجه نحو الحسم. غير أن الحسم غير مضمون العواقب ميدانياً من ناحية، ومضمون الخسارة على الصعيد الدولي وربما الإقليمي. لذلك فإن الخيارات أمام الحكومة الإسرائيلية شديدة الصعوبة.

وتحدثت صحف إسرائيلية مختلفة حول عودة التنسيق على نطاق واسع بين نتنياهو والإدارة الأميركية، وأن من نتائج ذلك كان تمديد الهدنة لـ24 ساعة انتهت منتصف ليلة أمس، ودفع باتجاه الاتفاق على الورقة المصرية.
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إسرائيل والولايات المتحدة نسقتا أمر التسوية مع حماس، وأن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيصل إلى المنطقة في الأيام القريبة، وسيزور إسرائيل للإيحاء بأن العلاقات مع نتنياهو جيدة.

وشدد هؤلاء المسؤولون على أن الولايات المتحدة وإسرائيل اتفقتا سراً على الرفع التدريجي للحصار المفروض على قطاع غزة بدءاً بالمعابر البرية وبعدها في البحر أيضاً. كما اتفقتا على تسهيل إعادة إعمار القطاع عن طريق مساعدات دولية.

ومعروف أن مسألة تجريد غزة من السلاح طرحت كهدف لعدوان «الجرف الصامد»، لكن واشنطن لم تؤيد إسرائيل فيها في هذا الوقت لاعتبارات بينها صعوبة تحقيق ذلك راهناً. لكن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل تأييدها لجهودها في كل الدوائر الإقليمية والدولية لمنع تعاظم قوة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى. تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تعد مشاريع لعقد مؤتمر دولي وإقليمي لإعادة إعمار غزة على أساس معادلة «الإعمار في مقابل نزع السلاح».

وكان غياب مطلب نزع سلاح غزة عن الورقة المصرية، قد دفع وزراء إسرائيل جميعاً إلى رفضها. واعتبر الوزراء أن القبول بالورقة المصرية يجعل إسرائيل رهينة بيد حركة حماس، فالاتفاق في نظرهم لا يوفر حلاً سياسياً مسنوداً بضمانات أمنية.

إلى ذلك، أكدت «كتائب القسام» أن العدو الإسرائيلي بخرقه للتهدئة وارتكابه لمجزرة في منزل عائلة الدلو «فتح على نفسه أبواب جهنم».

وقالت الكتائب في بيان عسكري مساء أمس، إن «القصف القسامي الأخير يأتي في إطار الردّ على اختراق العدو للتهدئة، وارتكابه لمجزرة بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة في قصفه البربري لمنزل عائلة الدلو في حي الشيخ رضوان في شمال مدينة غزة»، مضيفة أن «هذا الردّ هو ردّ أولي، وأن العدو بهذه العملية الغادرة قد فتح على نفسه أبواب جهنّم، وسيدفع ثمناً باهظاً».

وأضافت أن «صواريخنا ستطال كل الأراضي المحتلة، ولا أمان للمغتصبين في فلسطين ما دام أهلنا في غزة تحت القصف».

وتحدّت «القسام» العدو الإسرائيلي أن يعلن عن السبب الحقيقي الكامن وراء «هذا العمل الجبان في قصفه لمنزل عائلة الدلو»، معلنة مسؤوليتها عن قصف تل أبيب والقدس المحتلة ومطار بن غوريون وكريات ملاخي ونتيفوت وبئر السبع والمجدل وسديروت، برشقات من صواريخها.

(السفير)

السابق
وليد توفيق وجورجينا رزق: سمن على عسل!
التالي
ادارة معبر رفح في غزة تطالب بضمانات بعدم قصف إسرائيل للمعبر