نادي الدروب القديمة والمشي في الطبيعة

«علّمتني الطبيعة أن أكون بسيطة مثل ورود الحقل، وفيّة لنفسي مثل الأعشاب البرية التي تنمو جنباً إلى جنب من دون أن تبدّل رائحتها أو لونها، تبقى الأزهار وفية لنفسها منذ خروجها إلى الأرض حتى لحظة ذبولها. علمتني الطبيعة الصبر، الوقت الذي تستغرقه البذرة لتصبح شجرة. علمتني الطبيعة الحكمة في فرح لقاء الآخرين والاستماع لهم». بتلك الكلمات تختصر رئيسة «نادي الدروب القديمة club des vieux sentiers» مي هزاز تجربتها بالمشي في الطبيعة منذ العام 1972. من جهة أخرى، تكشف الطبيعة، وفق العضو في النادي سامي بادو، قدرة الله على الخلق. «نرى يد الله في شكل الصخور، ولونها، في تغيّر الفصول وتعاقبها، في تنوّع الألوان والروائح، والأصوات. وتوفّر تجربة المشي متعة لقاء الآخرين، والتواصل الإنساني معهم»، كما يقول.

التأسيس

تأسس نادي الدروب القديمة في العام 1971، على يد الأعضاء المؤسسين رزق الله خياط، أنطوان علام، ايلي خياط… الذين كانوا يهوون المشي بالطبيعة منذ صغرهم، ويندهشون لرؤية وردة، أو مغيب شمس أو نبع ماء. فكر الأعضاء الثلاثة في سبيل الاستمرار في المشي في الطبيعة مع الرفاق والأصدقاء، فأسسّوا النادي بغية البحث عن الدروب القديمة واكتشاف طبيعة لبنان.
تعود الدروب القديمة إلى المسالك التي كانت تشقها البغال بين البلدات، فمن المعروف أن البغال تشق الطريق الأسهل والأقرب بين القرى، وكان الأفراد يستخدمونها لنقل الحنطة والشعير والحطب. زوّدت مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني النادي بالخرائط لجميع المناطق اللبنانية، وكان أعضاء النادي يستفسرون من أهالي البلدات عن تلك الدروب. وما زال النادي يستعين، حتى اليوم، بتلك الخرائط الجغرافية لتحديد الطرق والدروب مع الاستعانة بالوسائل الحديثة من «نظام التموضع العالمي ـ GPS»، وبرنامج «غوغل ايرث» في معرفة الأماكن.
يعتبر النادي جمعية لا تبتغي الربح، جميع أعضائها متطوّعون، ويبلغ عدد الأعضاء، اليوم، ستين فرداً. بين عامي 1971 و1990، كان يخبر أعضاء النادي أقاربهم وأصدقاءهم عن تلك الرحلات، فيشارك في النزهة نحو 20 إلى 25 شخصاً من دون أن تتوقّف النزهات طيلة فترة الحرب. شكلت رحلات المشي، وفق هزاز، وسيلة للمقاومة وللتعبير عن الوطن الذي نريد والذي نرغب في العيش فيه. «كنا ملتزمين برحلات المشي مهما تكن الظروف وحين نعرف أن المنطقة خطرة، نذهب إلى منطقة أخرى آمنة أكثر».
بعد الحرب، بدأ النادي في التوسّع، وفي وضع الملصقات في الجامعات ونشر الأخبار في الجرائد، فازداد عدد المشاركين في النزهات. وأصبح للنادي، اليوم، موقع على الإنترنت وصفحة على فايسبوك. ويشارك سنويّاً نحو ألفي شخص في النزهات بمعدّل 50 إلى 70 شخصاً في النزهة الواحدة.

هواية مسؤولة

يتسم هواة المشي، وفق هزاز، بحبّهم للطبيعة، وللبنان وبقدرتهم على بذل المجهود أثناء المسير إذ يوجب المشي في الطبيعة حسّ الجهد والمتابعة للوصول إلى نقطة النهاية من دون العودة في منتصف الطريق. وتوجد تعليمات للمشاركين بالحفاظ على البيئة وعدم قطع الأزهار أو ترك النفايات وغيرها.
ينظم النادي رحلات في جميع الأراضي اللبنانية، ويتعاون مع البلديات والمحميات والمؤسسات ذات الاهتمام البيئي. ويقوم بعض الأدلاء بتحضير المسار في وقت سابق حرصاً على سلامة المشاركين وعدم تعرّضهم للخطر مع الإشارة إلى أن التوجه المكاني والجغرافي في لبنان سهل نسبة إلى طبيعته.

التعرف على الآخر

تلفت العضو في النادي ماريز خليل إلى زيادة النوادي أو المجموعات التي تهتم بالمشي في الطبيعة في الفترة الأخيرة، ما يدل إلى عطش الناس للطبيعة وللمناطق الخضراء بعيداً عن المدن والإسمنت، والتلوّث. وتساعد تلك النشاطات الأجيال الجديدة في اكتشاف لبنان، وفي التعرف على الآخر الذي يعيش في منطقة أخرى أو الذي ينتمي إلى طائفة مغايرة من دون الشعور بالخوف أو الحذر. في المقابل، يأسف بادو للتكلفة المرتفعة التي تفرضها بعض المجموعات على المشاركين لأسباب تجارية.

مَن يشوّه الدروب؟

بين الأمس واليوم، شوّهت الكسارات، والمرامل والحفريات والردميات الكثير من الدروب القديمة التي تعتبر ملكاً عاماً وتراثاً تجب المحافظة عليه. يشير بادو إلى وجود تعديات كثيرة على تلك الدروب مثل الدرب الروماني الذي يربط بين المعبد والحصن في منطقة نيحا البقاعية، أو الدرب العثماني في عينطورة، وإلى انخفاض عدد ينابيع المياه وجفافها. من جهة أخرى، يختفي طابع القرية تدريجياً في الكثير من البلدات وتعلو بنايات الإسمنت غير المتناسقة مع المناظر الطبيعية ومع هندسة البيوت القديمة البسيطة، وتقلّ الثروة النباتية وتنوّعها.
لا تهتم الدولة والأفراد في المجتمع اللبناني بالمحافظة على الدروب القديمة على خلاف ما يجري في الدول المتطورة حيث تدعم الإدارات الرسمية النوادي المماثلة للحفاظ على الدروب القديمة وتراثها. في المقابل، تقول هزاز إن لبنان يتمتع بطبيعة غنية، فتتنوع المناظر الطبيعية بين منطقة وأخرى، وفي المنطقة عينها على عكس البلدان الأخرى حيث يسود المشهد الواحد على كيلومترات طويلة.

شروط ومعايير المشي غير التجاري في الطبيعة

تكثر، في الفترة الأخيرة، المجموعات والنوادي اللبنانية التي تنظم رحلات مشي في الطبيعة. وتعدّ كلفة المشاركة في تلك النشاطات مرتفعة إذ تتراوح الكلفة، في بعض الأحيان، ما بين 35 إلى 45 دولاراً للشخص الواحد وتتضمن كلفة النقل والدليل فحسب. تطرح تلك الظاهرة الكثير من التساؤلات في شأن تلك المجموعات التجارية ومهنيتها وأهدافها. إذ يوجب المشي في الطبيعة معايير معينة مثل الشغف بالطبيعة وخصائصها، ومعرفة الدروب التي يمكن السير فيها وتحضير المسار مسبقاً، والاختيار بين المسارات التي تناسب المشي في فصل الصيف أو في فصل الشتاء، وتحديد درجة الصعوبة وإن كانت تلائم جميع المشاركين أو تتوجّه لأشخاص متمرّنين فحسب، وإدراك الاتجاهات وسبل عدم الضياع حفاظاً على سلامة المشاركين، وتزويد المشاركين بإرشادات معينة مثل عدم رمي الأوراق، وعدم قطع الورود والنباتات حفاظاً على البيئة والتنوّع البيولوجي.
فهل تستوفي تلك المجموعات والنوادي تلك الشروط والمعايير؟ وهل تظهر تلك المجموعات التجارية الشغف عينه للطبيعة التي تظهرها مجموعات أخرى غير ربحية؟ وهل تروّج تلك المجموعات التجارية لمفاهيم صادقة، وعميقة في شأن الطبيعة وجمالها وأهميتها؟

السابق
قاسم اسطنبولي الى مدريد دعماً لغزة
التالي
حنّا غريب: انتهى الحلم..