البطريرك الذي لا يغيب

بعد استقالته من سدة البطريركية حرصت على عدم الانقطاع عنه، لكونه أكبر من منصبه، زرته مرات عديدة خلال فترة الاستقالة، كما كنت أتواصل معه حينما كان على رأس الكنيسة المارونية.

في آخر لقاء بيننا، في أجواء ذكرى ميلاده الـ 95، وبعدما أشدتُ بمناقبيته، وحكمته عقّب على كلامي قائلاً: ((شو يا شيخ عم ترثيني)) عندها ضحكتُ وعدّلتُ سياق الحديث، شعرتُ حينها بمنسوب رغبته الكبيرة بالحياة، والعطاء، والصلابة، حتى في مقابل سنن الطبيعة حيال السن والهرم!!

هذا هو البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، المؤمن لأقصى درجة، والصلب في الأوقات الحرجة، والسياسي المميز الذي لم يحد عن شخصيته ((الكنسية)) قيد أنملة!

لطالما تداولنا بلبنان ومصيره، وسورية و((وجودها))، وإسرائيل وابتلاءاتها..

كم كان يُعجَب بشجاعة ((اللقاء)) معه في زمن الحظر ((الإسلامي)) عليه!

كم كنتُ أُكْبِر فيه إصراره على الحفاظ على الكيان اللبناني، بوجهه الديموقراطي، وبتعدديته الثقافية!

كم كان يأنس برأي إنسان مسلم حر يطمح لبناء دولة ذات سيادة وقرار واستقلال!

كم كنتُ أشعر بعظمته بأدائه الرصين، ولغته الفصيحة، ومنطقه الحكيم!

هي لقاءات عديدة، لا يمكن أن تنسى من ذاكرتنا، لا سيما تلك التي كانت في فترة الوجود السوري، بل وحتى قبل انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان!

البطريرك صفير يرحل ولا يغيب، يرحل جسداً ويبقى فكراً، يبقى مع كل طامح لبناء دولة حديثة، ذات سيادة.

سنفتقده عند الملمات وأمام التحديات والأعاصير..

له الرحمة، عزاؤنا الصادق لأسرته، وللكنيسة المارونية، وللبنان.

السابق
باسيل: لدينا خطة اقتصادية لحل الازمة ولا نفرضها على أحد
التالي
رسالة من الكونغرس لترامب: كن حازماً بسوريا.. وتحرّك ضد “حزب الله”!