الأردن قد يكون الحلقة الضعيفة في صفقة ترامب

ربما أن الازمة بين السلطة الفلسطينية وواشنطن حول صفقة القرن ستؤدي الى عدم الاستقرار في الاردن وستضعضع النظام هناك. عوديد عيران، سفير اسرائيل السابق في الاردن حذر من "اشارات مقلقة" على عدم الاستقرار التي تظهر في الوقت الحالي في الاردن، ومن التوتر مع اسرائيل في اعقاب الصفقة.

احيانا يحتاج الامر الى شخص من الخارج، خريج الجهاز السياسي – الامني كي يقول ما لا تستطيع المؤسسة الاسرائيلية نفسها أن تقوله بصوت عال. مسألة استقرار النظام لدى جارتنا الشرقية، الاردن، هي أمر “طابو” منذ سنوات كثيرة لدى اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية. لا يتحدثون عن ذلك علنا، ولا حتى في توجيهاتهم لوسائل الاعلام. عندما لا تكون شخصية اسرائيلية رفيعة المستوى حذرة بما يكفي في كلامها مثل قائد المنطقة الوسطى يئير نفيه( الذي عبر عن القلق على مستقبل حكم الملك عبد الله في 2006)، فان رد العائلة المالكة في عمان يكون شديد، والقدس اضطرت الى نفي زلة اللسان بعدد لا يحصى من المراوغات والاعتذارات.
د. عوديد عيران كان سفير اسرائيل في الاردن في النصف الثاني من سنوات التسعين، كباحث كبير في معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل ابيب، هو يعرف جيدا ايضا التحليل السياسي والاستخباري الآني في اسرائيل فيما يتعلق بوضع العائلة المالكة. في مقال نشر أول أمس في موقع المعهد، يرسم صورة حزينة جدا: “في الفترة الاخيرة تتراكم اشارات مقلقة حول استقرار الاردن”. المملكة الهاشمية صمدت خلال سنوات امام الضغوط التي خلقتها الاضطرابات في العالم العربي حولها، “لكن مؤخرا تصدعت صورة الاستقرار وازدادت الدائل على أن الضغوط والاحداث الجارية في الدولة يمكن أن تؤدي الى ضعضعة جدية للنظام، التي سيكون لها تأثيرات بعيدة المدى”.

اقرأ أيضاً: أميركا تعلم أن الصراع أوسع من جغرافيا إيران و«الموعد» المقبل… بعد أقلّ من 60 يوماً

في الخلفية، كما اشار هنا تسفي برئيل هذا الاسبوع، تقف ايضا صفقة القرن للادارة الامريكية. البيت الابيض اطلق الصفقة في يوم الاحد بالاعلان عن مؤتمر اقتصادي دولي في نهاية شهر حزيران في البحرين، ستبحث فيه خطط لضخ اموال كبير للفلسطينيين كمرحلة اولى من رزمة سياسية مستقبلية. خلافا للردود الايجابية المسبقة بصورة نسبية (والحذرة) من عدد من دول الخليج، فانه توجد لملك الاردن اسباب جيدة كي يكون قلقا.
ازمة علنية بين السلطة الفلسطينية وادارة ترامب ازاء معارضة السلطة للرزمة التي تؤيد اسرائيل والتي تبلورها واشنطن، يمكنها أن تنعكس ايضا على السكان الفلسطينيين في الاردن، لا سيما اذا اختارت السلطة أن تشعل احتجاج في الحرم وفي القدس. حسب جميع التسريبات السابقة، فان الامريكيين لا ينوون الاقتراب من طلبات الحد الادنى للسلطة في القدس، ايضا عندما سيعرضون أخيرا (اذا عرضوا أصلا) الجزء السياسي في الخطة. لذلك، ظهر سيناريو يقول إن الاردن سيظهر أنه الحلقة الضعيفة في مبادرة السلام الامريكية، سواء برفض الملك الانضمام الى تأييد الصفقة أو باحتمال عدم الهدوء الداخلي في اعقاب طرح الخطة.
في مقاله حذر عيران من أن “عملية الضعضعة يمكنها أن تتمثل بمظاهرات جماهيرية ومتواصلة، واحيانا عنيفة ايضا؛ وفقدان سيطرة قوات الامن على ما يجري؛ وفقدان سيطرة القصر الملكي على قرارات البرلمان”. وحسب اقواله فان مكانة القصر الملكي لم تكن محل تساؤل منذ تأسيس المملكة. صحيح أنه في بداية هزات الربيع العربي سمعت دعوات لتقليص صلاحيات الملك واقامة مملكة دستورية، لكن الملك تمكن من احتواء الطلبات من خلال تبني عدد منها. بالاساس عن طريق تغيير طريقة الانتخابات. مع ذلك، في السنتين الاخيرتين ازداد الانتقاد على سلوك الملك في معالجة المشكلات الاساسية في المملكة وعلى سلوك الملك والملكة رانية الشخصي.
في نهاية شهر نيسان قام الملك عبد الله بتغيير سبعة وزراء وعزل رئيس المخابرات الاردنية عدنان الجندي وشخصيات رفيعة اخرى في جهاز المخابرات وفي البلاط الملكي. في الخلفية سمعت اشارات عن كشف تنظيم سري خطط للمس بالملك. اعلان البلاط الملكي تحدث عن محاولة للمس بأمن الدولة.
عيران كتب أنه في بداية الشهر الحالي، عندما قام عبد الله بتعيين احمد حسني رئيسا جديدا للمخابرات، نشرت وسائل الاعلام الاردنية رسالة الملك لحسني. الملك أثنى على جهاز المخابرات الذي “استطاع أن يكشف محاولات يائسة ضد الأمة”. واضاف بأنه “يوجد اشخاص يستغلون الظروف الصعبة التي يمر بها الاردن”. عبد الله كتب “الحديث يدور عن مرحلة معقدة في المنطقة، تكتنفها تحديات. الاردن نفسه يواجه عدم استقرار اقليمي والمناخ الدولي متوتر”.
السفير السابق ذكر صعوبات اخرى في الاردن: ازمة اقتصادية شديدة، بطالة متزايدة وصعوبات في الاستيعاب ترافق هجرة مليون ونصف لاجيء سوري الذين وصلوا الى الاردن منذ اندلاع الحرب الاهلية في الجارة الشمالية منذ ثماني سنوات. في اعقاب الوضع الاقتصادي والاتهامات بشأن الفساد الذي تفشى في محيط الملك، مظاهرات احتجاج اسبوعية تجري في عمان واحيانا في مدن رئيسية اخرى. ليس واضحا اذا كانت الدول المانحة للاردن ستواصل تحويل الاموال المطلوبة له من اجل منع انهيار اقتصادي.
لقد حذر عيران ايضا من توتر محتمل بين اسرائيل والاردن على خلفية مبادرة ترامب والازمة التي اندلعت قبل بضعة اشهر في الحرم حول فتح مصلى باب الرحمة. الازمة تم ضبطها في الوقت الحالي من خلال اتفاق ثلاثي مع الفلسطينيين على اغلاق المبنى لفترة محدودة، لاغراض الترميم. عيران كتب أنه “اذا مكنت حكومة اسرائيل الجديدة من اتخاذ خطوات في الكنيست لتحقيق مطالب للضم لاسرائيل و/أو تطبيق القانون الاسرائيلي في اجزاء من يهودا والسامرة، سيقف الاردن على رأس المعسكر العربي الذي سيدعو المجتمع الدولي الى عدم الاعتراف بهذه الخطوات، وادانة اسرائيل وربما حتى فرض عقوبات عليها”.
حسب تقديرات عيران، عندما ستنشر اخيرا خطة ترامب سيضطر الملك عبد الله الى التعبير عن معارضتها علنا وبصورة واضحة. “من اجل اسكات جميع الذين يجلسون في الغرف المظلمة في عمان، بأن مساعدة امريكية سخية ستخفف من رده”. في الخلفية بقيت صعوبات اخرى في العلاقات بين اسرائيل والاردن، التي تتعلق ضمن امور اخرى باعلان الاردن عن انتهاء اتفاقات تأجير الارض في نهرايم وموشاف سوفر. الخلافات حول حفر قناة البحرين والانتقاد المستمر في الاردن لصفقة شراء الغاز من اسرائيل. “هذه قائمة كل بند من بنودها يهدد جوهر العلاقات ومضمونها”، اضاف. لذلك، من المهم أن تجري الدولتين حوار مستمر بينهما وتمتنعان عن خطوات استفزازية.
يمكننا التقدير بمعقولية عالية بأن تحليل عيران قريب من التوقعات بأن وزراء الحكومة والكابنت يصغون الى التقارير الدورية التي يقدمها جهاز الامن. الاسرائيليون الذين يتحدثون بين الفينة والاخرى مع شخصيات رفيعة في المملكة، في الحاضر والسابق، يسمعون منهم المزيد من المخاوف بخصوص تأثيرات مبادرة ترامب. حسب اقوالهم فان الاعتماد الامريكي والاسرائيلي على الاموال من دول الخليج، السعودية ودولة الامارات، لتموير العملية الامريكية يتوقع أن ينتهي بخيبة أمل.
الادعاء الذي يسمع في عمان هو أن دول الخليج لا تفهم عمق وضع الفلسطينيين واعتباراتهم، لذلك هم يبثون آمال عبثية لدى الامريكيين فيما يتعلق باحتمال التوصل الى تسوية بدون معالجة موضوع القدس. التوقعات المتشائمة هذه تنضم الى عداء الاردن الاكثر قدما تجاه السعودية والولايات المتحدة، اللتان لم تحققا توقعات المملكة في الحصول على مساعدات اقتصادية اكثر سخاء، مساعدات كان يمكن أن تساعدها في مواجهة استيعاب لاجئين ومواجهة الازمة الاقتصادية الشديدة.
باحتمال التوصل الى تسوية بدون معالجة موضوع القدس. التوقعات المتشائمة هذه تنضم الى عداء الاردن الاكثر قدما تجاه السعودية والولايات المتحدة، اللتان لم تحققا توقعات المملكة في الحصول على مساعدات اقتصادية اكثر سخاء، مساعدات كان يمكن أن تساعدها في مواجهة استيعاب لاجئين ومواجهة الازمة الاقتصادية الشديدة.

السابق
بيان إماراتي أردني.. «تضامن مطلق» بمواجهة كل التحديات
التالي
مبعوث ترامب: الاونروا تعمل في الرمق الأخير والفلسطينيون سيخسرون كثيراً!