أوامر التعذيب من الأسد.. أوروبا تطارد جلادي النظام

سجون الاسد

يعتبر أكثر من 128.000 شخص في سجون جهاز المخابرات السوري في عداد المفقودين، وتم تعذيب الآلاف منهم حتى الموت. فيما تعتزم أوروبا الآن محاسبة جلادي نظام الأسد.
أكثر من 1.2 مليون وثيقة سرية من جهاز الأمن السوري هي في الأثناء بحوزة منظمات غير حكومية غربية. ومصدرها مكاتب الأجهزة الأمنية التي كانت خلال الحرب تحت سيطرة المعارضة السورية. وقد عملت منظمات غير حكومية على تهريبها إلى خارج سوريا. “والمركز السوري للعدالة والمسؤولية” الموجود في واشنطن أصدر لأول مرة تحليلا لوثائقه التي تبين المسؤولية السياسية لأعمال التعذيب مع بداية الاحتجاجات المناوئة للحكومة في 2011 إلى قمة الدولة السورية. “لأول مرة في تاريخ سوريا يتم الآن نشر أدلة”، يقول مدير المركز السوري للعدالة والمسؤولية، محمد عبد الله. وتملك منظمته أكثر من 480.000 صفحة من جهاز الأمن السوري احتوى عليها التحليل الذي صدر الثلاثاء تحت عنوان “الجدران لها آذان”. وغالبيتها جاءت ابتداء من 2013 من طبقة والرقة وكذلك في 2015 من ادلب بعدما تم طرد قوى الأمن السورية من هناك.

اقرأ أيضاً: كيف سحق «الأسد» المعارضة داخل سجون التعذيب السرية في سورية

قائمة أسماء لاضطهاد معارضي النظام
والدراسة تكشف “عمليات القرار لأقسام الجهاز السري السوري وخروقات حقوق الإنسان جسيمة وكذلك حجم تدخل هذه الأجهزة المخابراتية في مجالات الحياة اليومية في سوريا”، كما ورد في التقرير الذي يكشف أيضا كيف أن أجهزة الاستخبارات السورية انطلاقا من 2011 جمعت قوائم بأسماء معارضي النظام. وفي رسالة بتاريخ 13 حزيران/يونيو 2011 يطالب مدير جهاز الاستخبارات السياسي جميع رؤساء الأقسام في غضون 24 ساعة بتقديم جميع المعلومات حول الواقفين وراء الاحتجاجات المعادية للأسد. والكثير منهم تم اعتقاله وتعذيبه. وهذا ما تؤكده أيضا أكثر من 26.000 صورة هربها مصور سوري سابق للشرطة العسكرية بمساعدة فرنسية من سوريا والتي تصلح اليوم لمحققي الشرطة والنيابة العامة في العديد من الدول الأوروبية كأساس تحقيقات ـ بما في ذلك ألمانيا.

أدلة لدعوى ضد الأسد
هذه الوثائق الشاملة تحتضنها مؤسسة متمركزة في أوروبا يصدر القليل منها إلى العلن: إنها “لجنة العدالة الدولية والمحاسبة” المسجلة في هولندا التي هربت بعد تفجر الحرب في سوريا أكثر من 800.000 وثيقة سرية من سوريا يتحقق محللون من أهميتها الجنائية، وهي مدعومة ماليا من العديد من الحكومات الأوروبية بينها بريطانيا وألمانيا. وعلى طاولة مكتب مدير المؤسسة، وليام ويلي يوجد هيكل تنظيمي أنجزه محققوه حول سلسلة الأوامر لأجهزة الاستخبارات السورية الأربعة والأقسام التابعة لها في المدن والمحافظات إلى ما يُسمى ” الخلية المركزية لإدارة الأزمات” التي أقامها حزب البعث السوري لمكافحة التمردات في البلاد. وعلى رأسها يأتي رئيس الدول بشار الأسد.

ويلي كان في السابق نائبا عاما في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة ومحكمة رواندا في لاهاي. وعندما كان يحقق ضد الزعيم السابق لصرب البوسنة رادوفان كرادجيتش بسبب محاصرة العاصمة البوسنية سراييفو لم تكن وثائق موجودة. واليوم الأمر مختلف. ويلي يشير إلى بروتوكول من لقاء “الخلية المركزية لإدارة الأزمات” بتاريخ 5 أغسطس 2011 يؤكد إصدار قمة الدولة أوامر بتنفيذ “مداهمات يومية ضد منظمي الاحتجاجات” وضد “أولئك الذين يوسخون سمعة سوريا في وسائل الإعلام الأجنبية”.

أمر ملاحقة المعارضة
إذا أردنا فهم كيف مات آلاف ضحايا التعذيب في سوريا، يجب البدء “بهذه الوثيقة”، يقول ويلي في حديثه مع DW. “وفي كثير من الحالات تعلق الأمر بأناس عاديين ليسوا ملتزمين سياسيا ولكن كانوا ربما يعرفون أحدا يلتزم سياسيا للمعارضة”. ومحقق الأمم المتحدة السابق مقتنع من أن هذه الوثائق تكفي لمثول الرئيس الأسد أمام محكمة دولية بسبب جرائم ضد الإنسانية. “لدينا أمثلة مثل لوران غباغبو، الرئيس السابق لساحل العاج الذي استقال فانتهى به الأمر في لاهاي أو تشارلز تايلور، الرئيس السابق لليبيريا الذي انتقل مباشرة من المنفى إلى السجن”.

وليام ويلي، النائب العام في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي
وهو يعتقد بأن الرئيس السوري بشار الأسد ينتظره مثل هذا المصير. “الأدلة لتورط الرئيس الأسد في جرائم حرب مقززة وجرائم ضد الإنسانية غير مشكوك فيها”. وفي حال رفع دعوى، فإن الوثائق من الجهاز الأمني السوري لها أهميتها وهي تُستخدم منذ الآن كأساس لعديد من الدعاوى في أوروبا بتهمة جرائم ضد الإنسانية. وفي فرنسا اعتقلت الشرطة في بداية السنة موظفا سابقا في جهاز المخابرات، وفي ألمانيا ألقي القبض على اثنين، بينهما أنور ر. في برلين الذي يقبع في الحبس الاحترازي، وتتهمه النيابة العامة كمدير قسم جهاز المخابرات في دمشق بتحمل المسؤولية في التعذيب. وفي حديثه مع DW أوضح ويلي بأن أجهزة التحقيق في أوروبا تحقق ضد “عشرة إلى اثني عشر مسؤولا رفيعا مثل أنور ر.”. وهو مقتنع من أنه في السنوات المقبلة ستُعقد محاكمات في أوروبا ضد جناة نظام التعذيب السوري.

بعد القذافي، ليبيا لم تتخلص من تركة التعذيب
تلقت الأمم المتحدة شكاوى أهالي سجناء في ليبيا تفيد بانتهاكات حقوقية داخل السجن حيال بعض الموقوفين من قادة النظام السابق، منهم الساعدي نجل العقيد الراحل معمر القذافي. كما أعلن حقوقيون العثور على جثث قرب مدينة بنغازي، لأشخاص تمت تصفيتهم بالرصاص وتبدو عليها آثار تعذيب. وتتبادل جماعات إسلامية متشددة مسلحة وقوات الأمن الاتهامات بشأن اختطافات وعمليات التعذيب.

“التعذيب في 30 عاما من الوعود المنقوضة”
بعد ثلاثين عاما على توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب نددت آمنستي بانتشار التعذيب “على المستوى العالمي”، مشيرة إلى أنه بات يمارس بشكل “طبيعي” إثر الحرب على الإرهاب. وقال تقرير العفو الدولية الذي جاء تحت عنوان “التعذيب في 30 عاما من الوعود المنقوضة” إنه بعد “ثلاثة عقود من الاتفاقية وأكثر من 65 عاما بعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان فإن التعذيب ليس فقط مستمرا بل إنه يتزايد.”

وصمة عار تعذيب النساء في سوريا
وثق نشطاء وجماعات دولية لحقوق الإنسان انتهاكات ممنهجة داخل مراكز الاعتقال السورية تتضمن إذلال المحتجزات اللاتي يجبرن على خلع ملابسهن والجلوس بالملابس الداخلية فقط خلال جلسات الاستجواب، وأحيانا يتعرضن لعنف جسدي وجنسي. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية غير الحكومية، أنها التقت العام الماضي بعشر سوريات سبق اعتقالهن وأن ثمانية منهن قلن إنهن تعرضن لانتهاكات أو تعذيب أثناء الاحتجاز.

جلد الأطفال والنساء في معتقلات”داعش”
تتهم منظمة العفو الدولية، جماعة “داعش” بعمليات خطف وتعذيب وقتل معتقلين في سجون سرية أقامتها على أراضٍ تسيطر عليها في سوريا. وحسب آمنستي، فإن من بين السجناء لدى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) أطفالا بالكاد يصل عمر بعضهم الى 8 سنوات وقاصرين تعرضوا للجلد والسجن مع بالغين في ظروف “قاسية وغير إنسانية”. في الصورة لقطة من مسرحية “الكرسي” الألمانية الرمزيية عن التعذيب، وقد عرضت في بيروت.

جلادو خالد سعيد لم يتوقفوا عن ممارسة مهنتهم
رغم صدور حكم قضائي بالسجن لمدة عشر سنوات على شرطيين في قضية تعذيب الناشط خالد سعيد حتى موته عام 2010، والذي أثار مقتلة احتجاجات قادت إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011. فإن نشطاء ليبراليين ما يزالون يعتقلون ويعذبون في مصر، منهم قادة لحركة 6 أبريل أيقونة ثورة 25 يناير 2011.

نزاع الصحراء الغربية يتسبب في ضحايا
يتسبب نزاع الصحراء في ضحايا. ويأتي”المغرب والصحراء الغربية ضمن حملة خاصة أطلقتها آمنستي على خمس دول في العالم، فيها ممارسات التعذيب منتشرة بصورة خاصة”. كما أقر مجلس الأمن في أبريل/ نيسان 2014 قرارا ينص على أن المجلس “يؤكد أهمية تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف ويشجع الأطراف على العمل مع المجتمع الدولي لتطوير وتنفيذ إجراءات مستقلة وجادة لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان”.

اتهامات بالتعذيب تتسبب في أزمة ديبلوماسية
تسببت شكاوى منظمات غير حكومية في فرنسا ضد مسؤولين مغاربة تتهمهم بالتورط في أعمال تعذيب بالمغرب، في أزمة ديبلوماسية بين الحليفتين الرباط وباريس، وذلك إثر حضور الشرطة الى مقر السفير المغربي في باريس لابلاغ عبد اللطيف حموشي مدير مراقبة التراب الوطني المغربي (جهاز المخابرات الداخلية) باستدعاء من قاضي تحقيق لاتهامه بالتواطؤ في أعمال تعذيب. ورفض المغرب ذلك ورفعت وزارة العدل المغربية دعوى مضادة في باريس.

تعذيب من أجل حماية “المملكة”
شهدت المملكة العربية السعودية العام المنصرم سلسلة اعتقالات وإجراءات قانونية جديدة “وقع تحت طائلتها إسلاميون سنة ومسلمون شيعة وإصلاحيون ليبراليون وملحدون ودعاة حقوق إنسان” فيما وصفه أحد النشطاء بأنه “حالة طوارئ غير معلنة”. ففي مواجهة مطالب الحريات التي فجرها الربيع العربي، اتخذت المملكة خطا أكثر صرامة في مواجهة أشكال كثيرة من المعارضة. وتقول المملكة إنه لا يوجد لديها معتقلون سياسيون ولا تعذيب.

في تونس، الدولة تعتذر لضحايا التعذيب
رغم اللوحة القاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في دول الربيع العربي، قدم الرئيس التونسي منصف المرزوقي اعتذارا باسم الدولة إلى ضحايا التعذيب الذين مورس ضدهم طيلة نصف القرن الماضي، داعيا إلى معركة دائمة ضد التعذيب في ظل الديمقراطية الناشئة. وفي مقابلة مع DW طالبت محرزية العابدي إحدى ضحايا التعذيب في عهد حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وهي ناشطة إسلامية، بمحاسبة “الجلادين” المسؤولين عن التعذيب.

 

السابق
العلامة الحاج في الإفطار السنوي: الحلّ يكون بالدولة المدنيّة والإبتعاد عن المظاهر الدينيّة
التالي
نفوذ ايران يضع القوات الأميركية وحلفاءها…في مرمى النيران