حزب الله الأيديولوجي من التمرد على «النظام» إلى تبنّي خطاب «الأنظمة»

حزب الله
حزب الله الذي بدأ بتكفير النظام اللبناني، وقاتل الكثيرين في سبيل إنجاح الثورة الإسلامية في لبنان، وخوّن كل من هادن إسرائيل، أو عقد اتفاقا معها، ودائما زحفا زحفا نحو القدس الشعار الذي لا هوادة فيه، واقع الحال اليوم يقول شيئا آخر، انها سيرة تكفير النظام الى تبني خطاب الأنظمة.

تحميل الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية التوتر في المنطقة العربية من قبل نائب أمين عام حزب الله خلال لقائه أمس في بيروت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، لا يقلل من شأن الجملة التالية التي أكد فيها للمسؤول الدولي أن “قوة حزب الله وجهوزيته هي من أجل حماية لبنان فقط” حزب الله يقول لضيفه، أنه ليس لديهة نوايا للتدخل في ما هو خارج لبنان، ولم يقل “سنكون حيث يجب أن نكون”، وهي العبارة التي طالما كانت شعاراً يردده أمين عام حزب الله للرد على انتقاد حزب الله للتدخل في دول عربية.

معظم المواجهات، التي خاضها حزب الله في مراحله الأولى مع أحزاب سياسية لبنانية ومع مؤسسات أمنية وعسكرية رسمية لبنانية خلال عقد الثمانينات عسكرياً، وما بعده سياسياً وايديولوجيا، كان مطالبة هؤلاء بتنفيذ القرار الدولي رقم 425 الذي دعا لانسحاب إسرائيل من أراضي لبنان المحتلّة، دون قيد أو شرط. وفي خطاب حزب الله أن من يدعو الى تطبيق هذا القرار يضع نفسه في موقع الخصم والمتآمر. كما شكل السجال حوله أحد أسباب الحرب الدموية التي قامت بين حركة أمل التي كانت تتبنى القرار وتدعو إلى تطبيقه، وبين حزب الله الذي كان يرى فيه خيانة للقدس وفلسطين. باعتبار أن الهدف ليس فقط تحرير أراضي لبنان.

اقرأ أيضاً: حزب الله مستقبلنا؟!

وهذا انطبق على مزارع شبعا المحتلة، التي قوبلت الدعوة إلى تفاوض لبنان حولها بجملة بليدة ومريبة: “فلتنسحب إسرائيل منها وبعد ذلك نتفق مع سوريا”. والنتيجة أن ما كان متاحا في العام 2000 ومطروحا من إسرائل، بات تحقيقه اليوم أكثر تعقيدا، إن لم يكن مستحيلا.

لم تكن طريق القدس خارج السجال أيضاً، فقد كانت التسويات التي انخرطت فيها منظمة التحرير الفلسطينية مع اسرائيل في اوسلو، خيانة تتيح قتل من تورط بها، على ما ذهبت خطابات قادة حزب الله طوال عقود.

وعن طرق القدس التي شقها حزب الله داخل سوريا، لم يجد ضيرا بعد “انتصاراته” مع محور المقاومة، أن يصمت على كل الاستثمارات الإسرائيلية في في هذه “الانتصارات”.

وما كان يعتبره خيانة أو سقوطا في سلوك الجهات الفلسطينية الرسمية سابقا، لم يجد ضيرا في “نسخه” اليوم وتقبّل الوقائع السياسية الإقليمية والدولية.

اي أن حزب الله أتاح لنفسه الصمت على الضربات الإسرائيلية التي تستهدفه وعدم الرد عليها، كما هو حال نظام سوريا منذ عقود، في وقت يخوّن من لا يرد على العدوان الاسرائيلي، ويذهب إلى التفاوض معها أو يدعو إليه، باعتبار أن الجلوس مع العدو خيانة.

فكرة التفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود هي خيانة عظمى ومس بالعقيدة في عقد التسعينيات، لكنها تصبح مبررة اليوم ومقبولة. علما انها كانت في حينه تحت رعاية الأمم المتحدة، ومن دون مشاركة اميركية.

اليوم واشنطن هي من يدير التفاوض ويعدّ له والامم المتحدة صفتها استشارية في احسن الأحوال، وحزب الله لا يجد في هذه الخطوة انتهاكا لعذرية المقاومة، إذ يكفي أن يقال “فلسطين المحتلة” لا إسرائيل، كي يصبح التفاوض حلالاً.

اقرأ أيضاً: عن استراتيجية إيران في الأزمات…

كان حزب الله يعتبر أن الأنظمة هي المسؤولة عن منع الشعوب من تحرير فلسطين، لكن المفارقة أنه في لحظة صعود قوة حزب الله داخل لبنان وسوريا، لا نجده محتفياً بأن فلسطين على مرمى حجر، وتعوّد نغمة تشبه لهجات الأنظمة العربية التي حاربها ولم يستسِغها. وها هو يتبنى منطقها عمليا. فعدم المباشرة بتحرير فلسطين سببه انتظار تأمين التوازن الاستراتيجي مع العدو، على رغم أن بعض القيادات الايرانية أعلن عن قدرة إيران على تدمير إسرائيل في فترة وجيزة حتى لا نقول بضعة دقائق.

هذه المفارقات التي تجعل على سبيل المثال سياسة عدم الرد على الضربات الإسرائيلية عقلانية اذا صدرت من قبل حزب الله، وخيانة اذا صدرت عن سواه.
ليس غاية ما تقدم سوى القول إن الأحزاب الايديولوجية والتي تقوم على التقديس، وعلى نظام حديدي، لا تتيح اي هامش أو دور للمحازبين في ممارسة فعل النقد والمساءلة واختيار القيادة انتخابا، ما يسمح بتفاعل حرّ ضمن المؤسسات الحزبية أو في العلاقة مع المجتمع. أحزاب يصعب على قياداتها أن تعترف بالخطأ، فهي لا تخطئ وبالتالي لا يمكن أن تُساءل، فالمخطىء الوحيد في مثل هذه الأحزاب هو من يصبح خارجها، بإرادته أو رغما عنه، ومن يخاصمها في بيئتها، أو في وطنها الأصلي. ببساطة مع الوقت يفلس منطقه وتستهلك بنيته الايديولوجية، واركان تعبئته العقائدية.

السابق
دراسة روسية: إيران تستطيع إنتاج قنبلة ذرية خلال عام
التالي
القيمة المعرفيّة للدّين