التصعيد في مياه الخليج والصفقة «حدود إسرائيل»

علي الأمين
الخناق الذي يضيق على إيران، سيفرض بالضرورة الدخول في تسويات طالما أن الحرب ليست مضمونة النتائج بالنسبة لإيران بالدرجة الأولى، وهذه التسويات في نظام المصالح الإيراني ستتركز بالضرورة على أولوية حفظ النظام الإيراني.

هل تبدأ الحرب بين واشنطن وطهران؟ هذا السؤال يشغل العالم اليوم من دون أن تتضح الصورة بعد، فالحشود العسكرية الأميركية في الخليج العربي والبوارج الأميركية التي وفدت إلى الخليج والبحر المتوسط، إلى جانب الاحتياطات العسكرية والدبلوماسية الأميركية كلها تنذر بأن خيار الحرب على الطاولة، على رغم المواقف الأميركية التي لا تزال تؤكد أنها لا تريد الحرب مع إيران، إنما تغيير السلوك الإيراني.

والحال نفسه في الجهة المقابلة فالمرشد الإيراني علي خامنئي، أعلن أنه لا يريد الحرب، كذا أعلن وزير الخارجية الإيرانية أن لا نيّة لطهران في خوض مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. فيما أكد قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي أن “إيران تخوض حربا شعواء مع أميركا تشمل الاستخبارات والهجمات الإلكترونية والردع العسكري”.

وجاء كلام سلامي خلال مراسم تسلم وتسليم في مواقع مسؤولي استخبارات الحرس الثوري كما نقلت وكالة مهر الإيرانية، وهذا الموقف كما المناسبة، يرجحان المعلومات التي تحدثت عن اختراقات أمنية أميركية في داخل المؤسسات الاستخبارية الإيرانية وعلى مستوى الشبكة العنكبوتية.

اقرأ أيضاً: طبول المفاوضات بين «أميركا أولاً» و«إيران أولاً»

ما تقدم هو نذر يسير من التحركات العسكرية والمواقف السياسية التي تتأرجح بين التصعيد نحو الحرب، وبين تسوية لم تتضح بعد معالمها وإمكانية تحققها. خصوصا أن الشروط الأميركية لهذه التسوية ليست أقل من إعلان هزيمة للنظام الأيديولوجي الذي يحكم إيران، وبالتالي فإن رضوخ النظام في إيران لهذه الشروط يبدو مستبعدا وغير وارد في حسابات القيادة الإيرانية، التي استثمرت كل قوتها في تعزيز نفوذها الخارجي، وهي تدرك أن ما تمتلكه من قيمة في الميزان العسكري والسياسي، هو هذا النفوذ سواء في العراق أو اليمن وسوريا ولبنان، فيما تفتقد أي ميزة اقتصادية أو عسكرية أو مالية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية داخل إيران، وهي أزمة تفاقمت جراء العقوبات الأميركية حسب التقارير الاقتصادية والمواقف التي صدرت عن المسؤولين الإيرانيين.

تمسّك إيران بأوراق قوتها ليس مفاجئا، بل متوقع من أي مراقب لمسار السياسة الإيرانية على امتداد العقود الماضية، وبالتالي فإن استخدامها لهذه الأوراق هو الخيار المناسب لها، طالما أنها قادرة على استخدامها من دون أن يورطها ذلك في مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية، وبالتالي فإن الرسائل الأمنية تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال “عمليات تخريب” لسفن في المنطقة الاقتصادية، ومحاولة “تخريب” أحد أنابيب النفط داخل السعودية، هي عمليات نفت طهران مسؤوليتها عنها، رغم التقارير التي صدرت ورجّحت قيامها بها عبر جماعات تابعة لها.

هذا ما دفع المملكة العربية السعودية ودولا خليجية إلى “الموافقة على طلب من الولايات المتحدة لإعادة انتشار قواتها العسكرية في مياه الخليج العربي وعلى أراضي دول خليجية”. وفي موازاة عملية استثمار وتنشيط للأذرع الإيرانية كانت الرسائل التي انطلقت من بغداد، والتي طالت المنطقة الخضراء في بغداد مساء الأحد، من خلال إطلاق صاروخ لم يؤد إلى أضرار مادية أو بشرية، والذي كان مسبوقا باجتماع قبل أسابيع جرى تسريب خبر حصوله من خلال وسائل إعلام بريطانية، ترأسه قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وجمع قيادات لميليشيات من الحشد الشعبي العراقي، وجوهر الاجتماع هو الاستعداد للحرب.

إزاء هذا المشهد الأمني والعسكري وما يحيط به، بات واضحا أن التحديات الأمنية سوف تتجه نحو مزيد من توجيه الرسائل الإيرانية غير المباشرة تجاه دول الخليج والعراق، وهذا ما دعا الرياض إلى الدعوة إلى مؤتمر قمة عربية وخليجية عاجلة على هامش المؤتمر الإسلامي في مكة آخر الشهر الجاري، مترافقا مع مواقف رسمية صدرت عن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير أكد فيها من جهة على عدم رغبة المملكة في خوض أي حرب مع إيران، ومن جهة ثانية استعدادها للدفاع عن أراضيها ومصالحها.

في خضم هذه المواجهة، وإزاء هذا التصعيد الذي تشير إليه التطورات الميدانية، تبقى مخاطر وقوع حرب واردة، فاليد على الزناد وأي خطوة غير محسوبة قد تدفع نحو حرب بسبب عدم رغبة أي طرف في التنازل، فواشنطن لن تقف مكتوفة حيال أي رسالة تراها خاطئة، والرئيس دونالد ترامب لن يستطيع تعريض ما يسميه “هيبة أميركا” للخطر، كما أن النظام الإيراني بات يدرك أن أي سكوت على ضربة أميركية مباشرة ستكون له تداعيات داخلية لن يتحمل عواقبها. وفي تغريدته الأحد الماضي إثر ما جرى في المنطقة الخضراء في بغداد قال ترامب “إذا كانت إيران تريد الحرب، فستكون هذه هي النهاية الرسمية لإيران”، وأضاف “لا تهددوا الولايات المتحدة مرة أخرى”، وهي إشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الرسائل الإيرانية الأمنية غير المباشرة.

هل ستقع الحرب؟ السؤال قد يبدو وكأن الحرب غير قائمة، فحرب العقوبات الأميركية هي الأشد والأقسى على إيران، ومن الواضح أن الإدارة الأميركية تبني استراتيجية المواجهة على هذا الوجه بالدرجة الأولى لتغيير سلوك النظام في إيران.

وتتركز الجهود الأميركية على هذا الخيار الذي يستبطن مواجهات تتخذ أبعادا سياسية وإعلامية وسيبرانية وأمنية، وقد حققت واشنطن في هذا المضمار خطوات عديدة، لعل أبرزها منع إيران من تصدير نفطها، وأحدثت إرباكا في العلاقات الإيرانية الخارجية مع أوروبا التي خيبت ظن القيادة الإيرانية من تقاعس القارة العجوز عن الإيفاء بالتزاماتها حيال الاتفاق النووي.

وفي نفس الوقت بدت طهران عاجزة عن التخلي عن هذا الاتفاق بعدما كانت حددت مهلة ستين يوما من أجل إيفاء شركائها فيه بالتزاماتهم وإلا فإنها ستعمد إلى إعادة تخصيب اليورانيوم بما يتنافى مع شروط الاتفاق. ولعل ما يدفع واشنطن إلى عدم الانتقال إلى المواجهة العسكرية ومحاولة تفاديها، هو التزام أصدقاء إيران، لاسيما روسيا والصين وتركيا والهند، بوقف استيراد النفط الإيراني.

قدرة إيران على الصمود تتركز اليوم في أمرين حسب خبراء في السياسة الإيرانية. الأول في تحمل العقوبات التي تجعلها في موقع شبه منعزل عن السوق التجاري العالمي، وتفرض عليها التعامل بظروف غير مسبوقة مع متطلبات الشعب الإيراني. أما الثاني فهو محاولة إحداث خرق في الشروط الأميركية للتفاوض معها، وهذا من خلال سياسة رفع كلفة وقوع الحرب على الجميع، وفي نفس الوقت تقديم تنازلات إقليمية لواشنطن قد تتصل بـ”صفقة القرن” من دون أن يتم ذلك بشكل علني ولكن فعلي، كما جرت العادة في ملفات عدة بينها وبين واشنطن في أكثر من ملف إقليمي.

يبقى أن الخناق الذي يضيق على إيران، سيفرض بالضرورة الدخول في تسويات طالما أن الحرب ليست مضمونة النتائج بالنسبة لإيران بالدرجة الأولى، وهذه التسويات في نظام المصالح الإيراني ستتركز بالضرورة على أولوية حفظ النظام الإيراني، لذا فإن التقديرات الدبلوماسية تشير إلى أن طهران ستبدأ بالتلويح لواشنطن وتل أبيب بما يضمن أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، سواء في سوريا أو لبنان، حيث يمكن ملاحظة الصمت الإسرائيلي حيال ما يجري على ضفتي الخليج، وكيف أن حزب الله بدا فجأة ليّنا في الأسابيع الأخيرة تجاه فكرة التفاوض بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وبدا غير منزعج من الاتصالات السرية التي ترعاها روسيا بين دمشق وتل أبيب، والتي برز منها رأس جبل الجليد، وهي هدية رفات الجندي الإسرائيلي التي قدمتها سوريا لبنيامين نتنياهو عشية الانتخابات وغداة الاعتراف الأميركي بضم الجولان المحتل لإسرائيل.

السابق
وزير خارجية عُمان في طهران لبحث آخر التوترات الإقليمية
التالي
الكونغرس يطالب ترامب بالبقاء في سوريا