خيارات الرد المتاحة أمام الولايات المتحدة وإسرائيل إذا نشرت إيران صواريخ في العراق

صواريخ

تسمح القذائف والصواريخ الإيرانية بعيدة المدى للجمهورية الإسلامية بتهديد قوات العدو وشعوبها على بعد مئات الكيلومترات عنها، في حين تمكنها الحرب بالوكالة من مضايقة هؤلاء الأعداء وردعهم بطريقة غير مباشرة وبأقل خطر مواجهة على الأراضي الإيرانية.

وفي السنوات الأخيرة، جمعت طهران بين هاتين الاستراتيجيتين اللتين حملتا أثرا كبيرا على لبنان وسوريا واليمن. كما تبرز مؤشرات على أن العراق قد يكون المسرح التالي لهذه المقاربة ـ وهي مؤشرات كانت جلية قبل وقت طويل من أحدث نشر للقوات العسكرية الأميركية في المنطقة والاجتماعات مع القادة العراقيين. وإذا صح ذلك، فمن شأن سيناريو مماثل أن يهدد آمال العراق بمستقبل سلمي ويعرّض علاقاته مع الولايات المتحدة للخطر.

اقرأ أيضاً:  الأزمة بين إيران وأميركا: من يئن أولا «يرن» أولا 

قواعد الصواريخ الأمامية الإيرانية

اتبعت عمليات نقل الصواريخ الإيرانية إلى الخارج نمطا بارزا ـ أولا، يتم توفير صواريخ المدفعية بعيدة المدى (ويتم تحديثها أحيانا بدقة أفضل)، ثم تضاف إليها الصواريخ البالستية قصيرة المدى. وعندما يتطلب الأمر مدى أطول، يتم توفير صواريخ بالستية طويلة المدى. ولا تساهم هذه الزيادات في مدى الصواريخ في رفع عدد الأهداف التي يمكن الوصول إليها فحسب، بل تسمح أيضا بتخصيص سلسلة من مواقع الإطلاق تكون أوسع نطاقا ويصعب توقعها. إن تفويض الوكلاء الأماميين بتجهيز منصات الإطلاق بالعناصر يتيح لإيران زيادة عدد الضربات بأقل مخاطر مقارنة بإطلاق النار من أراضيها أو باستخدام عناصر إيرانية. وتبرز عدة أمثلة على هذا النمط:

لبنان: يعود تزويد إيران لـ “حزب الله” اللبناني بالصواريخ البالستية، التي تُعتبر أبرز سلاح تمدّ به إيران وكلائها، إلى عقود طويلة. فبحلول عام 2006، كان الحزب قد بنى ترسانة تضمّ حوالي 12 ألف ذخيرة ـ أبرزها صواريخ قصيرة المدى، إلى جانب بضع مئات من صواريخ المدفعية “فجر ـ 5” التي يصل مداها إلى 75 كيلومتر، وصواريخ “زلزال ـ 3” بمدى 300 كيلومتر، وصواريخ سورية من طراز “إم ـ 600” (التي هي نسخ من الصواريخ الإيرانية “فاتح ـ 110”) بمدى 300 كيلومتر. وخلال “حرب تموز” مع إسرائيل عام 2006، أطلق “حزب الله” حوالي 4 آلاف قذيفة عبر الحدود. وتشير التقييمات الحالية إلى أن ترسانة الحزب من الصواريخ المدفعية الطويلة المدى تبلغ في الوقت الراهن بضعة آلاف وأن ترسانته من الصواريخ البالستية القصيرة المدى تصل إلى بضعة مئات، علما أنه أضيف إلى بعضها ميزة التوجيه الدقيق وزُرعت في مناطق مأهولة.
غزة: زوّدت إيران حركتَي “حماس” و “الجهاد الإسلامي في فلسطين” بالصواريخ وبالقدرة على إنتاجها وإصلاحها محليا، بما فيها صواريخ “فجر ـ 5” (التي تُعرف أيضا باسم “إم ـ 75”) بمدى 75 كيلومترا. وتم إطلاق هذه الصواريخ من غزة باتجاه تل أبيب الشهر الماضي، كما أُطلق وابل من الصواريخ ذات المدى القصير على إسرائيل في 4 و5 أيار/مايو.
سوريا: زوّدت إيران القوات في سوريا بصواريخ جاهزة وبالقدرة على إنتاجها، بما فيها صواريخ “إم ـ 600” يصل مداها إلى 300 كيلومتر. وفي أيار/مايو 2013، تردّد أن إسرائيل ضربت مستودعا مخفيا من صواريخ “إم ـ 600” بالقرب من دمشق. وبحلول عام 2018، كانت إيران قد نشرت منشآت تصنيع ومنصات إطلاق وذخائر في سوريا، مما دفع بالقوات الإسرائيلية إلى استهدافها. وردا على ذلك، أطلق وكلاء إيران عشرات الصواريخ على إسرائيل في أيار/مايو 2018، فضلا عن صاروخ ثقيل (ربما “إم ـ 600”) في كانون الثاني/يناير 2019.
اليمن: منذ أن اندلعت الحرب الراهنة في اليمن عام 2015، علّمت إيران الحوثيين كيفية إنتاج صاروخ مدفعي من طراز “بدر ـ 1P”بمدى 150 كيلومترا، وكيفية تحويل صواريخ ” “SA-2 إلى صاروخ “قاهر-1” بمسار حر وبمدى 250 كيلومترا وصاروخ بديل من طراز “قاهر- M2” (ما يعادل الصاروخ الإيراني “توندار -69”) بمدى 400 كيلومتر. كما أرسلت نسخة عن صاروخ “قيام-1” البالستي قصير المدى (يسميه الحوثيون “بركان 2-إتش”) بمدى ألف كيلومتر. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة، صنعت “مجموعة الشهيد باقري الصناعية” الإيرانية هذا الصاروخ بشكل خاص لكي يتمكّن الحوثيون من ضرب الرياض ومدن سعودية أخرى. ونقلت الأمم المتحدة أيضا أن إيران زوّدت المتمردين بمعدات لإنتاج المؤكسد المستخدم في هذه الصواريخ البالستية القصيرة المدى العاملة بالوقود السائل وذات المدى الأبعد.

الصواريخ الإيرانية والعراق

يتصاعد القلق في دوائر الاستخبارات العراقية والأميركية والإسرائيلية من قيام إيران سرا بتزويد صواريخ مدفعية طويلة المدى إلى ميليشياتها الوكيلة في العراق، بما فيها “كتائب حزب الله” و”حركة حزب الله النجباء” اللتان صنفتهما الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، وربما “منظمة بدر” أيضا. وتفيد بعض التقارير أن هذه التنظيمات الوكيلة الشيعية قد طورت استخداما خاصا لقواعد آمنة في محافظات ديالى (مثل “معسكر أشرف”) وصلاح الدين (“معسكر سبايكر”) وبغداد (جرف الصخر) وكربلاء (الرزازة) وواسط (الصويرة).

ومن المسلّم به على نطاق واسع أيضا أن الميليشيات طورّت خط تواصل وتحكم يمتد إلى إيران عبر ديالى، يسمح لها باستيراد الصواريخ والمعدات من دون موافقة الحكومة أو عِلمها. فعلى سبيل المثال، ربما تكون صواريخ المدفعية قد دخلت أساسا إلى العراق في ناقلات مياه أو نفط فارغة، وهو تكتيك استُخدم أيضا في اليمن. وإذا صحّ ذلك، تشير قواعد اللعبة التي تمارسها إيران إلى أن الصواريخ البالستية القصيرة المدى و/أو أنظمة التوجيه الدقيق قد تكون قريبا في طريقها إلى العراق.

وسواء استخدمت إيران العراق كموقع إطلاق أو كمسرح لنقل المواد إلى سوريا، سيتخطى نشر الصواريخ البالستية القصيرة المدى هناك خطا [أحمر]، ويعزى السبب عموما إلى أنه سيجلب مجموعة أكبر من القوات الأميركية وشركائها إلى احتمال إطلاق النيران.

وفي صراع مستقبلي، قد يستهدف الوكلاء الذين يملكون الصواريخ وينفذون عملياتهم من العراق، القوات الأميركية في أجزاء مختلفة من الخليج أو المعارضين الأكراد الإيرانيين أو الحكومة العراقية أو السعودية.

وسبق لهذه الجماعات أن أظهرت استعدادها لشنّ مثل هذه العمليات. ففي تموز/يوليو 2013 على سبيل المثال، أطلقت عناصر من “كتائب حزب الله” صواريخ تكتيكية على الأراضي السعودية بعدما تعرّض مكتب تابع لـ “حزب الله” اللبناني في بيروت إلى هجوم بسيارة مفخخة. وفي أيار/مايو 2015، هدد قائد “حركة حزب الله النجباء” المصنّف على لائحة الإرهاب الأميركية أكرم الكعبي، المملكة بهجمات انتقامية ردا على حملة القمع التي تشنها ضد السعوديين الشيعة. وإذا تمّ اليوم نشر الصواريخ البالستية القصيرة المدى التي أرسلتها إيران، في الصحراء الجنوبية من العراق، فقد تستهدف الرياض، كما حدث مرات عديدة عندما شن صدام حسين حملته بصواريخ “سكود” خلال “حرب الخليج” عام 1991.

وتجدر الملاحظة، أن إطلاق الصواريخ من العراق لا يشكل تهديدا غير مسبوق لإسرائيل أيضا. ففي عام 1991، أطلقت قوات صدّام 39 صاروخا من نوع “الحسين” على المدن الإسرائيلية، ولم تنجح حملة مخصصة شنّتها القوات الجوية والخاصة الأميركية والبريطانية في تدمير أي منصات فور انتشارها غربي العراق.

وفي أي صراع مستقبلي، يمكن لإيران أن تزيد بشكل كبير قدرتها المحتملة على إطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى من خلال نشر الصواريخ البالستية القصيرة المدى في خطوط متقدمة في المنطقة نفسها من العراق، وربما تستفيد من سيطرة الميليشيات على الطرق السريعة في محافظة الأنبار. وكان قادة الميليشيات العراقية قد أطلقوا بالفعل تهديدات ضد إسرائيل بين الحين والآخر. ففي آذار/مارس 2017، هدد أكرم الكعبي بنقل قواته إلى هضبة الجولان لمحاربة إسرائيل. وأعرب قائد “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي عن نوايا مماثلة عندما زار المنطقة الحدودية مع إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.

التداعيات على السياسة الأميركية

على واشنطن وبغداد التأكد من عدم تطوير إيران القدرة على نقل الصواريخ سرا إلى العراق. فتسليم أسلحة مماثلة سيعدّ انتهاكا لقرار “مجلس الأمن” الدولي رقم 2231، الذي يحظر “تزويد أو بيع أو نقل الأسلحة وأي مواد ذات صلة من إيران”.

ومن جهتها، لا شك أن إسرائيل تدرس ما إذا كان عليها أن تتعامل مع هذا التهديد المحتمل في أعقاب الذهنية السابقة المعتمدة تجاه لبنان (أي عدم فعل الكثير حتى [بدء] الحرب) أو وفقا للنموذج الجديد الذي تنتهجه في سوريا (القيام بضربة مبكرة قبل أن يتطوّر تهديد الصواريخ إلى رادع هائل). ومن شأن أي من المقاربتين أن تثير مشاكل للولايات المتحدة والعراق، لذا على الحكومتين اتخاذ خطوات لتفادي اتخاذ إسرائيل لهذا القرار في المقام الأول.

وإذا شعرت إسرائيل بأنها ملزمة على التحرك، فلن يكون شن غارات جوية علنية على العراق خيارها الأول. فأي ضربة إسرائيلية على محافظة ديالى أو مناطق تقع على البعد نفسه ستتطلب اختراق أكثر من 800 كيلومتر من المجال الجوي المحمي، بحيث تعبر الأراضي الأردنية والسعودية وتواجه أنظمة الدفاعات الجوية العراقية، وربما السورية. وقد أظهر “سلاح الجو الإسرائيلي” قدرته على تسيير عملياته من مسافات بعيدة، لكن شنّ ضربات مستمرة على بعد 1000 كيلومتر من إسرائيل مختلف تماما عن توجيه ضربات على سوريا المجاورة. وبالإضافة إلى التحديات التشغيلية، من شأن تحرك إسرائيل علنا أن يعقّد العلاقات والمصالح الأميركية في العراق، ناهيك عن علاقات إسرائيل مع دول المنطقة.

وإذا كان الماضي تمهيدا لما سنشهده في المستقبل، فستبدأ إسرائيل على الأرجح بالطلب من شركائها الأميركيين والأوروبيين والإقليميين توفير الدعم الاستخباراتي وقنوات التواصل مع القيادة العراقية المعنية، وبذلك تعزز خياراتها المستقلة. وعندئذ ستستخدم هذه القنوات لمنع نشر صواريخ إيرانية في العراق.

وفي الوقت نفسه، ستعد إسرائيل خيارات عملياتية تهدف إلى تدمير القدرة على التهديد كعامل دعم أخير. كما قد تبذل جهودا أخرى لمنع حدوث ذلك، من خلال سيرها “ضد التيار” متخطية الصواريخ والمعدات لتستهدف الجهات الفاعلة الرئيسية المسؤولة عن توليد خطر الصواريخ البالستية الذي يطرحه وكلاء إيران ضد إسرائيل.

وفي موازاة ذلك، قد تسعى إلى تغيير حسابات المخاطر في طهران من خلال الإظهار للنظام أن الحرب غير المباشرة ليست أحادية الاتجاه، وأنه قد يكون للهجمات التي يتمّ شنها من أراضي طرف ثالث تبعات على الجنود الإيرانيين والأراضي الإيرانية.

لدى واشنطن وبغداد أسباب واضحة لتجنب السيناريوهين المذكورين أعلاه، لأن كل واحد منهما قد يعرّض مكانة الولايات المتحدة في العراق للخطر ويفسد الفرصة الأولى المتاحة أمام العراق لتحقيق سلام مستدام بعد عقود من الصراعات. وبناء على ذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين أن يسلطوا الضوء باستمرار على الخطر الذي يواجهه العراق إذا ما أدركت إسرائيل أو أطراف أخرى أن شحنات الصواريخ الإيرانية غير الخاضعة للرقابة تمرّ بنجاح. ويشمل ذلك تذكير القادة العراقيين بأن الولايات المتحدة ستكون مرغمة على تقديم أي دليل من هذا القبيل في تقريرها نصف السنوي إلى الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص الامتثال للقرار رقم 2231 (يتم تسليم هذه التقارير كل تموز/يوليو وشباط/فبراير).

وكما شدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد، بإمكان الحكومة العراقية معالجة هذه المشكلة مباشرة من خلال مراقبة الميليشيات الوكيلة لإيران وقواعدها عن كثب. وينطوي ذلك على نفاذ الأجهزة الاستخباراتية وقوات مكافحة الإرهاب الخاضعة للدولة إلى القواعد العسكرية التي تستخدمها حاليا وبشكل حصري وحدات “قوات الحشد الشعبي” الموالية لإيران مثل “كتائب حزب الله” و”حركة حزب الله النجباء” و”عصائب أهل الحق”. وقد توفر هذه الخطوة الأولى بعض الاطمئنان للأطراف القلقة حيال نشر الصواريخ الإيرانية في العراق.

السابق
أميركا – إيران: حرب من أجل التفاوض
التالي
الجمارك تستكمل المزاد العلني الاحد المقبل