ساتلوف: خطة جاريد كوشنر للسلام ستشكل كارثة

ترامب

نشر موقع معهد واشنطن مقالا لمديره التنفيذي روبرت ساتلوف، يتحدث فيه عن خطة صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وفيما يأتي ترجمة النص الكامل للمقال،

قابلت الأسبوع الماضي مستشار البيت الأبيض، جاريد كوشنر، حول عملية السلام في الشرق الأوسط في المؤتمر السنوي الذي يعقده المعهد، الذي يبث حيا على C-SPAN.. وتناظرنا لمدة 45 دقيقة.. وفي الوقت الذي قام فيه بإيضاح بعض الجوانب في أفكاره تجاه دبلوماسية الشرق الأوسط، إلا أنه أبقى الكشف عن الجوانب الكبيرة بالحد الأدنى.

لكننا علمنا الكثير، خاصة:

• أن الخطة الأمريكية ستقدم مقترحات مفصلة للإجابة عن القضايا الرئيسية كلها على الأجندة الإسرائيلية الفلسطينية، بما في ذلك مقترح للحدود النهائية لإسرائيل، وحسم مسألة مدينة القدس “المتنازع عليها”، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية التي تحمي اتفاقية السلام، والعلاقة السياسية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن هذه الخطة لن تكون حول كيفية إيجاد عملية مفاوضات جديدة؛ لكن، كما صرح بجرأة، بأن الهدف منها هو تقديم “حلول”.

اقرأ أيضاً: قادة فلسطينيون: تغريدات مبعوث واشنطن لمحادثات السلام تظهر عدم وجود اتفاق عادل

• ستحاول الخطة الأمريكية أن تركز على معادلة الأمن للإسرائيليين، وتحسين نوعية حياة الفلسطينيين، والتركيز أقل على “الطموحات السياسية” للفلسطينيين، وعندما أعطي الفرصة للمصادقة على فكرة الدولة منزوعة السلاح -“الأقل من دولة”- التي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اقترحها يوما، قال كوشنر إنه سيتجنب كلمة “دولة” تماما، موضحا: “عندما تقول (دولتين) فإنها تعني شيئا للإسرائيليين، وتعني شيئا للفلسطينيين، فقلنا دعونا لا نقولها”، ومع أنه سيقترح أجوبة للقضايا كلها، لكنه سيتجاوز تقديم تعريف أمريكي “للدولة”.

وفي الواقع كانت محاولة الحصول على تعاطف من كوشنر تجاه طموحات الفلسطينيين السياسية تشبه عملية قلع الأسنان، و”أشار في لحظة من النقاش إلى (بلدين) عندما تحدث عن إسرائيل والكيان الفلسطيني المقترح، لكنها بدت وكأنها زلة لسان أكثر منها إشارة تحمل معاني سياسية”.

• ستركز الخطة بشكل كبير على جعل المناطق الفلسطينية تجذب الاستثمارات كطريقة لتحسين حياة الفلسطينيين، لكن الترتيب هنا مهم: أشار كوشنر إلى أن تحقيق ذلك الهدف سيحتاج إلى ترسيم الحدود، يتبعه إصلاح للسلطة الفلسطينية، ويتضمن جهدا إصلاح شامل، وإقامة حكم القانون الفعال، بما في ذلك حقوق الملكية، أي أنه بالإضافة للأموال -مشيرا إلى أنها ستكون “أموال الآخرين”، وملمحا إلى أن المشاركة الأمريكية ستكون متواضعة- فإن الأمر سيأخذ وقتا قبل أن يرى الفلسطينيون تحسنا في مستوى حياتهم.

وإن كانت هذه النقاط الثلاث هي ما يشكل كلمات الأغنية لخطة كوشنر، فإن اللحن يتماشى مع الوقاحة والتبجح لوالد زوجته، الذي أصبح علامة تجارية خاصة به، لكن بطريقة أكثر سحرا ودماثة مما يستطيع حشده رب العائلة “ترامب”، ومتحدثا في قاعة مليئة بخبراء الشرق الأوسط كان كوشنر رافضا لمفهوم الخبرة والتخصص، وعندما سئل عن تعريفه للنجاح واحتمالات الفشل، فإنه أهمل السؤال قائلا إنه “سؤال لواشنطن” -لكنه بعد ذلك ذهب ليعترف أن احتمال الفشل هو الغالب، وسمى الحالة “رهان المال الذكي”- في الوقت الذي قام فيه بتقديم تعريفات مختلفة للنجاح الدبلوماسي، فقال: “النجاح قد يبدو مثل كثير من الأشياء المختلفة، يمكن أن يظهر على شكل اتفاقية، وقد يظهر على شكل حوار، وقد يؤدي إلى تعاون أوثق، وربما يحل بعض القضايا”.

وبدا وكأنه نافذ الصبر تجاه فكرة أن التاريخ -الذاكرة التاريخية والإرث التاريخي، والمظالم التاريخية- قد يؤدي دورا في صراع يعتقد معظم المراقبين أنه مشحون بالتاريخ.

لكنه حاول تصوير نفسه على أنه يمتاز بقول الحقيقة، وقادر على حل المشكلات العملية بالاستشهاد بإنجازاته غير المتوقعة -الصفقات التجارية مع المكسيك وكندا، والاختراق في إصلاحات نظام العدل الجنائي- وأشاد بجدارته في مجال الأعمال في العقارات ومحامي الإفلاس المسؤولين عن ملف “العملية السلمية” في إدارة ترامب: هو وأكبر مستشاريه، جاسون غرينبلات والسفير الأمريكي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، وكشف عن أن الرئيس نفسه لم يطلع على خطة السلام بعد، التي قال إنها لا تزال تخضع لمراجعات، وقال: “عندما تكون مستشارا لرئيس، تحاول جاهدا ألا تخيب أمله.. وعندما تعمل لوالد زوجتك لا يمكنك أن تخيب أمله”.

وإن نظرت إلى ما قدمه كوشنر كله ستجد أنه غير مألوف، مع أنه لم يكن غير مسبوق تماما في مقاربات تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وإن تمت الموافقة على خطة كوشنر، وقام ترامب باقتراحها، فإنها ستكون الأولى منذ خطة ريغان الفاشلة عام 1982، التي قامت فيها أمريكا بتقديم أفكارها لحل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا علاقة له بمفاوضات السلام الجارية، وبفعله هذا فإنه سيتعارض مع السياسة الأمريكية لفترة طويلة، التي تفضل المفاوضات المباشرة بين الأطراف للتوصل إلى اتفاق مرضٍ، بالإضافة إلى أن استبعاد الدولة من المعادلة يعد ابتعادا عن موقف الحزبين، الذي برز بعد مصادقة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن على فكرة الدولة للفلسطينيين عام 2002.

وللسخرية، فمن ناحية الشكل، فإن تركيز كوشنر على النتيجة النهائية، ثم العمل مع الأطراف للتوصل إليها، هما صورة للمقاربة العربية التقليدية لتحقيق السلام، وانعكس هذا على المبادرة العربية للسلام التي قدمتها السعودية عام 2002، التي دعت إسرائيل للانسحاب من المناطق التي احتلتها عام 1967 كلها مقابل اعتراف كامل من الدول العربية كلها، وانتقدت إسرائيل المبادرة العربية لأنها لم تترك مجالا للتفاوض، عدا مناقشة التطبيق، لكن من حيث الجوهر يبدو أن مقترح كوشنر مصمم ليتجنب المساحات الملغمة التي قد تعقد من حياة نتنياهو السياسية، مثل شرعية المستوطنات في قلب الضفة الغربية، إلى تجنب الخوض في المطالب الفلسطينية منذ زمن، مثل المطالبة بدولة، وأن تحتوي على أفكار إسرائيلية مركزية مثل الترتيبات الأمنية، والنتيجة هي تنافر معرفي دبلوماسي، وهو مقترح يجب على الحكومة الإسرائيلية الحالية أن ترفضه من ناحية الشكل، لكن يتوقع أن ترحب به من ناحية المحتوى.

ولكن أي محاولة لرؤية خطة كوشنر من خلال منظار الجهود الدبلوماسية السابقة سيخطئ الإبداع الحقيقي فيها، ففي نظري أنه من الأكثر فائدة أن ينظر إلى كوشنر وزملائه على أنهم مقاولون يحاولون تطبيق الدروس التي تعلموها من سوق العقار في نيويورك على الشرق الأوسط، بدلا من دبلوماسيين يحاولون حل قضية شائكة طويلة الأمد، فمن خلال القراءة بين السطور يبدو أن ما يحاولون فعله في الشرق الأوسط هو شبيه بتطبيق درس تحويل بناية شقق إيجار في نيويورك إلى شقق فاخرة في الشرق الأوسط.

وبالنسبة لفريق كوشنر فإن الاستراتيجية الرئيسية هي خفض توقعات الفلسطينيين حول ما سيحصلون عليه من خلال الخطة الأمريكية، خاصة بعد رفضهم للعديد من العروض الإسرائيلية، وفي الوقت الذي توجد فيه أسباب جيدة لقيام ترامب بإصلاح العلاقات مع إسرائيل بعد التوترات التي تعرضت لها خلال سنوات أوباما، إلا أنه لا يمكن اعتبار الفلسطينيين مخطئين عندما يرون سياسة الإدارة الأمريكية تجاههم انتقامية -من قطع المساعدات، إلى إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، وتبدو هذه السياسة كأنها أخذت من كتاب تعليمات محامي إفلاس يقوم بعرض 30 سنتا بدل الدولار اليوم، و20 سنتا بدل الدولار غدا.

ولكن أي شخص يعرف شيئا عن الشرق الأوسط فإنه يعرف أن هذه المقارنة مع صفقات عقار نيويورك وعملية السلام لا تصمد كثيرا، فإن أخذنا في عين الاعتبار ما حصل في الماضي، فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بالصفقة ومستعدون للانتظار.. وفي المحصلة يعلم الفلسطينيون أنهم يملكون أصلا قيما جدا وهو منح إسرائيل القبول السياسي والنفسي، وهم واثقون بأن الإسرائيليين في المحصلة سيعودون لعرض أكثر بكثير من تصور كوشنر.

وعلى غير ما هو حال الصفقات العقارية، حيث يحصل أحدهم على النقود والآخر على العقار، فإن اتفاقية سلام في الشرق الأوسط ستنتهي بالطرفين جيرانا، عالقين مع بعضهم إلى الأبد، وفي الوقت الذي توجد فيه خيارات كثيرة في سوق عقارات نيويورك، إلا أن في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية ليس هناك إلا أرض واحدة، وليس للفلسطينيين مكان آخر يذهبون إليه، وهذا لا يعني أن على الإسرائيليين أن يوافقوا على طلبات الفلسطينيين كلها، إلا أنه يعني أن الصراع لن ينتهي حتى يعتقد كل طرف أن الطرف الآخر بذل جهدا جيدا للتوفيق بين احتياجاته ورغبات الآخر، وهو ما لن يحدث في الظروف الحالية.

والمسألة الأساسية التي تفتقر إليها صيغة كوشنر هي أن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يبدأون من الصفر، بل قضوا 25 عاما في علاقة تضبطها اتفاقيات عملية أوسلو، التي بالرغم من فترات الصراع والتوتر، إلا أن أحدا من الجانبين لم يجد الوضع الراهن غير مقبول لدرجة الخروج من هذه العلاقة، وبالرغم من عيوبها كلها فقد تطورت السلطة الفلسطينية عبر السنوات إلى شيء قريب من دولة عربية عادية -أقل فسادا واختلالا وعنفا وديكتاتورية من بعضها، وأكثر فسادا واختلالا وعنفا وديكتاتورية من أخرى- ومنذ أن قمعت إسرائيل الانتفاضة الثانية قبل 15 سنة، وخسارة غزة لمتطرفي حركة حماس، بعد ذلك بثلاث سنوات، حافظت السلطة الفلسطينية ما بعد عرفات برئاسة محمود عباس بشكل كبير على السلام مع إسرائيل، وأبقت على التعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي، ومنعت الضفة الغربية من الوقوع في أيدي الراديكاليين الإسلاميين.

اقرأ أيضاً: كوشنر يكشف ملامح «صفقة القرن»

فأي مقترح أمريكي ذكي للسلام يجب أن يبدأ بالبناء على الصرح الموجود، مع التأكد بألا يتم فعل شيء يهدد الوضع الراهن الهش، لكن ملاحظات كوشنر كان ينقصها أي تقدير لهذا الواقع الرمادي، وخلال المقابلة استخدم كوشنر مجازا طبيا عندما قال إن خطته سوف “تعالج المرض” الذي يغذي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن التحدي الحقيقي أمامه سوف يكون ألا يخرق قسم أبقراط بألا يؤذي.
هذه اللامبالاة للتداعيات المحتملة للفشل هي ما تجعلني لا أعتقد فقط بأن الخطة تشكل خطرا على المصالح الأمريكية، لكنه أيضا من التهور أن تقوم الإدارة حتى بمحاولة تجريبها، فمع أنه يجب أن تكون أمريكا مستعدة لتقديم المقترحات للتقريب بين الأطراف، كما فعل جيمي كارتر في كامب ديفيد في 1979، إلا أن الهوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين اليوم أكبر من أن توجد صيغة لجسرها.

وإن كان الفشل هو “رهان المال الذكي”، فإن هناك سببا آخر لجعل أصدقاء إسرائيل يفكرون مرتين قبل حث الرئيس ترامب على تبني خطة زوج ابنته رسميا: فالخطورة هي أن الفشل سيسقط الشرعية عن أفضل أفكار كوشنر، وقد يعتقد كوشنر أن خطته ستعيش، وستكون هي نقطة مرجعية في المستقبل للمفاوضات حتى لو فشلت في تحقيق السلام، لكن هناك الاحتمال ذاته بأن يلقى بهذه الأفكار مهما كانت قيمتها من قبل أي إدارة تأتي بعد ترامب، خاصة إن كانت إدارة ديمقراطية.

ولأن كوشنر وفريقه يتعاملون مع هذه القضية بحب لإسرائيل، فإن ذلك سيضر بالأفكار التي تبدو صديقة لإسرائيل، ولذلك آمل أن يفيق نتنياهو وأن يفعل ما بوسعه لتعطيل “صفقة القرن” قبل أن تصبح سياسة أمريكية رسمية.

السابق
«عرض عضلات» وإطلاق نار في محلة السان تيريز
التالي
عقل ترامب بين «شوارب» جون بولتون وشياطينه