بعد فك العزلة عن أوجلان: تركيا امام فرصة تاريخية

فرصة اللقاء التي تمت بين القائد عبد الله أوجلان ومحاميه بعد سنوات العزلة الثمانية في جزيرة عمرالي التركية يمكن أن تكون منعطفا في تاريخ تركيا.

الوثيقة الممهورة من قبل القائد أوجلان ورفاقه المعتقلين في جزيرة عمرالي والتي قرئت على الملأ يمكن أن تكون فرصة جديدة للحوار و المفاوضات ودعوة جديدة للحل السياسي.

في الحقيقة، الدولة التركية منذ عام 1993 وحتى عام 2013 لم تبدِ موقفا جديا و مسؤولا من عمليات وقف اطلاق النار المتكررة و الرغبة في المفاوضات من قبل القائد أوجلان الذي كان جريئا و مستقرا في مواقفه. حرب الاستنزاف التي مارستها الدولة التركية ضد الشعب الكردي خلال الاربعين السنة الاخيرة كانت لها تداعيات خطيرة على الشعب التركي والدولة التركية أيضاً، لأن القضية الكردية اصبحت كوثاق يكبل الدولة التركية بحيث يمنعها من التحرك بحرية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحتى تنال من حزب العمال الكردستاني كانت مستعدة دوما لتقديم تنازلات فظيعة ما كانت لتقبلها أي دولة في العالم وكنتيجة لذلك فقدت قوتها السياسية وتأثيرها الاقليمي لأن أفقها الاستراتيجي تمحور حول كيفية منع الكرد من تحقيق اي تقدم في مجال نيل حقوقهم المشروعة كشعب و قضية لذا تراهم قد تحولوا من موقع صفر مشلكة مع دول الجوار إلى موقع ألف مشكلة ومشكلة و تجد سياساتها تجاه سوريا وإيران والعراق تؤكد هذه الحقيقة.

اقرأ أيضاً: كيف نفهم سياسة «الأخ» أردوغان؟

لم تعد تركيا الدولة المرشحة للعب الدور القيادي في المنطقة بسبب ما ارتكبته من اخطاء استرتيجية فادحة خلال السنين الماضية سواء على صعيد السياسة الداخلية بحيث لم تتمكن من حل القضية الكردية واختارت طريق الحرب وقضت على كل مقومات الديمقراطية والحريات في تركيا والاتفاق الفاشي بين العدالة والتنمية والحزب الحركة القومي كان أول اسفين في نعش سعي العدالة والتنمية للفوز في الانتخابات، وأيضاً اعتمادها على القوى السلفية والرجعية وتدخلاتها الممنهجة من خلال تلك القوى في شؤون دول الجوار أدت إلى دمار كبير.

كان الاقتصاد التركي ايضا ضحية لهذه السياسات الفاشلة، فهو في وضع لا يحسد عليه اليوم اذ ان الليرة التركية في اسوأ حالاتها بعد أن بدأت تتدهور أمام الدولار بشكل مضطرد واصبحت البيئة الاقتصادية التركية بيئة طاردة للاستثمار. تركيا اليوم أمام منحدر سياسي واقتصادي، فإما أن تختار التغيير و تعود الى ما قبل العام 2013 وتنهض وتتجنب الهاوية، أو أن تستمر في سياساتها التقليدية وتقع في الهاوية مع كل ما يعني ذلك من تداعيات ليس فقط على الحكومة الحالية انما أيضا على الدور التركي في هذا القرن بالكامل.

اقرأ أيضاً: في الدلالات السياسية للانتخابات المحلية التركية

تبين من خلال الانتخابات الاخيرة بأن مفتاح النجاح السياسي هو بيد الكرد لانهم يشكلون نقطة التوازن وموقفهم أيا كان يمكن أن يقلب الموازيين رأساً على عقب. وهذا ما تم إغفاله من قبل الكثير من الحكومات التركية السابقة وحزب العدالة والتنمية في الوقت الراهن. إنهم يعتقدون في كل مرة بأنهم سيقضون على هذه المشكلة عن طريق القمع والسجن والحرب، لكن الحقيقة تخذلهم كل مرة. هذا الشعب قد قرر أن يعيش بهويته و بحرية و إن وضعت نصفه في السجن فالنصف الآخر يمكن أن يخسرك العملية الانتخابية. وهذا ما تم بالفعل في الانتخابات الاخيرة. لذلك أرى بأنه سيكون من العقلانية أن لا يكون إرسال المحامين تكتيك انتخابي رخيص، وأن لا يكون لعبة استخبارتية جديدة لان ثمنها سيكون باهظا هذه المرة. فاذا كانت تركية ترغب في تحقيق انطلاقة حقيقية وأن تستفيد من دروس التاريخ يجب أن تعلم بأن المفتاح لذلك هو الحل الديمقراطي وعنوانه هو الارادة السياسية الموجودة في جزيرة عمرالي.

*قيادية في “الاتحاد الديمقراطي”

السابق
ساترفيلد يختبر موافقة لبنان على التلازم بين الترسيم البري والبحري مع إسرائيل
التالي
الجلسة 12 للموازنة: اقرار ضريبة دخل تصاعدية بدل تخفيض الرواتب