قادة فلسطينيون: تغريدات مبعوث واشنطن لمحادثات السلام تظهر عدم وجود اتفاق عادل

على مدار عامين، رفضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتهامات الفلسطينية، بأن محاباة إسرائيل قوضت دور الولايات المتحدة كصانع سلام موثوق به، وأصرت على أن خطتها التي طال انتظارها تتضمن “اتفاقا عادلا للجانبين”.

أما على تويتر –المكان الوحيد الذي يشهد انخراط البيت الأبيض والقادة الفلسطينيين بشكل مباشر- فيقول الفلسطينيون إنهم يشهدون عليه مظاهرا رقمية حول مدى وكيفية انحياز إدارة ترامب بحزم لصالح إسرائيل وقادتها.

هذا الانحياز، بحسب الزعماء الفلسطينيين، يأتي على حساب بناء الثقة اللازمة لفرض ما بات يعرف في المنطقة اصطلاحا باسم “صفقة القرن”.

انتقادات للفلسطينيين فقط
ومع انقطاع الاتصال بين ترامب والفلسطينيين رسميا، يستخدم ممثله الخاص لمحادثات السلام، جيسون غرينبلات، حسابه على تويتر بغزارة لانتقاد القيادة الفلسطينية وتصريحاتهم، مئات المرات خلال العامين الماضيين.

في الوقت نفسه، يتجنب غرينبلات أي انتقاد لإسرائيل أو قادتها، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي من المقرر أن يقضي فترة ولاية خامسة بعد نجاح حزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل.

اقرأ أيضاً: كيف سحق «الأسد» المعارضة داخل سجون التعذيب السرية في سورية

حنان عشراوي، السياسية الفلسطينية المخضرمة، التي تعرضت لانتقادات في سبع من تغريدات غرينبلات، تقول إن الفلسطينيين لا يعتقدون أنه ينبغي ممارسة الدبلوماسية عبر تويتر، لكنهم رغم ذلك يولون اهتماما كبيرا للموقع الإلكتروني.

وقالت عشراوي لقناة (إن بي سي نيوز) عبر الهاتف من الضفة الغربية: “أقرأ كل ما يقوله (غرينبلات)”. وتضيف: “ليس مثل أي أمريكي لديه الانحياز الاعتيادي، بل إن حسابه يدافع عن إسرائيل ويحاول تبرير أسوأ ما تفعله بشتى الطرق، كما يظهر تعاطفا كبيرا معها”.

وعبر تحليل أجرته إن بي سي نيوز لـ 1561 من تغريدات دونّها غرينبلات، بين آذار/مارس عام 2017 وحتى نهاية نيسان/إبريل من العام الجاري، تبيّن أن غرينبلات تحدث عمّا وصفها بأعمال عنف وإرهاب قام بها فلسطينيون في 186 تغريدة، أي حوالي 12 في المئة منها. وتضمنت تلك التغريدات ذكر حماس 211 مرة و62 انتقادا لقادة فلسطينيين بالاسم.

ولم تتضمن أي من تغريدات غرينبلات، على الإطلاق، أي انتقادات لإسرائيل أو أي من قادتها، بل هناك عدة تغريدات يمتدح فيها نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين.

وعلى سبيل المثال، كان قد كتب في إحدى تغريداته، الشهر الماضي: “تمجيد حقير للعنف والإرهاب يظهر في مدرسة فلسطينية. إنه أمر مثير للاشمئزاز أن يكون هناك هجوم إرهابي على مجموعة من الإسرائيليين الذين يحتفلون بعيد هانوكا”.

“إحدى أقوى حلفائنا”
وخلال مقابلة أجراها داخل مكتبه في البيت الأبيض، قال غرينبلات إنه “لن يعتذر عن حديثه حول حق الإسرائيليين في الدفاع عن مواطنيها عندما يتعرضون لهجوم”.

وأضاف أن للولايات المتحدة “علاقات مختلفة” مع إسرائيل أكثر من الفلسطينيين، لأنها “إحدى أقوى حلفائنا”.

من جهة أخرى، قال إن “الخطة هي المهمة وليس حسابي على تويتر. عندما يرى الطرفان الخطة، حينها فقط سيقررون إن كانت جيدة بالنسبة إليهم أم لا”.

بالمقابل، يتساءل الفلسطينيون عن مدى التزام الإدارة الأمريكية في وساطتها لعملية السلام، فيما لا تتوقف عن تقديم تنازلات لإسرائيل، مثل نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان.

ويقول قادة ومثقفون فلسطينيون إن أية ثقة في حسنة نوايا مبعوث ترامب قد تقوضت أكثر فأكثر، بسبب إعلان ولائه المطلق لمصالح إسرائيل عبر تويتر.

وكان هذا مضمون الرسالة التي سلّمها رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، محمد شتية، إلى ميت رومني آر يوتا وكريس مورفي دي كون، أكبر عضوين في لجنة الشرق الأوسط بمجلس الشيوخ الأمريكي، عندما زارا رام الله آخر مرة.

وقال رومني: “قال (اشتية) إنه يتوجب أن يكون لديك وسيط نزيه للتوصل إلى اتفاق، وشعر أننا أصبحنا متحالفين مع إسرائيل بحيث يصعب علينا القيام بهذا الدور”.

وكان قد مرّ أقل من أسبوع على تسلّم اشتية لمنصبه عندما هاجمه غرينبلات، بسبب رفضه لخطة السلام التي لم يُكشف عنها بعد. وقدّم المبعوث الأمريكي بعض النصائح لرئيس الوزراء الجديد، منها قوله: “عليك التزام يتمثل بالاطلاع على الفرصة قبل رفضها”.

وفي 280 حرفا اتهم غرينبلات صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، بإثارة “هستيريا غير شريفة”، كما اتهم المتحدث باسم السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، بأنه “معادٍ للسامية وللمسيحية على حد سواء”.

كما حث غرينبلات العالم بثلاث لغات – الإنجليزية والعربية والعبرية – على إخبار “القادة الفلسطينية بمدى حماقتهم” لرفضهم الاستباقي خطة ترامب للسلام.

“نزع الشرعية عن الوطنية الفلسطينية”
من جهة أخرى، قال داود كُتّاب، وهو صحفي فلسطيني وأستاذ زائر سابق بجامعة برينستون -بعد أن اتهمه غرينبلات على تويتر بمعاداة السامية والكراهية وفهم “منفصل تماما” للتاريخ- إنه أجرى تحليله الخاص لتغريدات المبعوث الأمريكي، على مدى شهرين، لتحديد وجود نمط ما.

وقال الصحفي إنه قد خلص في تحليله إلى أن مبعوث ترامب “ملتزم بنزع الشرعية عن الوطنية الفلسطينية”.

كما قال كُتّاب إن أكثر تغريدة كتبها غرينبلات وأغضبته، كان قد نشرها في نيسان/أبريل الماضي، وامتدح فيها رئيس البرازيل لقيامه بما سبقه إليه ترامب في مسألة نقل سفارة بلاده إلى القدس، قائلا: “نشجع جميع الدول على التفكير في نقل سفاراتها إلى عاصمة دولة إسرائيل”.

وقال كُتّاب عبر الهاتف من القدس: “أنت (غرينبلات) تحاول التفاوض على السلام، وتحاول القيام بأشياء تجعل الناس يرغبون في التواصل معك. فلماذا تغضب الفلسطينيين؟ أنت لست ناشطًا لإسرائيل. ليس عملك أن تجعل العالم بأسره ينقل سفاراته”.

بالمقابل، قال غرينبلات لإن بي سي نيوز إن بلاده “تهتم كثيرا” بشأن الفلسطينيين، وإنه يعتقد أن نجاح خطة السلام مقرون “بوجوب وجود تصوّر لدى الفلسطينيين بحصولهم على مصافحة (صفقة) عادلة من الولايات المتحدة”.

وأضاف بأن الخطة ستكون “عادلة وواقعية وقابلة للتنفيذ”.

لكنه عارض فكرة النظر إلى الولايات المتحدة على أنها “وسيط أو قاض” في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قائلا: “نحن نمهد للأمور. لكن يتوجب على الأطراف نفسها أن تتفاوض وتتوصل إلى اتفاق معا”.

لا خبرة دبلوماسية رسمية
ولم يكن لدى غرينبلات، المحامي العقاري الذي عمل في شركة ترامب لمدة عقدين تقريبا، أي خبرة دبلوماسية رسمية قبل تعيينه في منصب مبعوث السلام في الشرق الأوسط مع انتقال ترامب إلى البيت الأبيض.

وكانت تجربته السابقة في حول إسرائيل شخصية في الغالب: عندما كان شابا، درس في مدرسة (ييشيفا) في مستوطنة يهودية في الضفة الغربية، وكتب لاحقا كتابا عن رحلة عائلية إلى إسرائيل.

وتركز خطة السلام، التي يقودها غرينبلات وكبير مستشاري ترامب وصهره، جاريد كوشنر، تركيزا كبيرا الآن بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية.

وكان البيت الأبيض قد تأخر، مرارا وتكرارا، في طرح الخطة، إلى أن وضع كوشنر الأسبوع الماضي جدولا زمنيا: بعد انتهاء شهر رمضان، أي في الأسبوع الأول من شهر حزيران/يونيو.

وحرص الفريق على حراسة محتويات الخطة بشكل صارم ومنع التفاصيل من التسرب، ورفض حتى القول ما إذا كانت ستشمل دولة مستقلة للفلسطينيين أم لا، الأمر الذي يعدّ الأساس في جميع جهود السلام لعقود.

حتى ترامب نفسه يتذبذب في الحديث عن الحاجة إلى حل الدولتين، وقال كوشنر الأسبوع الماضي إنه بما أن المصطلح يعني أشياء مختلفة لأطراف مختلفة، فإن الإدارة تتجنب استخدامه.

رسائل للشعب الفلسطيني
وقطعت السلطة الفلسطينية الاتصال الرسمي في عام 2017، بعد أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأمر بنقل السفارة الأمريكية إليها، مما عارض السياسة الأمريكية الطويلة الأمد، والمتمثلة في أن مستقبل القدس تحدده المفاوضات.

وقامت إدارة ترامب بدورها بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهو يمثل في واقع الأمر السفارة الفلسطينية في الولايات المتحدة، كما ألغت تأشيرات لعائلة سفيرها حسام زملوت، الذي يشغل الآن منصب المبعوث الفلسطيني لدى المملكة المتحدة.

وقال زملوت لشبكة إن بي سي نيوز: “قبل موجة تويتر، اكتشفنا عن كثب انحيازهم، ولذلك قررنا فك الارتباط بهذه الإدارة”. وأضاف: “ربما لهذا السبب تحولوا إلى تويتر”.

ومع ذلك، يقول مسؤولو إدارة ترامب إن تحذيرات جرين بلات تجاه الزعماء الفلسطينيين – وخاصة حماس – هي جزء من استراتيجية متعمدة لمحاولة فصل الشعب الفلسطيني عن قادته، الذين تعتقد إدارة ترامب أنهم عقبات أمام صفقة قد يدعمها الشعب الفلسطيني.

كما يقولون إن وسائل التواصل الاجتماعي تسمح للولايات المتحدة بالتوجه مباشرة للفلسطينيين، وإخبارهم بمدى سوء خدمة قادتهم لهم.

ومع وجود العديد من التغريدات التي تنتقد القيادة الفلسطينية، فإن أخرى تتضمن إشارات إيجابية إلى الشعب الفلسطيني واحتياجاته الإنسانية، مثل تغريدة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال فيها غرينبلات: “الأشخاص العقلانيون يمكنهم مناقشة أفضل السبل لمساعدة الفلسطينيين في غزة. لكن أولا وقبل كل شيء، يجب علينا أن ندرك أنهم خاضعون لحماس، وهي السبب الجذري لمعاناتهم”.

كما تتحدث العديد من التغريدات عن الاحتمالات الاقتصادية للفلسطينيين، مثل واحدة في العام الماضي تقول: “إذا كانت غزة تعيش بسلام مع جيرانها، فقد تكون وجهة سياحية مثل شرم الشيخ وتل أبيب”.

وفي عدد قليل من المناسبات، تحدث غرينبلات ضد التحريض المناوئ للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحول إلقاء الحجارة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، دون تحديد من يقوم بتلك الأعمال، والتي يزعَم أن المستوطنين اليهود يقومون بها.

علاقات عربية-إسرائيلية.. وتغريدات بالأرقام
إلى جانب كل ذلك، هناك عنصر آخر في استراتيجية إدارة ترامب اتجاه الشرق الأوسط يجد له مكانا على حساب غرينبلات على تويتر: التشجيع على العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، بما في ذلك العديد من الدول التي لا تعترف بإسرائيل ولكنها بدأت محادثات هادئة وراء الكواليس.

وبهذا الصدد، قام غرينبلات بتدوين 64 تغريدة، أشدا فيها بالاجتماعات وغيرها من الاتصالات بين إسرائيل والبحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة، وكذلك علاقات إسرائيل مع مصر والأردن، وهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.

كما نشر غرينبلات أيضا 64 تغريدة ينتقد فيها إيران، أكبر أعداء حكومة ترامب الجيوسياسية، وفي 29 تغريدة انتقد الأمم المتحدة – دائما تقريبا بتهم الانحياز لمعاداة إسرائيل.

كما غرّد 25 مرة عن الهولوكوست، و 20 مرة عن إطلاق النار على كنيس تري أوف لايف في بيتسبرج، و 46 مرة أشاد بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والانتقال إلى السفارة.

السابق
البيان الختامي لاجتماع الهيئة التأسيسية لمنتدى التكامل الإقليمي…
التالي
السجن عشرة أعوام لمتهم بالتجسس لصالح بريطانيا في إيران