ماذا يعني رفع الفوائد على الودائع المصرفيّة؟

حين تلا وزير الإعلام، جمال الجراح، مقررات مجلس الوزراء يوم الجمعة، ووصف الجلسة بـ”المنتجة جداً”، قاصداً بذلك إقرار بعض البنود “الإصلاحية”، وتحديداً رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية.. بدا الجراح كمن يُعلن إنجازاً وطنياً ضخماً، يطوي صفحة الإخفاقات والأزمات ويحل العدالة الاجتماعية والضريبية عل حد سواء..

خاضت الحكومة “معركة”، بكل معنى الكلمة، في ما بين أعضائها، قبل أن تتوصل الى إقرار رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 7 إلى 10 في المئة. ولكن هل يستحق هذا الإنجاز كل تلك المعارك؟ وهل يمكن اعتبار القرار المذكور إنجازاً؟ وهل تقع هذه الضريبة على المصارف وحدها أم أن المواطن سيشاركها الأعباء؟
بالطبع لا. فإقرار المادة 30 من مشروع موازنة العام 2019، المتعلقة برفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 7 إلى 10 في المئة، ليس إلا قراراً منقوصاً يفتقد لأدنى معايير العدالة الضريبية بين المكلّفين، من جهة، ويخفي في تفاصيله ثغرات تسهّل تهرب المصارف من موجباتها في وقت لاحق، من جهة أخرى.
ضريبة غير عادلة

رفع الضريبة على فوائد الودائع، حسب ما تم إقراره في مجلس الوزراء، سيتم على مدى ثلاث سنوات فقط، وبعد هذه المدة تعود الضريبة إلى 7 في المئة. إذ من المرتقب، وفق نظرة الحكومة، أن يكون وضع البلد المالي والاقتصادي قد تحسن. وإذا كان هناك المزيد من التحسن يمكن أن تخفض الضريبة عن 7 في المئة، وربما إلى 5 في المئة.
لا تقع هذه الضريبة على المصارف وحسب، بل على الأفراد أيضاً، وهي من دون شك غير عادلة، لكونها تساوي بين صغار المودعين وكبارهم. كما أنها منخفضة بالمقارنة مع غالبية دول العالم. أي أن انخفاضها يكرّس توجه المودعين إلى التراجع عن الاستثمار، والتوجه إلى إيداع الأموال في المصارف والإستفادة من الفوائد المرتفعة.
المصارف والأفراد

يؤمن رفع الضريبة على فوائد الودائع من 7 الى 10 في المئة نحو 400 مليون دولار للخزينة من المودعين، ونحو 200 مليون دولار من المصارف المودعة أموالها في مصرف لبنان وتوظيفاتها المالية. وعلى الرغم من أن الضريبة تقع على المودعين كما المصارف، إلا أن الأخيرة تحفظت على القرار. ومن المتوقع، حسب مصادر “المدن”، أن تجتمع خلال الأسبوع المقبل لاتخاذ القرار المناسب حيال رفع الضريبة. فالمصارف ترى في القرار استهدافاً للقطاع المصرفي، وتحذر من أن رفعها الى 10 في المئة من شأنه أن يدفع بالمودعين للتوجه إلى أسواق خارجية أخرى، فيما المطلوب حالياً هو جذب الودائع إلى البلد.

ويُلمح المصدر إلى أن تحفّظ المصارف على قرار رفع الضريبة، قد ينعكس سلباً على نيتها بالاكتتاب بسندات الخزينة بفائدة صفر، والتي من الممكن أن توفر على الخزينة العامة أكثر من 400 مليون دولار سنوياً. إلا أن موقف المصارف السلبي من موضوع رفع الضريبة، قد يشكّل عائقاً أمام عملية مساهمتها المرتقبة عبر الاكتتاب بفائدة صفر.
تواطؤ مسبق؟

وكانت “المدن” قد أضاءت في وقت سابق على ثغرات المادة 30 من مشروع الموازنة، لاسيما لجهة إخفائها نية واضحة للخداع والتواطؤ المسبق مع المصارف. وتشوب المادة 30 شائبتان. الأولى، تتمثل في غياب شرائح المكلّفين، بمعنى أن جميع من يودع أموالا في المصارف تقع عليه ضريبة على الفائدة بنسبة 10 في المئة، من دون تمييز بين غني ومتوسط الحال، أو ربما متقاعد محدود الدخل. وعلى سبيل المثال: يخضع للضريبة نفسها الموظف الذي يضع تعويضه لنهاية الخدمة في المصرف، وكذلك رجل الأعمال الذي يودع نصف مليار دولار في حسابه، وكان الأجدى بالحريصين على المال العام أن يفرضوا ضريبة تصاعدية تتناسب وحجم الحساب المصرفي.
أما الشائبة الثانية، فهي أن المادة 30 مذيّلة بعبارة “تحدد دقائق هذه المادة عند الإقتضاء بقرار من وزير المال”. وبهذه العبارة تكون الحكومة قد فتحت المجال لمنح المصارف لاحقاً الموافقة على حسم هذه الضريبة من الضريبة على أرباحها، لدى سدادها ضريبة الدخل. من هنا رأى خبير قانوني في حديث لـ”المدن” أنه يجب النص وبوضوح على عدم حسم هذه الضريبة من الضريبة على أرباح المصارف، لأن المودع يتحمل غالبية العبء وليس المصرف.
المادة 30
وللتذكير فالمادة 30 الواردة في مشروع موازنة العام 2019 تنص على الآتي:
1- فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة كافة، المفتوحة لدى المصارف، بما فيها حسابات التوفير (الإدخار)، باستثناء الحسابات المفتوحة باسم الحكومة والبلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة لدى مصرف لبنان وحسابات البعثات الدبلوماسية والقنصلية الأجنبية في لبنان.

2- فوائد وعائدات الودائع وسائر الالتزامات المصرفية بأي عملة كانت بما فيها تلك العائدة لغير المقيمين، باستثناء الودائع بين المصارف الخاصة (interbank deposits).

3- فوائد وإيرادات وعائدات حسابات الإئتمان وإدارة الأموال.

4- عائدات وفوائد شهادات الإيداع التي تصدرها جميع المصارف، وسندات الدين التي تصدرها الشركات المغفلة.

5- فوائد وإيرادات سندات الخزينة بالعملة اللبنانية.

وتحدد دقائق هذه المادة عند الاقتضاء بقرار من وزير المال.

“المدن”

السابق
السيرة الذاتية للبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير
التالي
رويترز: قوات الأمن السعودية تقتل 8 في القطيف