واشنطن ـ طهران و…الحرب!

غداة توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الست، التقينا كمجموعة أصدقاء في مقهى باريسي. كان بيننا صديقة من أصل إيراني.

بطبيعة الحال، فرض الاتفاق نفسه على “جدول الأعمال”.

كلّ أدلى بدلوه. هذا أشاد وهذه رفضت. ذاك تفاءل وتلك تشاءمت.

وانتبهنا بعد طول أخذ ورد أن صديقتنا الإيرانية الأصل، كانت تشاركنا بالاستماع فقط، فأجمعنا على وجوب الاستماع الى رأيها، فهي بالنتيجة الأكثر أهلية بيننا لتقديم قراءة قريبة من الواقع.

صديقتنا هذه لها أقارب وأنسباء ومعارف في طهران. والدها كان سفيرا على عهد الشاه، وحين انتصرت الثورة، لبّى وزوجته استدعاءه إلى طهران ولكن ابنته ـ صديقتنا ـ بقيت في باريس حيث كانت قد استهلت أولى سنواتها الجامعية في معهد العلوم السياسية.

اقرأ أيضاً: ترامب يضغط بالشروط الـ12: مَن يسبق التفاوض أو الاشتباك؟

كانت، في مستهل مداخلتها، مصرّة على إبداء مشاعر متناقضة، فهي فرحة بالاتفاق ولكنها حذرة جدا. بالنسبة إليها فهذه الخطوة هي محكومة بحتميتين، فإمّا تكون فاتحة خير وإمّا تكون رفعا للغطاء عن “صندوق باندورا”.

وأرادت أن تختم كلامها هنا، ولكنّ حديثها عن “صندوق الويلات والنوائب والمصائب” دفعنا إلى تحريضها، بجملة أسئلة، على الاستفاضة، فقالت:

ـ هذا الاتفاق جرى توقيعه بين إيران وقوى دولية. القوى الإقليمية المؤثرة مستاءة منه، وتحديدا إسرائيل ودول الخليج تتقدمها المملكة العربية السعودية.

وسألناها:

ـ مشكلة إيران الأساسية تكمن في العقوبات الدولية وليس في العقوبات الإقليمية؟

ابتسمت وأجابت:

ـ مشكلة إيران الأساسية ليست العقوبات إنّما ما سبق وجرّ عليها العقوبات وتاليا فإن السؤال المستقبلي يتمحور حول نقطة واحدة: هل ستعود الظروف التي تسبّبت بالعقوبات إلى فرض نفسها؟

طلبنا منها أن تفصّل، فعلت:

ـ إنّ التدقيق بأدبيات أهم دولة موقعة الاتفاق أي الولايات المتحدة الأميركية يبيّن أنها فعلت ما فعلته على خلفية توفير أمن إسرائيل واستقرار المنطقة ولا سيما منها دول الخليج، وهذا يعني أن مستقبل الاتفاق منوط برضى إسرائيل ودول الخليج التي تملك قدرة تأثير هائلة، عبر قوى الضغط المتنوّعة، في الرأي العام الأميركي. فعلى فرض أن هاتين القوتين الإقليميتين أخذتا استياءهما الحالي إلى مستوى الغضب، فماذا يمكن أن يحصل؟ ومن يضمن عدم عودة الأمور إلى نقطة الإشكالية، وفي هذه الحالة لماذا لا تنشب حرب، خصوصا وأن التاريخ يعلّمنا أن حرمانك مما حصلت عليه أقسى بكثير من اعتيادك طويلا على هذا الحرمان؟

وقال لها أحدنا:

ـ ولكن أيعقل أن يكون المسؤولون الإيرانيون قد أهملوا، وهم يذهبون إلى هذا الاتفاق، حسبان عواقب الاستياء الإقليمي؟

أخذت نفسا عميقا، وجرعة من المياه الغازية التي كانت قد طلبتها، وقالت:

ـ إنّ فصل الاتفاق النووي عن رؤية إقليمية شاملة هو نقطة الضعف الأساسية في هذا الاتفاق. مشكلة الإقليم المركزية مع إيران ليست القنبلة النووية بل “القنبلة البشرية”، فـ”حزب الله” مشكلة والنظام السوري مشكلة واليمن مشكلة والعراق مشكلة والبحرين مشكلة وحتى بعض مناطق السعودية مشكلة والحبل على الجرّار. وإذا كان المستوى الساسي في إيران، ممثلا بوداعة الرئيس حسن روحاني وابتسامة الوزير محمد جواد ظريف، يريد معالجة هذه الأمور، إلا أن الدولة العميقة في إيران، ممثلة بتشدّد مرشد الجمهورية علي خامنئي و”كشرة” الحرس الثوري، يستحيل أن تقبل بالمس بعناصر القوة هذه، بصفتها ركيزة تنفيذية لعقيدة تصدير الثورة.

التطورات التي حصلت بعد لقائنا أثبتت صوابية رؤية صديقتنا الإيرانية الأصل التي تعمل حاليا باحثة في أحد أهم مراكز الأبحاث الأوروبية.

وفي كل مرة كنّا نعود ونلتقي كانت تقدّم لنا أسبابا إضافية لمخاوفها.

قبل أيام التقينا. كان السؤال الذي يشغل بال غالبيتنا: هل المنطقة تتجه الى الحرب؟

أجابت:

ـ واشنطن لا تريد الحرب ولكنها تتصرف كما لو أنها لا تأبه بحصولها. إيران كمن يصفّر وهو يسير بين المقابر للإيحاء بأنها غير خائفة. لهذا أنا أعتقد بأن النيات لا تُضمر حربا، ولكن “قانون الفوضى” يحتّم علينا أن نتوقع الأسوأ دائما، فالمنطقة مزدحمة بالنار والبارود، ولا أحد يضمن ألا تهب الرياح فتحمل شرارة نار إلى مخازن البارود. الجميع مقتنع بأن الإدارة الأميركية تريد أخذ إيران إلى طاولة المفاوضات بما يتفق مع رؤية دولية ـ إقليمية للحل، والقيادة الإيرانية تريد أن تكسب ما أمكنها من وقت حتى تدخل الولايات المتحدة الأميركية في انتخاباتها الرئاسية، على أمل ألا يعاد انتخاب دونالد ترامب، وإلا فلكل حادث حديث.

وكان السؤال الاستلحاقي:

ـ ومن الآن حتى تلك الساعة، ماذا يمكن أن يحصل؟

على طريقة الأستاذة الجامعية قالت:

أولا، على المستوى الإيراني الداخلي، مزيد من القمع لأي بوادر تمرد في القواعد الشعبية التي تعاني الأمرّين.

ثانيا، على المستوى الإقليمي، اضطرابات تذكيرية، بحيث تبيّن إيران قدرتها المتواصلة على الإزعاج، من دون أن تُثير غضبا يقود الأمور إلى ردود فعل لا يمكن ضبطها.

ثالثا، على المستوى الدولي، رفع وتيرة “حشر” الأوروبيين، من أجل توكيد نظرية الدولة العميقة باستحالة الرهان على فصل أوروبا عن الولايات المتحدة الأميركية.

رابعا، على مستوى أدوات إيران في المنطقة، مثل “حزب الله”، توفير مناخات الصمود لتقطيع هذه المرحلة، من دون إقحام هذه الأدوات في خطوات قد ترتد سلبا عليها، مثل التسبّب بحرب مع إسرائيل.

في المقابل، فإن واشنطن سترفع من وتيرة الضغط، في محاولة لمنع إيران من “شراء الوقت”، فيما دول الخليج ستحاول الاستفادة من المرحلة لتخفيف وطأة أدوات إيران على مصالحها الوطنية والاستراتيجية، في حين أن إسرائيل ستأخذ مداها في تعزيز نقاط قوتها لتحقيق مزيد من الأهداف التي سبق لها ورسمتها.

انتهى اللقاء وكل منّا يسأل عن تلك الرياح التي يمكنها أن تحمل النار إلى مخازن البارود…

السابق
نصائح «قبل الإفطار».. هذه الأغذية تساعد في التخفيف من الصداع
التالي
شركة «فيسبوك» تواجه خطر التقسيم