إيران واللعب بأعواد الكبريت

حسن فحص

لن تذهب ايران في التصعيد الى حدود الدخول في مواجهة عسكرية مع القوات الامريكية المنتشرة في منطقة غرب آسيا. تلك حقيقة لا يمكن انكارها. وهي رغبة متبادلة بينها وبين واشنطن، فالرئيس الامريكي دونالد ترامب يبدو انه يرجح تعزيز خيار عدم اراقة اي دم امريكي في اي معركة خارج حدود بلاده، والقيادة الايرانية في المقابل، لا تريد الدخول في اي مواجهة قد يكون من الصعب عليها الصمود ميدانيا فيها لمدة طويلة، وقد يكون ثمن اي معركة مباشرة ولو جزئية باهظاً جدا وقد يؤدي الى تدمير كل ما تعتبره انجازات على مدى العقود الاربعة الماضية، ولن يكون استمرار النظام واستقراره بعيدا عن هذه الاثمان او خارج دائرتها.

اعلان الرئيس الايراني حسن روحاني استئناف البرنامج النووي لبلاده طبقا للمادة 26 و36 من الاتفاق النووي قد يكون اقصى ما يمكن ان تلجأ اليه ايران من خطوات تصعيدية في مواجهة الضغوط الامريكية وعودة العقوبات ضدها. وقد لا يعني هذا الاعلان سوى العودة الى تفعيل بعض النشاطات الجزئية في هذا البرنامج، مثل العودة الى تركيب اجهزة طرد مركزي من نوع IR4 وIR2M في منشأة نطنز، وازالة وفك الاختام عن اقراص الوقود في مفاعل اراك للماء الثقيل، والعودة الى التخصيب في منشأة فردو بنسبة 3.67، وتخزين وانتاج الماء الثقيل بواقع اكثر من 130 طن وتعليق العمل بالبروتوكول الملحق بمعاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل ( التفتيش المباغت). هو اعلان لا يهدف الى توجيه رسالة الى واشنطن، بل الى دول الترويكا الفرنسية والبريطانية والالمانية مع الاتحاد الاوروبي الشركاء في الاتفاق النووي مع الصين وروسيا، التي تتهمها ايران بالتنصل من تعهداتها في تطبيق الاتفاق النووي.

فايران تدرك، والاطراف المعنية بالاتفاق النووي ايضا، ان الهدف من التصعيد الامريكي لا يصدر عن موقف يتعلق بمدى التزامها بهذا الاتفاق او عدمه، او ان الاتفاق لم يحقق الغاية الامريكية بانهاء هذا البرنامج. لذلك لجأت طهران الى هذه الخطوة التصعيدية باستئناف بعض النشاطات تحت سقف هذا الاتفاق في محاولة لاختبار النوايا الامريكية الحقيقية من قرار الانسحاب من الاتفاق والعودة الى فرض العقوبات ومحاصرتها بهذا الشكل غير المسبوق.

اقرأ أيضاً: بالأرقام: هذه هي تأثيرات العقوبات الأميركية على الإقتصاد الإيراني

الخطوة الايرانية والتي لا تخرج عن تطبيق ما جاء في الاتفاق النووي بما يسمح لها تعليق التزاماتها كليا او جزئيا في حال أخل احد الاطراف بتعهداته، قد لا تكون مهمة في هذا التوقيت للطرف الامريكي الذي سبق ان أعلن خروجه وانسحابه من الاتفاق قبل سنة. اي ان الاهتمام الامريكي بمدى التزام ايران به تراجع ولم تعد واشنطن معنية ببقاء ايران او انسحابها جزئيا او كليا، ونقل المواجهة الى مستوى اخر يطال سلوك النظام الايراني في الاقليم، معيدا الى الواجهة ما سبق ان اعلنه وزير الخارجية مايك بومبيو من الشروط الاثني عشر المطلوب من ايران تنفيذها وتطبيقها كمقدمة للتعامل والحوار معها، والتي تستهدف دور ونفوذ واذرع ايران الاقليمية وبرنامجها الصاروخي الذي يحمل تهديدا كامنا لحلفاء واشنطن.

من هنا، يبدو ان القيادة الايرانية تسعى للحفاظ على مستوى التأزيم والتصعيد بينها وبين واشنطن في الحدود التي لا تقود الى مواجهة عسكرية مباشرة، فاختارت توجيه رسائلها الى الشريك الاوروبي المتمسك ببقاء ايران في الاتفاق النووي، الحريص على الحفاظ على ما تبقى من مصداقية تعامل دولي في هذا الاطار. ومن ناحية اخرى، ارادت طهران اختبار مدى جدية الولايات المتحدة وهل ستلجأ الى خطوات تصعيدية جديدة في ما يتعلق بالموضوع النووي، ام انها ستواصل مسار المواقف التي تنسجم مع الاهداف الرئيسية التي تشغل البيت الابيض من قضايا منطقة غرب آسيا والشرق الاوسط تحديدا.

وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف وفي تعريفه لطبيعة الخلافات مع الادارة الامريكية حاول الفصل بين الرئيس الامريكي الذي لا يريد الدخول في حروب جديدة وبين مواقف الفريق الذي يعمل بموازاة رؤية الرئيس او من اطلق عليهم اسم مجموعة (B) التي تضم مستشار الامن القومي جون بولتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، منطلقا من قراءة ايرانية عززها موقف المرشد الاعلى للنظام والقيادة العسكرية خصوصا قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني باعتبار التحركات والمواقف التصعيدية الامريكية ليست سوى حرب نفسية هدفها التأثير على الموقف الايراني واجباره على اتخاذ خطوات تراجعية وتقديم تنازلات.

الحشود الامريكية البحرية والزيارة التي تقوم بها حاملة الطائرات لنكولن الى الاساطيل السادس في ايطاليا والخامس في الخليج والسابع في اليابان، والاهداف المعلنة لهذه الخطوات لا تنسجم مع التسريبات التي كشفتها طهران على لسان قاسم سليماني عن رسالة من البيت الابيض تؤكد عدم رغبة واشنطن بحصول اي صدام عسكري بين الطرفين، وهو ما يشكل رغبة لدى طهران ايضا التي لا ترغب في دفع الامور الى نهايات عسكرية لا تريدها. الا انها لن تتردد في اشعال اعواد الكبريت من دون ان تحولها الى نار قد يطالها لهيبها اكثر من غيرها، لكنها في الوقت نفسه تحمل رسائل الى دول الجوار العربي باهمية الحفاظ على الامن والاستقرار في المنطقة لما فيه مصلحة الجميع.

السابق
لعبة التذاكي ترتدّ على إيران
التالي
قلقٌ أميركي: حزب الله قد يتولى الانتقام لإيران