خيارات الصين تضيق أمام تهديدات ترمب

سلسلة من الأحداث والتطورات السياسية وغير السياسية، كانت تشير إلى أن المفاوضات التجارية الجارية بين الولايات المتحدة والصين لا تسير على ما يرام. ومنذ اندلاع الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين، كانت عناوينه واضحة، خصوصا أن المطالب الأميركية من الصين لم تلق دفاعا مقنعا من المسؤولين الصينيين، وبدا معها أن الكرة هي بالفعل في ملعب بكين التي كانت تنعم بامتيازات وأرباح غير مسبوقة في تعاملها مع واشنطن.
ويهدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم على كامل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، والتي بلغت العام الماضي 539 مليار دولار، وهو ما قد يؤدي إلى أكبر ركود اقتصادي للصين، خصوصا أن الولايات المتحدة هي أكبر شريك ومستورد للبضائع الصينية.
وتشكل تهديدات ترمب التي توضح أن إدارته ليست مستعدة لقبول حلول وسط، مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي كان يعتمد على صفقة تجارية للحفاظ على محرك النمو في الصين.

اقرأ أيضاً: من نهار «الخارجية» إلى ليل بعبدا: استيقاظ النظام الأمني

وبدأ النمو الاقتصادي في الصين في التباطؤ العام الماضي، حيث حاولت بكين تخفيف اعتماد البلاد المفرط على الإقراض. وأضرت حزمة التعريفات الأميركية الأولية العام الماضي بالمصنعين الصينيين وثقة المستهلك، مما أدى إلى تفاقم التباطؤ. ويحد التباطؤ الاقتصادي من خيارات الرئيس الصيني في الانتقام من الرسوم الجمركية الأميركية ويضغط عليه للتوصل إلى اتفاق. وبعدما بدا أن سياسة الإقراض الجديدة قد أسهمت في استقرار النمو في الصين، وعزز احتمال توصل الجانبين إلى اتفاق من ثقة المستهلك والمستثمر ودفع الكثير من الاقتصاديين إلى تقدير أن نمو الصين سيتحسن، جاءت تهديدات ترمب الجديدة بفرض مزيد من الرسوم ابتداء من يوم الجمعة المقبل لتعطل كل هذه التوقعات من جديد.
وتقدر أوساط اقتصادية صينية أن حربا تجارية شاملة مع الولايات المتحدة ستؤدي إلى خفض معدل النمو الصيني ما بين 1.6 و2 نقطة مئوية خلال 12 شهرا. وهو ما سيعد خفضا كبيرا في النمو الصيني الذي نما العام الماضي بنسبة 6.6 في المائة، وفقا للأرقام الرسمية. وأعلنت الصين أنها تستهدف ما بين 6 و6.5 في المائة نموا لهذا العام.
ورغم صمت وسائل الإعلام الصينية، بدا واضحا أن الرئيس الصيني سيواجه صعوبات داخلية في التعامل مع تهديدات ترمب، ويخاطر بإضعاف موقفه إذا ظهر مستسلما للطلبات الأميركية، خصوصا في قطاع التكنولوجيا.
وينظر إلى العقبات الداخلية على أنها قد تكون من بين الأسباب الرئيسية وراء فشل المفاوضات التجارية بين البلدين، بعدما بدا أن الصين متجهة إلى تقديم تنازلات على هذا الصعيد.
وفوجئت الصين برد فعل ترمب العنيف بعدما أعلنت بكين أن التصديق على الاتفاقيات بين الجانبين سيتم من قبل الحكومة الصينية فقط، وليس من البرلمان الصيني، لتحويلها إلى قوانين. وقال خبراء إن مجلس الدولة الصيني (أي مجلس الوزراء)، يمكن أن يجري التغييرات اللازمة بمفرده، لكن التعامل مع التغييرات القانونية سيجعلها أقل وضوحا للمسؤولين الإقليميين والمحليين في الصين. وهو ما حاولت الولايات المتحدة الحصول عليه عبر إجراء تغييرات على جميع مستويات الحكومة في الصين، لطلبات مثل عمليات نقل التكنولوجيا القسرية وإعانات التصدير، وليس فقط من الحكومة المركزية في بكين.
وكان مجلس الشعب الصيني قد أصدر بالفعل قانونا جديدا للاستثمار الأجنبي غيّر الكثير من القواعد للشركات الأجنبية التي تمارس أعمالا تجارية في الصين، وبدا هذا الإجراء قبل انتهاء المحادثات التجارية، على أنه خطوة تنقذ ماء الوجه من جانب الصين… لكن مجموعات الأعمال الأجنبية انتقدت القانون الجديد منذ البداية باعتباره غير ملائم.
وخارج المحادثات التجارية، اتخذت بكين خطوات أخرى لدعم الاقتصاد. ودفع رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ في مارس (آذار) من خلال الهيئة التشريعية إلى خفض الضريبة للمصنعين الذين من المحتمل أن يساعدوا بشكل خاص القطاعات التي قد تشارك في التصدير إلى الولايات المتحدة. وعرضت بعض الشركات الصينية بالفعل خصومات على المشترين الأميركيين لتعويض جزء أو كل تكلفة التعريفة التي فرضها ترمب العام الماضي.
وأعلن البنك المركزي الصيني صباح الاثنين أنه يعدل قواعد الإقراض على المصارف الصغيرة والمتوسطة لتسهيل حصولها على المزيد من الأموال للقطاع الخاص في البلاد. وبحسب الخبراء فإنه لا يوجد أمام الصين ما يمكن أن تفعله لتهدئة المواطنين والشركات والأسواق الأوسع.
وقال هاو هونغ، كبير الاستراتيجيين في العمليات الدولية لبنك الاتصالات الصيني: «عدم اليقين كبير… ولا يوجد نموذج يسمح لك بتقدير المخاطرة».
ومن جانبها، رأت أوساط سياسية أن المطالب الأميركية لا تخفي أن جانبا سياسيا يقف وراء التشدد الأميركي، بعدما ظهر أن المارد الصيني قد يكون وصل إلى نقطة اللاعودة في تمدده، وتحول شيئا فشيئا إلى ند حقيقي للولايات المتحدة والغرب عموما.

السابق
ارتفاع سعر البنزين وانخفاض سعر قارورة الغاز
التالي
ندوة ووقفة تضامنية مع الصحافيين المفقودين والمختطفين في USAL