في ذكراها الثامنة.. خالد أبو صلاح يروي جوانب من مجزرة ساعة حمص

بعد يوم دامِ في حي باب السباع (جنوب مدينة حمص) ذهب ضحيته 9 شبان، وعقب الانتهاء من تشييعهم تداعى ناشطون إلى اعتصام حول ساعة حمص الجديدة في 18/4/2011، ولكن النظام أبى إلا أن يحوّل هذا اليوم إلى ذكرى أليمة بعد ارتكابه لجريمة قتل المعتصمين المدنيين بدم بارد.

وروى الناشط “خالد أبو صلاح” جوانب من ذكرياته عن اعتصام الساعة والمجزرة التي ارتكبها مئات من جنود “الفرقة الرابعة” وعناصر الاستخبارات الجوية والعسكرية وغُرست أحداثها في ذاكرة الحماصنة ووجدانهم.

شارك الناشط أبو صلاح بتشييع شهداء باب السباع إلى مقبرة “الكتيب”، وانتقل المشيعون -كما يقول لـ”زمان الوصل”- من هناك إلى ساحة الساعة الجديدة حيث بدأ الاعتصام بعد ظهر ذلك اليوم، وبدأ الناس يتوافدون من كل مكان إلى ساحة الاعتصام، وما إن انتصف النهار حتى تزايدت أعداد المتظاهرين وجاؤوا من معظم مناطق المحافظة ليشاركوا في الاعتصام، ومع منتصف الليل بدأت أعداد المعتصمين تخف، حيث بدأ جزء كبير منهم بالعودة إلى مناطقهم ليستريحوا ويعودوا في اليوم الآخر.

اقرأ أيضاً: جندي روسي يغادر سوريا ويكشف.. هكذا نعيش منذ 4 سنوات!

كذلك بدأت قوات النظام بتحشيد تعزيزاتها الأمنية في “فرع الحزب” و”مقر الشرطة” و”مبنى المحافظة” والحدائق المحيطة بالساحة، ولوحظ -كما يقول محدثنا- أن عناصر من النظام كانوا يصعدون إلى أسطح هذه الأبنية مدججين بالسلاح وبعضهم كانوا يراقبون الاعتصام من مناظير يدوية، وحاول بعض الشيوخ الوجهاء -كما يقول- فك الاعتصام فرفض الكثيرون، لأن الاعتصام كان سلمياً وكانت نفوس المشاركين فيه تمور بالغضب جراء الجريمة التي ارتكبت بحق 9 شبان من أبناء حي “باب السباع” نتيجة المشاركة باعتصام مماثل.

وتابع أبو صلاح أن مجزرة باب السباع الفظيعة بحق المدنيين كانت الأولى من نوعها في حمص، ولذلك كانت حالة الغضب عارمة.

وأردف أن اعتصام الساعة شهد مشاركة المئات من ريف حمص كالرستن وتلبيسة، ومن الأحياء القريبة من المدينة، ناقلا مشاهداته عند منتصف الليل عندما بدأ عدد من المعتصمين المدنيين بتنفيذ حملة تفتيش على هويات الناس على أطراف الساحة ومنع إدخال العصيّ والأدوات الحادة ودخول مندسين أو مسلحين إلى الاعتصام. ولوحظ أن عناصر الأمن كانوا يتوزعون في كل مكان.

وأكد أن عشرات النسوة شاركن في الاعتصام مساء وكان لهن مكان خاص، إلى جانب عدد من أبناء الطوائف كالعلويين والدروز والمسيحيين، مضيفا أن الاعتصام كان مدنياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ورفعت فيه فقط الشعارات الوطنية بغض النظر عن أي طائفة أو انتماء.

وروى ابن حي بابا عمرو أنه قرر مع عدد من أصدقائه العودة إلى منازلهم نظرا لانعدام المواصلات، وتأخر الوقت على أن يعودوا صباح اليوم التالي، وبعد عشر دقائق من وصولهم، أي حوالي الساعة الواحدة ونصف تواترت المعلومات أن قوات النظام بدأت الهجوم على الاعتصام، وكان الأمر بمثابة يوم القيامة في كل حمص -حسب قوله- إذ بدأ الناس يستغيثون والمساجد تكبّر.

واسترسل محدثنا أن قوات النظام طوّقت الساحة بالكامل حينها، ومنعت الدخول أو الخروج منها وبدأت بإطلاق نار كثيف -حسب روايات عدد ممن بقي في الساحة- وتفرق المعتصمون في عدة شوارع قريبة من الساحة كشارع الدبلان والشارع المؤدي إلى مبنى البريد وإلى أسواق حمص القديمة، وبعض الأهالي فتحوا بيوتهم للهاربين وبعضهم رفضوا استقبالهم ولم يجرؤوا على فتح أبوابهم.

وروى محدثنا أن “الكثير من المعتصمين لجؤوا إلى مقهى (الفرح) وأغلقوا الأبواب عليهم ونزل البعض درج قبو مبنى هاتف “القوتلي” واختبأ آخرون وراء أعمدة مبنى المحافظة والسرايا ليتم اعتقالهم وجرهم من الساحة إلى قيادة الشرطة.

ولفت أبو صلاح إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد الشهداء والمصابين أو المفقودين في تلك الليلة، فهناك من تحدث عن أرقام بالمئات وبعضهم قال لا توجد أعداد موثقة بالاسم سوى 12 شخصاً.

وروى شهود عيان من حي “الدبلان” الملاصق للساحة أن آليات النظام بقيت إلى صباح اليوم التالي وهي تنظف مكان الاعتصام من الدماء، وجزء من الناس أكد أن جرافات تابعة للنظام كانت تنقل جثث الشهداء بينما قال آخرون إن الجرافات كانت تنقل مخلفات الاعتصام من خيم وطاولات وغيرها لتنظيف مسرح الجريمة وإظهار الأمر وكأن شيئاً لم يكن.

وأكد أبو صلاح أن هناك أشخاصاً بالعشرات لا زالوا مفقودين من ليلة الاعتصام إلى الآن ولا يُعرف إن كانوا شهداء أو معتقلين، مبينا أن النظام منع أي وسائل إعلام من أن تصور الاعتصام أو المجرزة التي تلته، ولذلك لا يمكن الجزم بعدد الضحايا.

واستدرك الناشط الثلاثيني أن أعداد الأشخاص الذين قتلوا في الاعتصام ليست هي الاعتبار لأن قتل نفس كقتل ألف نفس، والنظام قتل في ساعات قليلة ألف وأربعمئة شخص في الغوطتين بهجوم الكيماوي، مضيفاً أن الصورة التي يجب أن تكون خالدة في وجدان السوريين هي الهجوم الوحشي على اعتصام سلمي مدني أمام مرأى العالم.

وأردف ان فض الاعتصام بهذه الطريقة الوحشية وقتل 9 شبان قبل الاعتصام بيوم هي جريمة حرب بكل المعايير.

في صباح اليوم التالي للمجزرة جرى تشييع لبعض ضحايا المجزرة باتجاه مقبرة “الكتيب”، وتم إطلاق الناس من قبل قوات النظام على المشيعين.

وروى أبو صلاح أن أوصال حمص كانت شبه مقطعة ذلك اليوم، فأهل المدينة لم يناموا تلك الليلة وهم يتلقون أخبار المجزرة، وكان اليوم التالي بمثابة مأتم لكل المدينة، إذ أُغلقت المحال والأسواق في الريف والمدينة على حد سواء كنوع من الإضراب والاحتجاج العفوي على ما جرى واتشحت كل أرجاء المدينة بالسواد. وختم أبو صلاح أن مجزرة الساعة شكلت الوجدان الثوري لدى الحمصيين والتشكيك فيها من خلال جدلية عدد ضحاياها بهذه الطريقة هو نكوص عن مبادئ هامة مثلت ذاكرة أهل المدينة ووجدانهم الثوري العام الرافض للنظام.

السابق
إدلب في جحيم الصراعات الدولية
التالي
ثلاث مهمات إيرانية عاجلة في العراق: النفط والجيش وحزب الدعوة