مزارع شبعا المحتلة… أسئلة عالقة بين لبنان وسورية

شمال اسرائيل

على التقاطع الحدودي بين لبنان وسورية والأراضي المحتلة إسرائيلياً، (الجولان السوري)، تقع مرتفعات مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. تلك المرتفعات لا يُستبعد أن تكون يوماً ما سبباً لحرب جديدة، يقال في الصحافة الإسرائيلية وفي الأدبيات الجديدة لـ”حزب الله” إنها ستكون شاملة. لمزارع شبعا، التي تنقسم الآراء في لبنان حول هويتها وما إذا كانت أرضاً لبنانية أم سورية في ظل تعمد النظام في دمشق عدم تسليم وثيقة تعترف بسيادة لبنان على المزارع، قصة طويلة من عمر الاستقلال، لكنها تعود إلى الواجهة من جديد خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، والذي يشمل وفق التعريف الدولي والإسرائيلي مزارع شبعا. وبالتالي تخضع المزارع للقرار الدولي رقم 497 (الذي يرفض الاحتلال الإسرائيلي للجولان)، وتحضر فيها قوات قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك “أوندوف”. ولا تندرج المزارع ضمن القرار الدولي رقم 425، والذي يقول الاحتلال الإسرائيلي إنه طبقه في العام 2000 عند انسحابه من الجنوب اللبناني، كما أن الأمم المتحدة تعتبر عملياً أن القرار طُبق.

كما أن ملف المزارع يفرض نفسه اليوم بقوة في النقاشات الداخلية اللبنانية، بعد موقف لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، قال فيه أخيراً إن “مزارع شبعا ليست لبنانية” وإنه “تم تحريف الخرائط”، مشيراً إلى “أن الحكومة السورية رفضت إعطاء لبنان الأوراق الثبوتية حول لبنانية المزارع، فكان أن بقيت السيادة مبهمة حتى هذه اللحظة”، على الرغم من “ملكية اللبنانيين للأراضي” لكن “السيادة السورية عليها شيء آخر”.

اقرأ أيضاً: جنبلاط يحرر مزارع شبعا

وتحوّل موقف جنبلاط إلى مادة سجالية، وأدى إلى توتير العلاقة مع “حزب الله” وحتى إيصال الأخير رسائل تهديد غير مباشرة لرئيس “الاشتراكي”، قبل أن يرد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، في كلمة له أمس الأول الخميس، مذكراً بكلام له يعود إلى عام 2000، قال فيه إن الدولة اللبنانية هي التي تقول إن كانت مزارع شبعا لبنانية أم لا، لافتاً إلى أن الدولة تقول منذ ذلك الوقت إن المزارع لبنانية، والحكومات تذكر ذلك في بياناتها الوزارية، ومجلس النواب يعطي الحكومات ثقة بناء على هذا. وأضاف: “الدولة اللبنانية تعتبر مزارع شبعا أرضاً لبنانية، هذا الموضوع محسوم، وبالتالي أي شخص يبدل رأيه لا يقدّم ولا يؤخر شيئاً، وليس له أي قيمة على الإطلاق، والمزارع بالنسبة إلينا هي أرض لبنانية لأن الدولة تقول ذلك”.

عملياً نجح جنبلاط في إعادة فتح النقاش حول لبنانية المزارع، في مرحلة بالغة الدقة والخطورة، فيما الدبلوماسية اللبنانية وبعد القرار الأميركي حول الجولان المحتل، لم تحرك ساكناً، باستثناء موقف لرئيس الجمهورية ميشال عون خلال القمة العربية التي عُقدت في تونس، اعتبر فيه أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، “لا يهدّد سيادة دولة شقيقة فحسب، بل يهدّد أيضاً سيادة الدولة اللبنانية التي تمتلك أراضي قضمتها إسرائيل تدريجياً، لا سيما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. والملكية اللبنانية لهذه الأراضي مثبتة بالوثائق والخرائط المعترف بها دولياً”. لكن حديث عون عن وثائق خرائط معترف بها دولياً تثبت ملكية لبنان لمزارع شبعا تتعارض مع الوقائع على الأرض.

وتعود قصة مزارع شبعا (نسبة إلى قرية لبنانية تدعى شبعا)، إلى تاريخ إنشاء الكيان اللبناني، يومها أُلحقت المزارع بلبنان، لكن سورية دخلتها تدريجياً منذ العام 1958 لضبط عمليات التهريب، وأنشأت فيها مخافر، قبل أن تحتل إسرائيل مرتفعات الجولان في العام 1967 ومن ضمنها مزارع شبعا، وبقيت كذلك حتى ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في العام 2000، بذريعة أن المزارع تابعة للجولان وليس للبنان.

وتبلغ مساحة مزارع شبعا نحو 25 كيلومتراَ مربعاً، وتضم 14 مزرعة تعود ملكيتها لمواطنين لبنانيين، ولذلك أشار جنبلاط إلى أن موضوع ملكية الأراضي مختلف دولياً عن موضوع السيادة، وبالتالي لا يمكن إثبات لبنانية المزارع عبر القول إن ملكيتها تعود للبنانيين، لا سيما أن النظام السوري يعطل أي محاولة في هذا السياق.
خلال عام 2006، في خضم السجال حول سلاح حزب الله والضرورات الكامنة في بقائه، تمسك الأخير بملف ما تبقّى من أراض لبنانية محتلة، وتحديداً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والجزء اللبناني من قرية الغجر، بوصفه الوحيد العالق مع إسرائيل، بعد إغلاق ملف الأسرى واستمرار السجال بلا نتائج حول كيفية حماية البلاد وايجاد توازن رعب يمنع الاحتلال من الاعتداء عليها، في حال تسليم الحزب سلاحه، والذي بات يعرف بـ”الاستراتيجية الدفاعية”.

يومها ضغطت قوى “14 آذار” على “8 آذار” (حزب الله وحلفائه) لتحصيل اعتراف سوري بلبنانية المزارع، بما يسمح بالتوجه إلى الأمم المتحدة وتوثيق الحق في هذه الأراضي، لكن لم تتجاوب السلطات السورية مع هذا الطرح. تحجّج نظام بشار الأسد يومها يأن هذه المنطقة يجب أن يتم ترسيم حدودها وبالتالي يجب أن يُرحّل الملف إلى ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجولان. ولم تضغط قوى “8 آذار” على نظام بشار الأسد وبقيت لبنانية المزارع غير مثبّتة، والخرائط الأممية تشير إلى سورية هذه المزارع، وإلى احتلال إسرائيل لها في العام 1967. وبالتالي أبقى الاعتراف من دون مستند رسمي يمكّن لبنان من التوجهّ إلى الأمم المتحدة وتثبيت حقه، وبالتالي نقل المعركة من الإطار العسكري إلى الإطار الدبلوماسي أولاً.
يقال في لبنان الكثير عن أسباب إبقاء هذه المنطقة عالقة ورفض سورية الاعتراف بلبنانيتها، السياق الأول يتحدث عن ضرورة عدم تجريد “حزب الله” من ورقة المزارع، إضافة إلى ضرورة إبقاء الترابط حاضراً بين الجولان وبين لبنان. يدل على ذلك ما حصل عام 2015 عندما استهدفت إسرائيل موكباً يضم قيادات إيرانية وأخرى تابعة لـ”حزب الله”، فردّ يومها “حزب الله” عبر مزارع شبعا.
وتتمتع المزارع بأهمية استراتيجية وموقع جغرافي مميز على تقاطع حدودي بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، وتضم تلالاً وقمماً تشرف على المنطقة بأكملها وبالتالي على سورية ولبنان، وتصل إحدى قممها إلى علو نحو 2600 متر، وتطل على الجولان وسهل الحولة والجليل وجبل عامل وسهل البقاع.

بسبب هذه الأهمية الاستراتيجية، أبقت إسرائيل على احتلالها للمزارع. ولطالما ردد الاحتلال أن الانسحاب من المزارع نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية والعسكرية مستحيل، لكن منذ سنوات قليلة بدأت في إسرائيل تصدر أصوات داعية إلى التخلي عنها، خصوصاً أن تسليمها للبنان لن يشكّل خطراً على الاحتلال، ويمكن من خلال هذه الخطوة سحب آخر الأوراق من يد حزب الله.

خشبة الخلاص لبنانياً وسط كل ما يحصل في المنطقة، وترابط الساحات، يكمن في النفط والغاز، تلك الثروة اللبنانية الموعودة في البحر ومن المتوقع أن يبدأ حفر أول بئر استكشافي في الأسابيع المقبلة. يعني هذا أن التركيز على الاستقرار اللبناني دولياً سيكون ضرورة، في ظل المنفعة الاقتصادية للشركات الدولية، التي تنتظر دخول قطاع النفط اللبناني. ومن هذا المنطلق أيضاً، يمكن فهم أن الإيجابية الوحيدة التي تخللت زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى لبنان في مارس/آذار الماضي، كانت في التوافق على إعادة إحياء الوساطة الأميركية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، لحل النزاع البحري المرتبط بما يُعرف بالبلوك رقم 9، على الرغم من الضغط الأميركي لفصل ملف ترسيم الحدود البحرية عن ملف الحدود البرية، إضافة إلى ما يحكى عن مسعى روسي أيضاً قريب يصب في الخانة ذاتها، خصوصاً أن روسيا أيضاً ستكون مستفيدة من النفط اللبناني الموعود. كل ذلك يعني أن مزارع شبعا قد تكون يوماً سبباً لحرب كبيرة جديدة، وقد تكون أيضاً بسبب النفط مدخلاً لحل آخر الملفات العالقة بين لبنان وإسرائيل.

وفي السياق، تقول مصادر محسوبة على قوى “14 آذار”، لـ”العربي الجديد”، إن جنبلاط تلمّس خطورة المرحلة، والتي يعاد فيها رسم حدود الدول عموماً، وباتت فيها الولايات المتحدة الأميركية أكثر وضوحاً في انحيازها لإسرائيل، وكذلك في مرحلة اصطفاف واضحة، وصراع ينذر بعواقب وخيمة بين إيران وبين الولايات المتحدة، ولبنان ليس بمنأى عنه في ظل وجود “حزب الله”، وفي ظل القرار الأميركي بمواجهة الحزب اقتصادياً. ووفق ما تقوله المصادر نفسها لا يريد حزب الله فصل مصير المزارع عن الجولان، خصوصاً في هذه المرحلة، بعد تدخّله في سورية، وفي ظل وجود قواته هناك إضافة إلى القوات الإيرانية، وفي ظل الحديث المتكرر لنصرالله عن توحّد الساحات، وعن أن أي اعتداء على أي طرف في المحور الإيراني يعني حرباً شاملة.

السابق
صوت لبنان ردا على احالة عبود أمام محكمة المطبوعات: لن يفك أحد الرابط بين الاذاعة والحرية
التالي
روسيا وعقدة المياه الدافئة