ماذا يريد حزب الله من جنبلاط؟

وليد جنبلاط
سؤال يطرح نفسه بقوة مع التطورات الأخيرة في العلاقة بين الزعيم الإشتراكي وحزب الله، حيث وصلت هذه العلاقة حد القطيعة من طرف واحد هو حزب الله على خلفية - يا للغرابة - الخلاف على معمل إسمنت الأرز لآل فتوش في عين دارة، لتصل حد الضرب تحت الحزام - إذا جاز التعبير - من قبل الوزير جنبلاط بحديثه المفاجئ عن مزارع شبعا وهويتها الجغرافية ودلالاتها السياسية في المشهد الأقليمي.

من هنا يكتسب السؤال مشروعيته خاصة وأن الحملة على جنبلاط ليست وليدة اليوم، ومن العبث ربطها بمعمل عين دارة الذي قد يكون ورقة من أوراق الضغط لكنه بالتأكيد ليس السبب.
فمحاولة تحجيم وليد جنبلاط ومحاصرته بدأت مع قانون الإنتخاب الذي أراده حزب الله وحلفائه أداةً لتحجيم الخصوم في محاولة لإختراق صفوفهم ومنعهم من إحتكار تمثيل طوائفهم والمقصود هنا تحديدا الجانبين السني والدرزي وهو ما نجح به الحزب مع تيار المستقبل بينما لم يحالفه الحظ كليا مع الحزب الإشتراكي بزعامة وليد جنبلاط الذي عرف بخبرته الطويلة في دهاليز السياسة اللبنانية وقوة ورسوخ زعامته في الجبل كيف ينسج تحالفاته الإنتخابية ليحتفظ بنوابه الدروز على الأقل في الجبل وبيروت رغم تركه مقعدا شاغرا كالعادة للنائب طلال أرسلان الأمر الذي إستغله حزب الله مدعوما بخصوم جنبلاط في أوساط العهد ليضغطوا ويجعلوه يتخلى عن وزيرا درزيا من حصته ويكسروا وحدانية تمثيله للدروز في الحكومة عبر توزير درزي محسوب على خصمه أرسلان المحسوب بدوره على حزب الله والنظام السوري أكثر مما هو محسوب ومؤثر درزيا ولبنانيا، ما أضعف بطبيعة الحال موقع جنبلاط في المعادلة وحدّ من تأثيره في الحكومة.

اقرأ أيضاً: جنبلاط خرج من «قطار التسوية» الذي يقوده نصرالله

وتوالت محاولات التحجيم والتضييق من عراضة أنصار وئام وهاب المسلحة في المختارة والتي كادت أن تتسبب بكارثة وما تبعها من أحداث الجاهلية والهمروجة المؤيدة لوهاب التي أشرف عليها حزب الله وجمع النقيضين أرسلان ووهاب ، إلى نفق دير قوبل الذي قيل بأنه كان جزء من محاولة تطويق لمناطق جنبلاط ، والذي مرت أخباره مرور الكرام في السياسة والإعلام في البلد لتصل الأمور إلى ذروتها مع قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور بإلغاء ترخيص معمل الإسمنت خاصة آل فتوش ومن وراءهم من خارج الحدود الأمر الذي حدا بحزب الله لتجميد العلاقة بين الطرفين وما إستتبعها من تصريحات حادة لجنبلاط خاصة بعد قرار مجلس شورى الدولة بإعادة العمل بترخيص المعمل، عن أن البلد بات مستباحا من قبل قوى الممانعة ، وصولا إلى تصريحاته عن مزارع شبعا.

الواقع بأن المتابع للعلاقة بين حزب الله والحزب الإشتراكي في الداخل اللبناني منذ إنعطافة جنبلاط وخروجه من تحالف قوى 14 آذار بعد الإنتخابات النيابية عام 2009 وإتخاذه لنفسه الموقع الوسطي وبات يوصف بأنه بيضة القبان في السياسة اللبنانية، قد يفاجئ بهذا الموقف من الحزب تجاه جنبلاط الذي قد يوحي بأنه قلة ثقة بمواقف الزعيم الإشتراكي أكثر منه موقفا مبنيا على تطور أو تصرف سياسي ما، فالأخير لم يظهر منه أي معاداة للحزب منذ ذلك التاريخ لا بل بالعكس فالرجل “بلع” قصة الإنقلاب على سعد الحريري وشارك بعدها بحكومة ميقاتي ولو عبر “القمصان السود” يومها ولم يتخذ أي موقف معارض لتوجهات الحزب بإستثناء بعض التصريحات الإعلامية والتي تحولت إلى كليشيهات كالحديث عن الإستراتيجية الدفاعية وضرورة حصر السلاح بيد الدولة وغيرها من التصريحات، إلى أن كانت الثورة السورية وإتخاذ جنبلاط موقف المؤيد والداعم لها بينما كان موقف حزب الله مغايراً حد التدخل العسكري إلى جانب النظام كما هو معروف.

من هنا يمكن القول أن هذا النزاع بين الطرفين ومحاولة التضييق على جنبلاط إنما هو ذو خلفية سورية واضحة، وهو ما يتجلى بمواقف حلفاء سوريا في لبنان صغارهم وكبارهم في الهجوم على وليد جنبلاط، وهو ما يوحي بأن النظام السوري لم ولن ينسى لجنبلاط مواقفه “السورية” خاصة وأن للزعيم الإشتراكي إمتداد درزي مؤيد له في سوريا وهو ما يعتبره النظام خط أحمر لا يمكن أن يقبل بتخطيه خاصة وأن له مشاكل مع المكون الدرزي الرافض بأغلبيته للخدمة العسكرية وقتال أبناء وطنه منذ الأيام الأولى للثورة، كما أن جنبلاط هو الوحيد الذي بقي خارج “حلف الأقليات” الذي إتخذ منه النظام السوري وحلفائه شعارا للظهور بمظهر الحامي للأقليات الدينية والعرقية بالمنطقة، وبقي – أي جنبلاط – ملتزما خيار الأكثرية رافضاً القتال بين أبناء طائفته وجوارهم السني.

اقرأ أيضاً: جنبلاط يحرر مزارع شبعا

من هنا فإن إدخال مزارع شبعا في السجال قد يكون نوع من رد الكرة للملعب السوري وحزب الله على إعتبار أن المطلوب إقرار رسمي سوري موثق في الأمم المتحدة بأن المزارع هي لبنانية وهو ما كان مطلوباً وممكناً منذ العام 2000 عام تحرير الجنوب وهو ما لم تقدم عليه سوريا وقتها، الأمر الذي يبدو اليوم متأخرا خاصة بعد التطورات الأخيرة وإعتراف أميركا بضم الجولان لإسرائيل وهو ما يحرج اليوم قوى الممانعة ويضعها أمام الأمر الواقع وهو العجز عن فعل شيء يذكر لتلافي الأخطر والأسوأ من التطورات .

ويبقى السؤال ماذا يريد حزب الله من جنبلاط؟ وكيف يفسر الحزب رهانه على وهاب وأرسلان ومؤخراً فتوش في “معركته” مع جنبلاط؟ وأين الحصافة في خصومة زعيم بحجم وليد جنبلاط في مرحلة من أشد المراحل صعوبة في لبنان والمنطقة؟

أسئلة كثيرة بحاجة لأجوبة مقنعة، ويبقى الرهان ربما على دور ما للرئيس بري في إعادة ربط النزاع بين الطرفين كي لا تتطور الأمور وتصل إلى ما لا تحمد عقباه، بسبب أجندات إقليمية مختلفة ومتضاربة لم يحصد لبنان منها يوما إلا المتاعب.

السابق
محمد الحجيري في كتابه «العشق السّري – المثقفون والرقص الشرقي»: الراقصات فنانات مبدعات…
التالي
في عهد وزيرة الداخلية تنتهك حقوق الإنسان في لبنان