لا صفقة تبادل بل بادرة حسن نية إسرائيلية تجاه روسيا

أفرجت إسرائيل الأسبوع الماضي عن اثنين من المعتقلين السوريين في سجونها، الإفراج لا يأتي ضمن صفقة تبادل أسرى لا مع روسيا وبالتأكيد ليس مع نظام الأسد، إنما يمثل بادرة حسن نية إسرائيلية تجاه روسيا، ردّاً على إعادة رفات ومتعلقات الجندي زخاريا بومل، كما للمضي قدماً في البحث عن رفات بقية الجنود المفقودين والجاسوس إيلي كوهين.

القصة أثارت جدلاً وردود فعل واسعة وعموماً فإن لها ثلاثة أبعاد واحد منها روسي- إسرائيلي تندرج فيه العلاقة المستجدة من خلال الروس طبعاً، بين تل أبيب ونظام أو بالأحرى بقايا نظام بشار الأسد، والثاني سياسي داخلي يتعلق بكيفية أو آلية اتخاذ نتن ياهو لقرار الإفراج عن المعتقلين بعيداً عن مجلس الوزراء، وحتى المجلس الأمني المصغّر، والاكتفاء بموافقة وزيرة القضاة والمستشار القضائي وتوقيع الرئيس روفين ريفيلين. أما البعد الثالث فيتضمن تداعيات الصفقة على العلاقة – الصراع بين إسرائيل وحركة حماس وفرص إبرام صفقة تبادل أسرى بينهما في المستقبل.

لسنا إذن أمام صفقة تبادل أسرى بأي حال من الأحوال، والقصة كلها جرت بين تل أبيب وموسكو بعيداً عن النظام – المملوك تماما لروسيا.

اقرأ أيضاً: سياسات طهران تهدّد سلامة إيران الإقليمية

القصة باختصار، كما أجمعت عليها الصحافة الإسرائيلية تتعلق بطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو عند تسليمه متعلقات الجندي باومل في احتفال مهيب بالكرملين القيام ببادرة حسن نيه تجاه روسيا لما بذلته من جهد فى البحث عن رفات ومتعلقات الجندى-قال المحلل بن كيسبيت فى موقع المومنيتور الثلاثاء الماضى إنها أرسلت جثثا على ثلاث دفعات للفحص فى إسرائيل دون أي مقابل- كما لحفظ ماء وجه الأسد ونظامه الذي خرج مهاناً من الحدث برمته، والأهم من أجل المضي قدماً في جهود الاحتلال الروسي وحفاري القبور من جنود الأسد بحثاً عن رفات الجنديين المفقودين الآخرين والجاسوس إيلي كوهين.

بوتين حسب الصحافة الإسرائيلية لم يطلب، إنما تحدث بشكل عام وأبقى الأمر رهينة نوايا – كرم – نتن ياهو الذي أخفى القصة كلها عن الإعلام، كي لا يتأثر سلباً أو يستخدمها أحد ضده في الحملة الانتخابية وكي لا يخدش احتفالية الكرملين المهيبة على شرفه، والعودة بمتعلقات وليس فقط رفات الجندي باومل، كما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي اتخاذ بادرة حسن النية منفرداً كعادته في الفترة الأخيرة بعيداً عن المؤسسات.

بوتين ليس فقط لم يطرح شروط مسبقة تجاه قصة الرفات والجثث بكاملها ، إنما قبل أيضا تأجيل البادرة إلى ما بعد الانتخابات، مع قبول المشاركة فى عراضة إعلامية لصالح نتن ياهو، خدمة لدعايته التى تحدثت عن علاقاته الديبلوماسية الناجحة والممتدة حول العالم.

كانت لافتة كذلك إشارة بن كيسبيت-المونيتور الثلاثاء 30 نيسان أبريل- إلى أن القصة كلها كانت قد بدأت نهاية العام 2015 عندما وجدت الأجهزة الأمنية الإسرائلية انفتاحا روسيا كبيرا تجاهها، فقدمت طلب البحث عن الجثث والرفات، لتجد قبولا بل حماسا روسيا دون طلب أي مقابل أو ثمن، بل حتى توصيف القصة برمتها باعتبارها إنسانية وواجبة.

طلب البادرة الإنسانية تجاه روسيا وعبرها، جاء كذلك من أجل حفظ ماء وجه نظام الأسد الذي بدا الخاسر الأكبر من القصة، بتجاهله إحراجه وفرضها عليه، بل إجبار بعض جنوده على البحث عن الجثث والرفات دون ثمن، أو حتى دون إخبارهم بحقيقة ما يقومون به. ثم إعلانها من موسكو كشأن ثنائي روسي إسرائيلي بعيداً عن النظام وأبواقه الإعلامية.

لسنا إذن أمام صفقة تبادل أسرى بأي حال من الأحوال، والقصة كلها جرت بين تل أبيب وموسكو بعيداً عن النظام – المملوك تماما لروسيا كما يقال في الإعلام الإسرائيلي – حتى لو افترضنا جدلاً حدوث صفقة فإنها هزيلة جداً.

فمقابل جثة الجندي التى تم دفع ثمن بل أثمان دموية فيها، جرى الإفراج عن مواطن سوري متهم بالإتجار بالمخدرات وتنتهى محكوميته بعد أشهر قليلة، ومناضل فلسطيني سوري قضى 14 سنة فى الأسر، وتتبقى أربعة سنوات على محكوميته، علماً أنه بادر لتنفيذ عملية ضد جيش الاحتلال في الجولان المحتل، متجاوزاً الحدود وكل الاحتياطات والتدابير التي اتخذها النظام لحماية إسرائيل حدودها.

في إسرائيل مع الإجماع على إنهاء القصة بعيداً عن النظام الذي بات مملوكاً لروسيا، وتابعاً بالكامل لها، إلا أن البادرة من ناحية أخرى تظهر وتعبر عن رغبة إسرائيلية، أو موقف مستجد بالاعتراف والتعاطي مع النظام رغم جرائمه -التي لا يرتكبها الاحتلال نفسه ضد الفلسطينيين كما يقال في إسرائيل – ولا ممانعة إسرائيلية من التعامل معه تحت السقف الروسي طبعاً ، خاصة مع قيامه بحفظ مصالح الاحتلال وأمنه وتجاهله عملياً قضية الجولان، والمساعدة أو بالحد الأدنى غض النظر عن الغارات الإسرائيلية ضد أهداف ومواقع للاحتلال الإيراني في الشهور الأخيرة.

السجال الإسرائيلي الداخلي غير ذي صلة بحيثيات القصة كلها، أي الثمن المتدني المنخفض جداً مقابل رفات ومتعلقات الجندي، مع المضي قدماً في البحث عن رفات الباقين بما فيهم الجاسوس كوهين، إنما انشغل أكثر بطريقة اتخاذ نتن ياهو لقرار الإفراج المفاجىء عن المعتقلين، وإخفائه عن الإعلام ،ثم العمل بعيداً عن المؤسسات وبشكل فردي حتى لو تم إشراك بعض المعنيين بقرار الإفراج، والاكتفاء بمن هو بحاجة إليهم مثل وزيرة القضاء إيلي شاكيد والمستشار القضائي أفيخاي مندلبليت ورئيس دولة الاحتلال روفين ريفلين.

وبالتالي فإن الانتقادات الإعلامية جاءت على خلفية المنحى المتفرد، وميل نتن ياهو إلى التصرف وحده كما لو أنه رئيس حزب حاكم فعلاً ، وسعيه لمنع أي نقاش حول المسألة حتى من قبل حلفائه المقربين.

طبعاً في النقاش الإسرائيلي ثمة بعد يتعلق بالعلاقة- الصراع مع حماس التي تقول تل أبيب إنها تحتفظ بجثث جنود، وفرص التوصل إلى صفقة تبادل أسرى معها في المستقبل، مع كسر نتن ياهو قاعدة-لجنة شامغار- بعدم الإفراج عن أحياء مقابل أموات حتى لو شكلياً، وعموماً فحماس مع كل مشاكلها وأزماتها ليست ساقطة مثل النظام، هى ترفض الكشف عن أي معلومات خاصة تتعلق بحالة ما لديها من أسرى-أحياء أو أموات قبل الوفاء والالتزام باستحقاقات صفقة شاليط السابقة، ومن جهة أخرى تسعى لصفقة تبادل أسرى جدية وتبدو مستقلة في قرارها ولا تخضع لأي ضغط أو وصاية أجنبية.

في الأخير وباختصار أكد الإفراج عن المعتقلين الأسبوع الماضي بكل خلفياته وحيثياته، عمق العلاقة والتفاهم بين الاحتلالين الروسي والإسرائيلي في سوريا، ضعف النظام وفقدانه للسيادة وتحوله إلى تابع أو مملوك للاحتلال الروسي كما يقال حرفياً فى الإعلام الإسرائيلي.

السابق
الجامعة الإسلامية.. ندوة حول «أهمية التدخل المتعدد الاختصاصات في إطار متلازمة الداون»
التالي
سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية