سياسات طهران تهدّد سلامة إيران الإقليمية

ايران

في محادثاته مع الصحفيين الأميركيين خلال زيارته الأخيرة لنيويورك، كما ورد في مجلّة النيويوركر، قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف: إن بعض خصوم إيران الإقليميين، وبخاصة إسرائيل، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، يريدون تفكّكها. وكان بإمكانه أن يضيف دولًا أخرى إلى القائمة كأذربيجان، وأفغانستان، وتركمانستان، وحتى تركيا، والعراق، على الرغم من أنهم أكثر انصرافًا عن ذلك، ولا يعبرون عن مشاعرهم المناهضة لإيران بشكل علني، في أقل تقدير على المستوى الرسمي.
فجميع الدول التي تم تسميتها أخيرًا لها مطالب إقليمية تجاه إيران. فأذربيجان تطمع في ضم محافظة أذربيجان الإيرانية إليها، تلك التي تمتد على طول الطريق إلى قزوين على بعد مئات الكيلومترات من طهران، بالإضافة إلى بعض محافظاتها الشمالية القريبة من بحر قزوين.
فمنذ استقلالها، قامت بالترويج لأسطورة أذربيجان الشمالية والجنوبية الموحدة، والتي تم فصلها عن طريق مؤامرة روسية فارسية.
كما أن إيران شنّت حربين ضدّ روسيا القيصرية من أجل الحفاظ على مقاطعات جنوب القوقاز. علاوة على ذلك، لم تكن أذربيجان معروفة بهذا الاسم حتى عام 1918، فعندما أقيمت هناك جمهورية مستقلة لفترة وجيزة اعتمدت اسم أذربيجان في ذلك الوقت، فاعترضت الحكومة الإيرانية على هذا العمل ولكن دون جدوى. وظهرت فكرة أذربيجان الشمالية والجنوبية لأول مرة خلال العصر الستاليني عندما أراد الاتحاد السوفيتي دمج مقاطعة أذربيجان الإيرانية. وعلى الرغم من هذا التاريخ، كانت دعاية أذربيجان ناجحة للغاية حيث وصلت إلى عدد متزايد من سكان أذربيجان الإيرانية… وطوال هذه الفترة، لم تكلّف إيران نفسها عناء النظر في مطالب الأذربيجانيين تجاه الأراضي الإيرانية.

اقرأ أيضاً: بالأرقام: هذه هي تأثيرات العقوبات الأميركية على الإقتصاد الإيراني

وبالنظر إلى نقاط الضعف الدولية لإيران، فإن مثل هذا الفعل من شأنه أن يولد مشاكل أكبر لطهران. وفي الواقع إن بعض الدول – مثل إسرائيل بالإضافة إلى عناصر في أمريكا – دعمت مطالب أذربيجان. كما قامت المملكة العربية السعودية بنشاط في تطوير باكو للضغط على إيران من الشمال والجنوب.
وفي حال تفككت إيران، ستستعد تركمانستان من جانبها لدمج مقاطعة جولستان، التي تضم أقلية تركمانية. كما يحلم القوميون الأتراك، وكذلك العقلانيين مهم أيضًا -على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية- في إقامة صلات إقليمية بين تركيا، وآسيا الوسطى لإنشاء كتلة تركية قوية، وهو هدف لن يتحقق إلا من خلال تفكّك إيران.
كما اتبعت تركيا أيضًا سياسة لنشر نفوذها الاقتصادي والثقافي في أذربيجان الإيرانية مع التظاهر بصداقتها لطهران. حسب ما صرّح به موقع إخباري إيراني بأن أنقرة ترغب في إنشاء قاعدة عسكرية لها في جمهورية ناخيشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي في أذربيجان، على بعد 140 كم فقط عن تبريز، وهي أهم مدينة في أذربيجان. فإذا تحققت مثل هذه القاعدة، يصبح أمن إيران مهددًا.
وحتى العراق الذي يهيمن عليه الشيعة، كان يراقب طويلاً محافظة خوزستان الإيرانية. وقد يكون هذا هو السبب في غضب العديد من الإيرانيين عندما قام الجنرال قاسم سليماني، قائد جيش القدس، بإحضار الحشد الشعبي العراقي إلى المحافظة للمساعدة في مواجهة التحديات التي تفرضها الاحتجاجات. فإذا تفككت إيران، فستدخل أفغانستان أيضًا – لتضم محافظة خراسان الإيرانية.
ومع ذلك، فإن القيادة السياسية في طهران تقلق من قيام الدولة الفلسطينية، أو وحدة أراضي سوريا، أو سيادة الأخيرة على مرتفعات الجولان أكثر من قلقها بشأن هذه التهديدات الجيوسياسية الخطيرة المحتملة لبقاء إيران الوطني.
وفي غضون ذلك، وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، اتبعت الجمهوريات الإسلامية إستراتيجية ثقافية وسياسية معادية لإيران. وحتى اليوم، يواجه الزعيم الأعلى والعديد من كبار رجال الدين والثوريين مشكلة حتى في ذكر اسم إيران أو الإشارة إلى إنجازاتها. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك لقاء رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مع المرشد الأعلى في طهران عندما تحدث عن تأثير إيران الثقافي على الهند خلال حكم المغول، في حين تحدث خامنئي فقط عن “المسلمين”.
لم يقوض النظام مفهوم إيران كمحور للهوية فحسب، بل قلّل من أهمية تاريخها كذلك. كما اتبعت سياسة واعية لتطوير الثقافات المحلية. من خلال حماية الثقافات المحلية، ولكن عندما تقترن هذه الممارسة بتقويض الثقافة الوطنية، تزداد حدة تآكل التضامن الوطني والقوميات الفرعية. وفي هذه الأثناء، اعتمد جيران إيران في بناء الدولة على القومية العرقية والثقافية وحتى الشوفينية. وخلال هذه العملية، طالبوا بجزء من التراث الثقافي، والتاريخي لإيران دون أي ردّ فعل من السلطات الإيرانية. فلا يمكن لأمة البقاء على قيد الحياة دون جوهر ثقافي صلب. ولقد أظهر التاريخ أن الدين هو غراء مهم ولكنه غير كاف للحفاظ على توحيد المجتمعات. ولولا ذلك، لما كانت كريستندوم قد اقتحمت برينسيموس وفي وقت لاحق الدول القومية والمسلمين لم ينقسموا إلى كيانات متنازعة ومتحاربة.
لقد أدى تقاعس الحكومة عن الوفاء بالاقتصاد وسياساتها الثقافية الخانقة إلى مزيد من تقويض الثقة في الحكومة المركزية وفي إيران كمحور للهوية. وفي الوقت نفسه، حقّقت البلدان المجاورة مثل أذربيجان، وتركيا تقدماً اقتصادياً كبيراً في العقود القليلة الماضية. إذ يتمتعون جميعًا بأجواء ثقافية أكثر تحرراً من جو إيران. وفي ظل هذه الظروف، تجد الدعاية المناهضة لإيران آذانًا أكثر تقبلاً بين السكان الإيرانيين. إن الهجمات التي لا هوادة فيها على إيران، إلى جانب مشاكل البلاد العديدة وعزلتها الدولية، قد أثرت على صورة مواطنيها الذاتية والاعتزاز الوطني. فبعض الإيرانيين الذين تربطهم صلات لغوية وغيرها بدول مجاورة يميلون إلى تبديل هويتهم إلى هذه الدول بدلاً من إيران.
على الرغم من ذلك، فإن المغامرات الأجنبية للقيادة الإيرانية، وسعيها الذي لا معنى له للثورة التي لا تنتهي، وسياسة خارجية قائمة على أهداف غير قابلة للتحقيق وقد أفلست البلاد تقريبًا وأدت إلى تشكيل مجموعة هائلة من الأعداء. كما أدت هذه السياسات الثقافية القمعية للنظام إلى مغادرة الشباب خارج البلاد أو الهروب إلى المنفى الداخلي. ونمو الإدمان والتصوف الهارب ما هو إلا انعكاس لهذا الاغتراب. ووفقًا لموقع إيراني، تعدّ إيران من بين أكثر عشر دول حزنًا في العالم. بسبب تاريخهم الصاخب، فلم يكن الإيرانيون أبدًا سعداء. لكن المستوى الحالي لليأس والغربة يتفاقم.
ومع ذلك، فلا تزال القيادة الثورية مهووسة بتغطية شعر المرأة، ونشر ثقافة الحداد الدائم. وتواصل متابعة مجموعة من الأولويات في سياستها الخارجية المبنية على تطلعات الإسلاميين. لقد ضحت بالمصالح الوطنية للبلاد من أجل تحرير فلسطين. ولم تسأل أبدًا عن السبب وراء ضرورة دفع إيران ثمن هذا الهدف من بين جميع الدول العربية والإسلامية، وبخاصة أن هذه التضحيات لم تؤخذها من الصداقة العربية. على العكس من ذلك، فقد ولّدت المزيد من العداء العربي وساهمت ف تشكيل تحالف بينها وبين إسرائيل ضدّ إيران.
فظريف محق في القلق بشأن نوايا خصوم إيران تجاه البلاد والمخاطر الحقيقية لتفكيكها، وخاصة في حالة المواجهة العسكرية مع أمريكا. لكن ينبغي على وزير الخارجية أن ينظر إلى الداخل أكثر لإيجاد المصدر الحقيقي للتهديدات التي تواجه الدولة القومية والدولة الإيرانية. لطالما كان لإيران الكثير من الأشخاص الذين يتمنون لها سوء العاقبة. ولكن تاريخياً، كان أكبر ضرر يلحق بالبلاد من قِبل قادتها المضللين والجاهلين وغير الأكفاء. فلقد حان الوقت لكي تنظر القيادة الإيرانية إلى نفسها وتخلص إلى ما يلي: “لقد قابلنا العدو وهو نحن”.

السابق
«خطوات نحو النجاح» ندوة لطلاب المدارس في جديدة مرجعيون
التالي
يعقوبيان تطلب الاستماع لشهادة بري والسنيورة وميقاتي وغيرهم لتبيان صحّة التُهم