ما بعد «داعش» الميدان السوري في عين العاصفة والمجابهة القادمة بين حلفاء الأمس

داعش

بعد زيارة رجب طيب أردوغان الأخيرة لموسكو، غادر الجيش الروسي الأراضي الشمالية من محافظة حلب بالقرب من مدينة تل رفعت، وكانت الشرطة العسكرية الروسية قد غادرت قبل عام تقريباً ((كانتون)) عفرين الذي سيطرت عليه تركيا بواسطة الجيش الحر وبعض المجموعات العسكرية الإسلامية المدعومة من تركيا.

وبحسب مصدر روسي مطلع، لا تخفي أنقرة نيتها التخطيط لاحتلال هذه المنطقة الممتدة حتى ضواحي مدينة حلب، ومن ثم السيطرة على مدينة ((مئزره)) حيث ما تزال هناك دوريات عسكرية أميركية. وتقضي الخطة التركية التمدد الى كل أنحاء شمال شرق سورية وصولاً الى الحدود العراقية. وبذلك يتطلع أردوغان الى السيطرة على كامل الحدود التركية – السورية على امتداد ((900كم))، وإنشاء ما يسمى بـ((المنطقة العازلة)) بعمق ((35كم)) داخل الاراضي السورية. علما ًأن الجسر الأمني التركي كما تسميه أنقرة القائم حالياً في شمال سورية في محافظتي إدلب وحلب يتجاوز عمقه الـ ((100كم)).

اقرأ أيضاً: لماذا لا تستطيع إيران إغلاق مضيق «هرمز»؟

دمشق وطهران ترفضان طبعاً هذه التطلعات التركية وتتحضران جدياً لمواجهتها. وسوف يكون هذا الأمر بنداً أولاً في جدول أعمال أستانا بين ممثلي روسيا وتركيا وإيران، المزمع عقده في الأسبوع الأخير من شهر نيسان/ ابريل الحالي. وتمهيداً للبحث في هذا الأمر تعرب إيران وحزب الله اللبناني عن نواياهما اتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها حماية سكان بلدتي نبل والزهراء السوريتين في محافظة حلب واللتين تقطنهما غالبية شيعية، من محاولة تقدم للقوات المسلحة التركية باتجاهما. ومن المعلوم ان طهران تعتبر هذه المنطقة من أهم معاقلها في الميدان السوري. وتشير المصادر الروسية في هذا المجال، الى ان ايران قد ركزت منشآتها العسكرية في هذه المنطقة والتي استهدفها الطيران الحربي للعدو الإسرائيلي في الآونة الأخيرة .
وما سوف يثار في اجتماع آستانا أيضاً حسب المصادر الروسية، تمهيداً للتسوية السياسية للأزمة السورية، وبعد التصريحات المتتالية لمختلف الأطراف المعنية بالميدان السوري حول هزيمة أكبر الجماعات الإسلامية المتطرفة ((داعش))، أنه لم يعد هناك ثمة ما يبرر الوجود العسكري التركي والإيراني وغيرهما، خصوصاً وحسب وجهة النظر الروسية، أن تركيا وإيران لم تحاربا الجماعات الإرعابية الحقيقية. وأن هزيمة ((داعش)) تحققت بشكل أساسي من خلال قوات الميليشيات الكردية السورية في الميدان، والغارات الجوية للتحالفات الدولية ((الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية ودوّل أخرى)).
وتعليقاً على هذا الوضع كتب الأكاديمي والباحث والعضو في مجلس الأمن القومي الروسي ستنسلاف ايفانوف مقالاً فيkurdistan RU ،أنه يمكن الآن لبقايا قوات الحكومة السورية ووحدات المعارضة المسلحة ((الجيش السوري الحر))، مواجهة ما تبقى من مجموعات صغيرة معزولة من الإرعابيين، وانه لم تعد هناك أي وظيفة او دور للقوات الأجنبية البالغ عديدها حوالى ((150000عنصر)) سوى دعم النظام القائم الموالي بالنسبة لإيران أو استبداله بنظام موالٍ لتركيا بالنسبة لأنقرة.
إن خصوصية اللحظة الراهنة تتمثل حسب المصدر الروسي، باستياء دمشق وطهران من اتفاق موسكو وأنقرة بشأن تصرفات القوات المسلحة التركية في سورية، وكذلك إفلات القوات الجوية الإسرائيلية من العقاب في غاراتها المتكررة على منشآت البنية التحتية للحرس الثوري الإيراني وعمليات نقل السلاح الى حزب الله.
إن ما يرغب به ويسعى إليه الأسد وحليفه الإيراني حسب المصدر الروسي نفسه، هو تحرير سورية في أقرب وقت ممكن من القوات المسلحة التركية والولايات المتحدة الأميركية، واستثمار الفوز ليس فقط على ((داعش)) وجبهة النصرة بل وكذلك على المعارضة السورية المسلحة بالعودة الى نظام الحكم في دمشق كما كان عليه قبل العام 2011، أي نظام ((علوي مع نخبة بعثية)). وان الأسد وإيران غير مهتمين بأية انتخابات ديموقراطية، ولا بأي دستور جديد، ولا بعودة ثمانية ملايين سوري نزحوا بغالبيتهم الساحقة من سورية من مناطق سيطرة النظام وحلفائه. وتدرك طهران تمام الإدراك ان أي انتخابات حرة في سورية من المرجح ان تأتي الى السلطة في دمشق بالأغلبية السنية المؤيدة للعرب، وبالتالي ستفقد حضورها في الجغرافيا السورية الى الأبد، ومن تداعيات ذلك سيكون الإضعاف الحتمي للنفوذ الإيراني في العراق وفي لبنان وفي المشرق العربي بشكل عام. فهل ستكون ايران التي تعاني من اختناق اقتصادي ومالي شديد الخطورة بفعل العقوبات الأميركية والغربية أمام مواجهة مع روسيا وتركيا في الميدان السوري بعدما أصبحت عوامل التباعد بينهم أكبر بكثير من عوامل تقاطع المصالح الذي شهدناه في السنوات الأربع الماضية؟

 

السابق
يستغلّون نظام الأسد وهو يظن أنه يستغلّهم
التالي
تاريخ بيروت الحديث.. حكاية عمر يرويها كما عاشها