لا تحزنوا يا أهل طرابلس ..العار ليس عليكم !

طرابلس
يوم إجراء الإنتخابات الفرعية في طرابلس ، تدفقت كل وسائل الاعلام التلفزيونية المحليه الى طرابلس لمواكبة مجريات هذا الاستحقاق الذي اتخذ طابعاً استثنائياً ، لسببين : أولاً : لأنه جاء عقب قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابة "ديما جمالي"، وإعادة الانتخابات لملء المقعد السُنّي الخامس الذي اصبح فارغاً، وما رشح عن هذا القرار من اعتراضاتٍ واتهاماتٍ من الطاعن والمطعون به،وثانياً بسبب الحركة السياسية النشطة التي قام بها الرئيس سعد الحريري، لتذليل كل العقبات، بغية ضمان نجاح مرشحته .

كان من نتيجة هذه الحركة، ان تحولت كل القيادات الطرابلسية واصحاب رؤوس الأموال في المدينة، الى “مفاتيح إنتخابية” تخدم في ماكينة جمالي الإنتخابية. فالكل كان يريد “تبييض” وجهه مع الحريري، وإظهار حُسن نياته تجاهه، وإثبات صدق وعده أو حِلفه أو مصالحته معه. وهكذا راح الجميع يطلق تصريحات مسالمة وزاهدة في المنافسة، ويسعى الى إقناع قواعده الشعبية المصدومة والمستاءة، بأهمية إنتخاب مرشّحة التحالف، في تمتين اواصر الثقة واللُحمة بين القوى السياسيه الطرابلسية، التي من شأنها أن تنعكس إيجاباً على مستوى التعاون في إنجاز مشاريع طرابلس الإنمائية التي هي منذ سنوات طويلة، مجرد حبرٍ على ورق، ومجرد وعود إنتخابية وشيكات بلا رصيد.

ولأنها معركة فرعية على مقعد واحد، ولأن كل الترتيبات قد تمّ اتخاذها لمنع حصول معركة حامية، فقد وجد مراسلو المحطات التلفزيونية، متسعاً من الوقت، ليجولوا في أحياء المدينة وأزقّتها وشوارعها وغرف الإقتراع الفارغة إلا من بعض الموظفين وقلة قليلة من المقترعين.

وهناك استصرحوا الناس عن مواقفهم السياسية وآرائهم في أوضاع المدينة وأحوالهم المعيشية. سألوا الغاضب واللامبالي، المشارك والمقاطع، الموالي للزعيم الى حدّ التبعية العمياء، والكافر بكل سياسي وزعيم في المدينة، الى حدُ الثورة. وكانت إجاباتهم العفوية تُنقل مباشرةً على الهواء، دون مقصّ مونتاجٍ يخفي الأدلّه على شعورهم بالغضب والقهر والإحباط .

اقرأ أيضا: الإنتخابات الفرعية في طرابلس: ديما جمالي مجرد واجهة هشّة!

في نهاية اليوم الانتخابي، كانت عدسات الكاميرا قد التقطت ووثّقت صورة محزِنة عن المدينة: إنها مدينة فقيرة ومهملة حتى العظم؛ محرومة ومهمّشة حتى النخاع؛ غاضبة ومقاطِعة حتى العصيان. من أبنائها مَن باع صوته مقابل جرّة غاز؛ ومنهم مَن باعه مقابل كيلو من اللحم؛ ومنهم مَن كان ينتظر شخصاً يأتي في اللحظات الأخيرة، ليشتري صوته؛ ومنهم مَن صرخ وشتم وأدان، معلناً توبته النصوح عن تكرار إرتكاب خطيئةِ إعادةِ إنتخاب نفس الطبقه السياسية في طرابلس، التي من شيمها أنها تعِد ولا تفي؛ تكذب ولا تصدِق؛ تغيب ولا تحضر إلا يوم الإنتخاب لتتسول أصوات الناس البسطاء.

ساعات من البثّ الحيّ  كشفت عبر أفواه الناس وشهاداتهم، عن جزء من حجم الإهمال والبؤس والاستخفاف الذي طال مدينةً اضطر نوّاب ووزراء وثلاثة من رؤوساء الحكومة الى التعاضد والتحابب من اجل الاحتفاظ بمقعدٍ نيابي فيها . فما هو يا ترى الخطر المحدق الذي استدعى تلاحمهم الطارىء؟! هل هو خشيتهم من ان يخرج وحش الفقر والبطالة والتهميش والأميّة الذي خلقوه ، ليعاقبهم في يوم الحساب ؟!

طرابلس فقيرة، وأهلها فقراء، ومن هذا الفقر، اكتسبت لقباً جديداً هو ” أُمُّ الفقير “، بعدما كانت تفاخر بلقبها الأحبّ الى قلوب أبنائها : مدينة العلم والعلماء ورائحة الياسمين وزهر الليمون. هذه حقيقة ساطعة لا أحد يمكنه إخفاءها أو إنكارها. ولكن هل هذا يعيب أهلها أو يُشينهم أو يقلل من شأنهم؟ بالطبع لا، لأنّ الفقر في طرابلس ليس خياراً ولا قضاء وقدراً، بل هو ظاهرة تفاقمت وترسخت بفعلِ فاعل.

إنه قرار إتُخذ عن سابق تصور وتخطيط من اصحاب المعالي والسعادة من أبنائها، كوسيلةٍ رخيصة لإعاده إنتاج سلطتهم . الفقر في طرابلس جريمة مُدانة ارتكبها بسلاح التدجين والترويض والاستتباع، أناسٌ معروفون بالإسم واللقب والمنصب ومكان الإقامة وكامل باقي الهُوية.

اقرأ أيضاً: اللعب على حافّة الهاوية: هكذا بدّدت الطبقةُ الحاكمة أموالَ الخزينة اللبنانية

ولذلك، إن كان هناك من يجب ان يلحقه العيب والعار، فهم نوّاب المدينة وممثلوها وقواها السياسية الذين فرحوا بفوزهم في رهانهم الإنتخابي، متجاهلين أنّ 90% من أبناء المدينة قد فرحوا أيضاً، بفضح تقصيرهم وتقاعسهم، والتشهير بتخاذلهم وفشلهم على كل الشاشات.

بعد شهادات الناس في ذلك اليوم الفضائحي الذي كشف عورات أهل السلطة، لا بدّ ان يكون الرأي العام اللبناني قد طرح السؤال التالي : هل ما زال بالإمكان تصديق أو منح الثقة لمَن أهمل شؤون أهل بيته، ورضي بتفقيرهم  وتجويعهم وإذلالهم؟!

وكيف يجرؤ مَن فعل هذا بالأقربين الذين هم أولى بالمعروف، على الطموح بأن يكون صاحب منصب رفيع في الدولة، أو نائباً عن الأمة كلها، أو رئيساً لحكومتها، خصوصاً أنّ الحكمة القديمة تردد: “مَن لا خير فيه لأهله، لا خير فيه لغيرهم”؟!

السابق
جبق الى اميركا واوروبا لمؤتمرات «صحية»!
التالي
إليسا…من التميّز إلى التكرار