الشيعة في بيروت الشرقية: ملاذ من تسلّط الأحزاب

 لقد كانت بيروت بشقها الشرقي وضاحيتها الشرقية والمناطق المتصلة بها من المتن الشمالي وجبل لبنان نقطة استقطاب للمسلمين الشيعة المهاجرين من قرى الجنوب والبقاع طلباً للقمة العيش

لقد توسع هذا النزوح قبل الحرب الأهلية حتى قُدِّر تعداد النازحين من تلك القرى إلى هذه المناطق بما يزيد عن نصف مليون شيعي كانوا يمارسون مختلف أنواع المهن وكانوا يتعايشون مع المسيحيين بسلام إلى أن وقعت الحرب الأهلية بتحريض من الأجنبي لتبُثَّ الأحقاد المذهبية بين الطوائف اللبنانية.

في تلك الحقبة لم يكن للشيعة تنظيمات مسلحة ومن كان يهوى العمل الحزبي كانت الأحزاب الموجودة تستقطبه وفي طليعتها التنظيمات الفلسطينية ومن بعدها الشيوعي والبعثي والتقدمي والقومي والاشتراكي والكتائبي والخ…

زمع اندلاع الحرب كان شباب الشيعة مداد الأحزاب جميعاً بالطاقات المقاتلة وما زالت بقايا هؤلاء موجودة في كيانات الأحزاب اللبنانية جميعاً،  واستمر الحال هكذا إلى أن بدأت فكرة الأحزاب الشيعية تتبلور على يد البعض، فكان حزبا الطلائع والنهضة ومن بعدهما حركة أمل وحزب الله.

وتكررت تجربة النزاعات الشيعية الحزبية مرتين في عهد الأحزاب الشيعية من خلال نزاع حزبي النهضة والطلائع ونزاع حركة أمل وحزب الله فبعد أن كان شباب الشيعة يُقتلون تحت لواء التنظيمات الفلسطينية والأحزاب اللبنانية غير الشيعية أصبحوا يقتلون بنزاعات شيعية شيعية! 

اقرأ أيضاً: حزب الله ومنهجية قضم نفوذ حركة أمل في لبنان

إلى أن هدى الله القوم وتوقفوا عن سفك دماء بعضهم البعض وقد انعكست كل الصراعات والحروب قبل الحرب الأهلية وبعدها على الوجود الشيعي في المناطق الشرقية المذكورة فتقلص معدل وجود الشيعة من قرابة النص مليون إلى عدد لا يتجاوز الخمسين ألف نسمة في مدة عقودٍ أربعة من الزمن تفرض ما تفرض من النمو السكاني والعددي  للشيعة خصوصاً ولسكان  لبنان عموماً.

وقد تقلصت أملاك الشيعة في المناطق الشرقية المذكورة تبعاً لكل ذلك وإن كانت أكثر الأملاك القديمة ما زالت مملوكة للشيعة في تلك المناطق ولكن الحروب والصراعات المتعددة أدت إلى تضرر الوجود الشيعي على المستوى العددي وعلى مستوى الممتلكات في الشق الشرقي لبيروت وضواحيه المذكورة.

ولكن الناحية الإيجابية للوجود الشيعي في تلك المناطق أنها متحررة نوعاً ما حالياً من قيود الأحزاب الشيعية ويمكن اعتبارها ملاذاً يأوي إليه من لا يرغب بتسلط الأحزاب الشيعية على تحركاته وعائلته.

 لذلك نجد في تلك المناطق كماً كبيراً من الشيعة المستقلين الخارجين عن سلطة الأحزاب الشيعية وغير الشيعية وإن كان الحزبيون الشيعة موجودون ولكن بسلطة أضعف مما هي عليه في المناطق الغربية لبيروت والضاحية الجنوبية والقرى والبلدات الجنوبية والبقاعية الخاضعة لسلطة الأحزاب الشيعية بشكل أكبر.

 ويجد الشيعة المستقلون المقيمون والمترددون للمناطق الشرقية هذه من بيروت متنفساً لهم من ظلم واضطهاد الأحزاب الشيعية لهم في بقية المناطق ذات الأغلبية الشيعية بيروتاً وضاحيةً جنوبيةً وجنوباً وبقاعاً.

كما يجد الشيعة المستقلون في المناطق ذات الأغلبية المسيحية متنفساً كبيراً لهم، يشعرون في ظله بنوع من الأمن والأمان بعد أحداث الظلم والاضطهاد الكثيرة المتكررة التي تعرض لها الكثير من الرموز الشيعية في مناطق نفوذ الأحزاب الشيعية في الزمن القريب والبعيد.

 فهنا وبهذا الوجود الشيعي للمستقلين من الشيعة تتحقق الوحدة الوطنية والتعايش الحقيقي الإسلامي المسيحي الذي يجب الحفاظ عليه وبقوة في هذا البلد والذي تدعو له القيادات كلها …

السابق
ايران تكشف أوراقها: سنتفق مع اميركا وإسرائيل  
التالي
الدكتور الشيخ إبراهيم العاملي يدعم المحامي فصاعي لنقابة المحامين