مليارا دولار يرسمان مصير لبنان ومن دونهما الانهيار آت!

احمد عياش

في معلومات لـ”النهار” ان الحوار الذي سيستأنفه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مع ممثلي القوى الرئيسية بشأن مشروع موازنة سنة 2019، إستكمالا للحوار الذي بدأه في بيت الوسط في 14 الجاري، جرى تأجيله الى ما بعد كلمة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء الاثنين. لكن هذا التأجيل للحوار لا يعني ان صورة الحل النهائي لملف الموازنة، ما زالت غامضة. ففي المعلومات أيضا، ان حوار بيت الوسط الاول جعل الصورة واضحة لكن مقاربتها ذهبت منذ ذلك التاريخ الى سياقات جانبية وليس الى جوهر الموازنة.
ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون صبيحة الفصح من بكركي عن “أزمة” يمرّ بها لبنان، داعيا “من ليس لديه الخبرة لإنهائها بسرعة فليتفضل إلى بعبدا ونحن نقوم بإنهائها له…”، عكس تجاذبا بين قصر بعبدا وبيت الوسط .لكن من المفيد وفق المعنيين، عدم الخوض فيه حالياً، لإنه يأخذ النقاش بعيدا عن المطلوب، علما ان شظايا كلام الرئيس عون أصابت أيضاً وزير المال علي حسن خليل الذي آثرت الجهة السياسية التي ينتمي اليها، أن تحتوي التوتر، بدلاً من إذكائه.
ماذا في جوهر ملف الموازنة الذي صار معلوما عند كل المعنيين الذين سيشاركون في القرار النهائي ويتحملون تبعاته؟

اقرأ أيضاً: لبنان… اختلاق الأزمات لإثارة الخوف والقلق..

تقول مصادر وثيقة الصلة بالبحث الجاري لإعداد الموازنة لـ”النهار”، إن الهدف الكبير من وراء موازنة تستطيع أن تخفض العجز المتمادي، يقوم على حذف ملياري دولار في موازنة هذه السنة: المليار الاول يحمل عنوان “نفقات غير مجدية”. أما المليار الثاني، فسيتم إلغاؤه من دعم الكهرباء الذي يكبّد الخزينة ملياريّ دولار سنوياً.
في البحث المعمّق الذي دار حول حذف المليار دولار الاول من نفقات الموازنة المقبلة، تطرّق للمرة الأولى إلى بند الرواتب في القطاع العام الذي يقدّر بنحو 250 الف راتب شهرياً. وقد يكون الموقف المتفجّر الذي سارع وزير الخارجية جبران باسيل الى إطلاقه غداة اجتماع بيت الوسط الاول، بقوله “إذا لم نخفض (الرواتب) فلن يعود هناك رواتب واقتصاد ‏وليرة”، عكس جانباً من الموضوع لكنه إبتعد عن التوصيف الدقيق له، وفق المصادر ذاتها. وفي السياق ذاته، وصفت المصادر كلام وزير المال بعد أيام من ذلك الاجتماع بإنه “مسّ بالمحرّم” عندما تطرّق الى “التدبير رقم 3” للعسكريين قائلا أنه “يرتب أعباء كبيرة جدا إبان التقاعد”. وعلى رغم “الجرأة” الذي تميّز به موقف الوزير خليل، فهو بدوره قارب جانبا من ملف الرواتب على حد تعبير المصادر.
أين الصورة الكاملة لقضية المليار دولار التي يمكن توفيرها من بند الرواتب وحده؟ الجواب الذي قدمته المصادر عبر “النهار” يبدأ بمثل حقيقي لراتب تقاعدي تتقاضاه حالياً أرملة رئيس مصلحة. هذا الراتب كان قبل إقرار سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام بلغ مليونيّ و400 الف ليرة شهريا.وبعد إقرار السلسلة، صار الراتب أربعة ملايين و800 الف ليرة، أي ضعف ما كان عليه قبل السلسلة. وما هو مقترح الان، ليس خفض الراتب بمعنى الغاء جزء منه، بل تأجيل سداد قسم منه لمدة 4 سنوات،وهذا القسم يبلغ وفق هذا المثل، 800 الف ليرة، فيصبح الراتب التقاعدي الذي تستوفيه الارملة شهريا 4 ملايين ليرة، على ان تتلقى ما جرى تأجيل سداده شهريا (800 الف ليرة) بعد مرور السنوات الأربع. ويشكل مبلغ ال 800 الف ليرة نسبة محددة ينطلق من مبدأ إعفاء المليون الاول من أي تأجيل، على ان يطاول ما فوق المليون، فيكبر الرقم كلما كبر الراتب. ووفق حسابات دقيقة ،لهذه المصادر، فإن الموازنة ستؤجل سداد مليار دولار من ربع مليون راتب في القطاع العام، وذلك على مدى أربع سنوات تبدأ من السنة الحالية.وإذا ما أضيف وفر مليار دولار آخر من فاتورة الكهرباء، يكون لبنان قد بدأ فعليا رحلة الخلاص من العجز ،علما ان المصادر تقول ان خلاص الموازنة من ملياري دولار سنوياً، لا يعني ان هذيّن الملياريّن سيغيبان كلياً، بل سيذهبان الى “الانفاق المجدي”.
هل هذه المعطيات تعني ان الحل لإزمة الموازنة الجديدة سيكون بسيطاً، كما بدا من المثل الوارد أعلاه؟ الجواب يتضمن نفيا ينطلق من التجاذب الذي لم يحسم حتى الآن. وتعترف المصادر بـ”شجاعة” الجانب المسيحي المشارك في الحوار مقابل التردد الذي ظهر عند الجانب المسلم. وبدا هذا التناقض من خلال الجدل حول البدء بتأجيل سداد الرواتب إنطلاقا من المليونيّن الاوليّن او أكثر ما يعني حكما خفض مبلغ المليار دولار المطلوب تأجيله.
وبناء على هذا التباين، تطل إقتراحات، مثل فرض ضريبة 10 الاف ليرة على كل صفيحة بنزين ما يمكن الحصول على مليار دولار من دون المساس بالرواتب. لكن هذا المقترح يثير جدلاً واسعاً، خصوصا ان المواطنين الذي لا يعملون في القطاع الخاص سيشملهم عبّ هذه الضريبة على رغم ان الحد الأدنى للأجور في القطاع العام صار حالياً أكثر بنحو 2 فاصل 2 من الحد الأدنى للأجور في القطاع، وذلك للمرة الأولى في تاريخ لبنان.
أسوأ الاحتمالات التي تلوح في الافق، هو الفشل في معالجة العجز في موازنة 2019 بوفر ملياريّ دولار في النفقات. وإذا أطل شبح الانهيار النقدي الذي يعني تسارع هبوط سعر صرف الليرة امام الدولار ،عندئذ لا شئ سيحول دون ان يصل سعر الدولار الى بضعة الاف من الليرات دفعة واحدة. وفي هذا السياق، تسأل المصادر: أيهما أفضل، ان يتم تأجيل سداد قسم من رواتب القطاع العام 4 سنوات، أو تنهار القدرة الشرائية نهائيا فتضيع فعالية الرواتب مهما بلغت من ملايين في الوقت الراهن؟
ما هو خطير فعلاً، وليس قولاً، ما علمته “النهار” من المصادر، هو وضع الرئيس الحريري امام إحتمالين: البقاء في رئاسة الحكومة لكيّ تنفجر الأزمة بوجوده نتيجة تعثر الوصول الى الموازنة المنشودة، أو فرض رحيله كي لا يكون حاضراً عندما تنفجر الأزمة؟

السابق
أمم للتوثيق والأبحاث في «بيت بيروت» برعاية السفارة السويسرية
التالي
الكتلة الوطنية: لمتابعة تنقية القضاء من الفساد لبناء دولة القانون