هل يدفع لبنان مجدداً ثمن مشاريع التسوية؟

طرطوس
تتسارع الأحداث في المنطقة ومن ضمنها لبنان الذي هو اليوم وبإعتراف مسؤوليه على حافة الإنهيار الإقتصادي. فالعقوبات الأميركية على إيران ستكون على موعد جديد اكثر إيلاما في أوائل شهر أيار المقبل، وإسرائيل جددت العهدة لنتنياهو المنتشي بإنتصاراته المتعددة المهداة له من كل من ترامب وبوتين، والوضع في سوريا يتجه للتعقيد أكثر فأكثر حيث تعيش مناطق النظام أزمة إقتصادية ونقص في الحاجات الأساسية وخاصة الوقود، بينما تتقاسم كل من إيران وروسيا الموانئ بعد الأرض السورية.

فبعد الحديث عن “تأجير” ميناء اللاذقية لإيران تعلن روسيا على لسان نائب رئيس وزرائها بوريسوف بعد زيارته الأسد عن “تأجير” ميناء طرطوس لها لمدة 49 عاما في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن إشتباكات على الأرض بين أنصار الطرفين الروسي والإيراني، هذا عدا عن المشكلة الأساسية بين النظام ومعارضيه وشعبه.

أما فلسطين فحدث ولا حرج، فالإنقسام الفلسطيني يزداد، تغذيه تدخلات عربية كالعادة وهناك حديث عن ترتيبات وتفاهمات برعاية مصرية بين “سلطة” حماس والعدو الصهيوني على الطريق وهو ما بدا حديثا قابلا للتصديق بعد التطورات الأخيرة بين غزة وإسرائيل عشية الإنتخابات الإسرائيلية حيث تنصلت حماس من إطلاق الصاروخ بإتجاه تل أبيب و”قبول” إسرائيل هذا التنصل. في ظل هذه الاجواء أعلن جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه للشرق الأوسط أن خطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن ستنطلق بعد رمضان يترافق كل هذا مع ضغوطات سياسية وإقتصادية يتعرض لها الأردن على خلفية وصايته على المقدسات في القدس ويشارك بها للأسف دول عربية فاعلة، مع موجة غير مفهومة من التهافت العربي والخليجي خاصة على التطبيع مع الكيان الصهيوني. في لبنان المتخبط بأزمته الإقتصادية والباحث عن حلول لها عبر مؤتمر سيدر الموعود، كالعادة يختلف اللبنانيون حول جنس “الملائكة” الذين سيتحملون عبء عجز الموازنة، هل هم البنوك والأغنياء الذين هم بغالبيتهم أصحاب السلطة، أم الموظفون البسطاء والمواطن العادي الذي بالكاد يجد قوت عياله في هذا الجو المسموم بخبريات الحرب القادمة “وما التسريبات التي ظهرت في تقرير صحيفة.

اقرأ أيضاً: مملكة نتنياهو بدعم ترامب وهدايا “أبو علي..”

“الرأي” الكويتية سوى عينة منها بغض النظر عن مصداقيتها”. هذه الإختلافات التي تؤخر إصدار الموازنة العامة للدولة في ممارسة سياسية أقل ما يقال فيها أنها عقيمة وغير مسؤولة خاصة عندما تتوسل كافة الأطراف الحديث عن الفساد ومكافحته لإظهار نفسها بأنها المدافع عن مصالح الناس، بينما هي في الواقع من “عدة الشغل” السياسي في لبنان في وقت لا يختلف فيه إثنان على أن لبنان هو في عين العاصفة نظرا لوجود سلاح حزب الله الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، فالمعركة اليوم كما هو معروف هي بين أميركا وحلفائها في المنطقة، وبين إيران التي تتزعم محور المقاومة والممانعة بإعتبارها الدولة الوحيدة في هذا المحور بعد أن دمرت بنية كل دولة تدخلت فيها وجعلت لها في كل عاصمة عربية من العواصم الأربع التي تباهت ولا زالت بسيطرتها عليها وكيلا لها ومنظمات عسكرية تأتمر بأوامر الحرس الثوري الذي وضعته أميركا مؤخرا على لائحة الإرهاب كما أن لبنان وبلا مواربة هو الحلقة الأضعف سياسيا في المنطقة من حيث توازناته الداخلية الدقيقة التي كانت ولا زالت الثغرة التي تنفذ منها التدخلات والتأثيرات الخارجية عليه، فالوضع اللبناني السياسي الداخلي اليوم هو وضع غير سوي ولا داعي للتكاذب فهو يقوم على توافق هش عنوانه ربط النزاع بين الأفرقاء الأساسيين في البلد، وهو وضع شبيه بما كان عليه الحال عشية الحرب الأهلية، يومها كان الخلاف حول السلاح الفلسطيني واليوم الخلاف حول سلاح حزب الله ووظيفته، وهذا ما يجعل الحديث عن التسويات في المنطقة يعني أن طرفا ما عليه أن يدفع الثمن وهو الطرف الأضعف سياسيا و ” الأقوى ” عسكريا من حيث وجود السلاح المعارض للتسوية على أرضه في مفارقة من مفارقات السياسة اللبنانية حيث يترافق الضعف السياسي الجماعي للبلد مع ” قوة ” عسكرية بيد أحد ألأطراف الموجودة على أرضه ما يجعله دائما عرضة لدفع أثمان التسوية أو محاولات التسوية على الأقل.

هذا ما حصل عام 1975 بعد إتفاقات فك الإشتباك بين كل من مصر وإسرائيل برعاية كيسنجر، وإتجاه النظام الرسمي العربي إلى التسوية السياسية للصراع كخيار إستراتيجي وإعلان الرئيس المصري يومها أن حرب تشرين 73 هي آخر الحروب، وكان أن إنفجر لبنان في حرب دامية كانت مرآة لمشاريع سياسية متضاربة في المنطقة بين أنصار الحل السياسي للصراع على قاعدة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار 242 الذي يدعو إلى العودة إلى حدود حرب 67، وبين جبهة الرفض العربية التي كانت تتمثل يومها بنظامي البعث في كل من سوريا والعراق، بالإضافة إلى ليبيا وطبعا منظمة التحرير الفلسطينية هذه الجبهة التي كان ما يفرق بينها أكثر مما يجمع وكان لكل من أطرافها هدفه الخاص البعيد كل البعد عن المصلحة العربية المشتركة، فكانت الحرب العبثية على ارض لبنان بسبب وجود السلاح الفلسطيني على أرضه، هذا السلاح الذي لم يكن ليتلاءم مع محاولات الحل السلمي للصراع والذي كان المطلوب إنهاؤه كما هو الحال اليوم مع تغير الوجوه والعناوين والأنظمة.

اقرأ أيضاً: ناشطة من القرداحة توجه رسالة قاسية لبشار الأسد وتسأله: سورية خربانة أنت فين؟

نقول هذا الكلام وأيدينا على قلوبنا خوفاً على بلدنا الذي هو اليوم في وضع لا يحسد عليه بعكس العام 75 حين كان يومها يسمى سويسرا الشرق، وكان لديه طبقة سياسية قادرة رغم كل التحفظات على البعض من ممارساتها ولكنها لا تقاس بما لدينا اليوم، خاصة وأن الأحداث تثبت يوما بعد يوم بأننا لم نتعلم من أخطائنا على مدى تاريخنا المعاصر التي لا زلنا نعاني من نتائجها وتداعياتها. فهل نستدرك ونراجع أنفسنا أم أن الاوان قد فات وإن ما كتب قد كتب وسندفع مرة أخرى ثمن التسويات في المنطقة؟

هذا ما ستظهره الأشهر المقبلة وليس لدينا سوى الإنتظار.

السابق
قبيسي: ننتظر موازنة تراعي مصالح الشعب والمؤسسات
التالي
الحرس الجمهوري العراقي يتدخل حول خلاف عائلي على «طبخة الفاصوليا»