حزب الله يعمل على افراغ المساجد غير الحزبية من المصلين

  ليست الصدفة هي التي جعلت حالة مئات المساجد الشيعية - في الجنوب والبقاع اللبناني كما في بيروت والضواحي - جعلتها في تدهور من العديد من النواحي من حيث تراجع مختلف ألوان الخدمات فيها من جهة النظافة من الغبار والأوساخ وخيوط العنكبوت.

من جهة أخرى تجد الكثير من هذه المساجد خالية من المصلين ومن علماء الدين ومن الخدَّام لمرافقها المتعددة، فهذه المساجد تعاني منذ عقود من الإهمال وعدم المتابعة الفعالة لمشكلاتها من جميع النواحي والجهات المذكورة فلا صلاة جماعة تقام فيها ولا دروس فقهية وغير فقهية تُلقى ولا من يُشجِّع على الصلاة والحضور فيها لإحيائها بحيث صحَّ فيها الحديثُ أنها ستشكو إلى الله يوم القيامة حيث ورد في الحديث : ” ثلاثة تشكو إلى الله يوم القيامة : مسجد لا يُصلَّى فيه وقرآنٌ لا يُقرأ به وعالمٌ بين جُهَّال “!

والكلام هو في أن هذه الحالة التي وصلت إليها هذه المساجد ليست وليدة الصدفة بل هي في إطار خطة حزبية ممنهجة يسعى فيها حزب الله لاحتواء كل أنواع التجمعات في الوسط الشيعي من دينية وغير دينية وذلك لتجنيد أكبر عدد ممكن من الناس في جبهات القتال المختلفة التي قد نوافق على بعضها ونشجع عليه ولا نوافق على البعض الآخر ولا ندعو إليه، فكل قتال شيعي شيعي داخلي وصراع على النفوذ باستخدام القوة في الوسط الشيعي نحن ضدَّه ونقاتله ونحاربه بلا هوادة .

والحزب المذكور يعمل بمنهجية على إفراغ كل المساجد التي لا تخضع لسلطته ونفوذه ويحارب كل أنواع الأنشطة في هذه المساجد ليخلو له وجه المصلين ليحتكر الحركة الدينية في مساجده فقط الخاضعة لسيطرته والتي تحولت لمراكز للتعبئة العامة الحزبية ولم تعد تهتم بالتعبئة الدينية الروحية بمقدار ما تهتم بالتعبئة الحزبية التنظيمية، فالمهم هو خضوع الشباب للقرارات التنظيمية وليس المهم ما يمكن أن يحصلوا عليه من الفقه أو يرتقوا في منازل التقوى والورع.

ومن هذا المنطلق لا يستطيع العالم الديني المستقل أن يقوم بوظائفه في مسجد من المساجد المستقلة –  فضلاً عن المأطَّرة في إطار تنظيمي – كونه سيواجه هذا الكم من العوائق والمشاكل التي قد لا يخرج منها بماء الوجه، ولا يسلم من الدعاية المضادة لتشويهه وحمله على المغادرة والاعتزال !

ولهذا تجد مئات المساجد الشيعية في قرى الجنوب وقرى البقاع وأطراف بيروت وضواحيها ليس فيها أئمة للجماعة فلا تعقد فيها صلاة الجماعة ولا تقام فيها الدروس التوجيهية والعقائدية  والفقهية، وكل ذلك على كثرة المعممين في لبنان.

فنحن لدينا فائض في عديدهم فلو تمَّ توزيع المعممين على جميع المساجد في لبنان أمكنت تغطية جميع أنشطتها بسهولة ولكن المعممين – وحتى الحزبيين – بعضهم عاجزون عن التصدي لهذه المهمة بسبب القيود الحزبية والبعض عاجزون بسبب عدم الأهلية الكاملة !

وتبقى المساجد الحزبية هي الرابح الأكبر في استقطاب المصلين بسبب سياستها التعبوية التنظيمية المشار إليها، ولو سلم العلماء الشيعة المستقلون من خطط الأحزاب هذه التي تُقيِّد الحركة الدينية في الوسط الشيعي ولو ترك المجال للعلماء المستقلين لتمكنوا من صناعة كمٍّ أكبر من المصلين والمتدينين.

فالأحزاب الشيعية استثمرت جهود كل العلماء المستقلين حتى قامت لها القائمة، وهذا الأمر واضح لمن راقب نقاط تمركز الأنشطة الحزبية الدينية الشيعية في بداية انطلاقاتها، وقد أثرت الأنشطة الحزبية على توجه الناس للعبادات المسجدية فاعتزل بسبب ذلك الكثيرون المساجد والعمل المسجدي !

فمتى تعود المساجد في لبنان لله فلا يُدعى مع الله أحد ؟

السابق
«الشيخ طفيلي» عن زيارة بري للعراق: للنجف مكانة خاصة عند الأميركيين
التالي
المتسوِّلون في الوسط الشيعي في تزايد