«الحرية»… فرصة شعوبنا الأخيرة من الجزائر إلى السودان وباقي البلدان

الجزائر
في المشهدين السوداني والجزائري اليوم، ما يحفز على القراءة والتحليل لا سيما للنخب والمهتمين على امتداد العالم والدول العربية على وجه التحديد والخصوصية.

ليس خافياً على أحد أن الثورات العربية التي شهدها العالم العربي منذ نهاية العام 2010 في اكثر من دولة عربية، احدث نوعاً من الخيبة تجاه التغيير الذي تطمح اليه الشعوب العربية في إدارة الشأن العام، وفي توفير العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وفي تحقيق مطالبها في الحرية والديمقراطية وما الى ذلك من عناوين تشكل معبراً نحو التقدم في هذا العالم الذي تخلفت فيه الدول العربية عن ركاب الدول الديمقراطية وعن الحداثة في هذا العالم.

في السودان كما في الجزائر نحن أمام مشهد مسبوق بخيبات عربية في دول الربيع العربي، باستثناء تونس التي لم تسقط في فخ الصراعات الدموية، ولا في إغراء احتكار السلطة من قبل قوى حزبية أو الجيش، ومن هذا المنطلق برز في المشهدين العربيين الافريقيين أي السودان والجزائر، نزوع واضح لدى المتظاهرين والمعترضين على السلطة في كلا الدولتين الى اعتماد الوسائل السلمية في التعبير عن مطالبهم، وأمكن بعد موجات شعبية متتالية من فرض الاستقالة أو الإقالة على رئيسي البلدين عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وعمر البشير في السودان. لكن الحراك الشعبي يبقى على رغم سماته الحضارية في التعبير والتحرك والشعارات، الا أن آلية الانتقال من حكم الحزب الواحد أو النظام الديكتاتوري، الى نظام ديمقراطي تعددي، لم تزل مجهولة وغير واضحة وتثير المخاوف من ارتكاس هذا الحراك سواء في الجزائر او السودان.

اقرأ أيضاً: بلد «المليون شهيد» الى واجهة المشهد العربي.. والغموض يلفّ مصير بوتفليقة

وقبل هذا السؤال حول الآلية التي تتيح تجاوز فخ الصراعات الداخلية في أوجهها المختلفة، ثمة واقع فرضه الحراك في هاتين الدولتين، هو أن إرادة التغيير في العالم العربي، هي إرادة حيّة وتعبر عن نفسها، وتستفيد من التجارب التي سبقت، بل أن التغيير الذي تنشده الشعوب العربية في إدارة الشأن العام، بما هو شأن متصل مباشرة بتحدي بناء دولة المواطنة، ليس ترفاً أو مؤامرة دولية أو إقليمية، أو تحرك تديره أجهزة استخبارية وتموله دول غنية، فما بات معروفا في معظم الدول العربية، ومنها الجزائر والسودان على وجه الخصوص، هو أن نحو خمسين في المئة من السودانيين أو الجزائريين هم دون سنّ الخمسة والعشرين، وأن البطالة في نسب عالية تتجاوز ربع اليد العاملة، بل أن قوافل المهاجرين تزداد نحو الخارج، على رغم الثروات الهائلة التي يتمتعان بها، فضلا عن المساحة الجغرافية التي تتجاوز 1,800,000 كم² في السودان، فيما يبلغ عدد السكان بعد الانفصال نحو 34 مليون نسمة، وكذلك الجزائر تحوز على مساحة جغرافية تبلغ 2,382,000 كم² وهي الدولة الأولى عربيا من حيث المساحة، ويبلغ عدد سكانها نحو 37 مليون نسمة.

باختصار لكي لا نطيل في تفصيل الثروات الطبيعية والامكانيات البشرية سواء على مستوى النفط او الأراضي الزراعية، فان ما يميز الحراك في السودان والجزائر، الى جانب الطابع المدني الجامع، والبعد عن النزاعات المذهبية أو الطائفية والاثنية، أنه حراك ليس مأخوذا بشعارات كبرى، فالمطالب والشعارات تتركز على مبدأ أساسي هو الحرية والديمقراطية، ومبدأ اخر متصل به يتعلق بتوزيع عادل للثروة وحسن استثمارها، أي توفير فرص العمل والإنتاج بما يكفل الحدّ الأدنى من الحياة الحرة والكريمة.

لم يخرج لا أهل السودان ولا أبناء الجزائر، من أجل مواجهة الاستعمار أو النظام العالمي الجديد، ولم يحملوا أوزار فشل أنظمة حكمهم الى الاستعمار أو لهذه الدولة الكبرى أو تلك، كما لم يشفع للرئيس الجزائري أو السوداني أنهما يقفان الى جانب القضية الفلسطينية، او ما الى ذلك من شعارات قومية وايديولوجية طالما استثمرتها أنظمة الاستبداد في سبيل تخدير شعوبها ومن أجل السلطة ولا شيء غيرها، ذلك أن الأنظمة الشمولية ولا سيما التي وصلت باسم الثورة والوحدة العربية وباسم الاشتراكية وباسم محاربة الامبريالية والصهيونية، خلصت الى أنها أنتجت أنظمة زادت في فقر شعوبها، وقصارى أحلام شبابها البحث عن فرص للحياة خارج الحدود، والتطلع الى الدول الغربية كقبلة للعيش كريم.

التخلف الذي وصلت اليه هذه الدول على مستوى إدارة الدولة وتحقيق التنمية، وتوفير شروط العدالة، يطرح إشكالية البون الشاسع الذي بات يفصل هذه الدول عن الركب الحضاري الذي حققته الدول الغربية والديمقراطية على وجه العموم، لم تتحقق الثورة الزراعية ولا الصناعية ولا الثورة التكنلوجية، في هذه الدول، كما كان الحال في الدول الغربية على وجه العموم، وهذه مسؤولية تقع في الدرجة الأولى على تلك الأنظمة التي حكمت لعقود طويلة وزادت في تخلف دولها تخلفاً، وبالتالي فان لذلك تداعيات لا يمكن تفاديها، بعد أن أمكن تأجيل انفجارها، في السودان كما في الجزائر، نحن أمام نموذجين، يؤكدان أن تحديات النهوض تفرض نفسها بقوة، وأنّ فرص اللحاق بركب الدول الحديثة ليس مستحيلاً، على رغم التخلف الاقتصادي والتنموي، ثمة وسيلة باتت هي الوحيدة بعدما استنفدت الوسائل الأخرى خلال العقود الماضية، هذه الوسيلة هي “الحرية”، تلك التي يمكن من خلالها أن نستعيد فرصة المبادرة باتجاه التطور والتقدم، فالديكتاتوريات وحكم الحزب الواحد، والاستحواذ على السلطة، نتائجه واضحة في الجزائر والسودان وقبل ذلك في بقية الدول التي طالها “الربيع العربي“.

اقرأ أيضاً: احتجاجات السودان والخلافات الداخلية في النظام

ما يمكن أن نجاري فيه الدول الحديثة، هو إحقاق الحرية، بعدما سبقتنا تلك الدول بسنوات ضوئية في قطاعات الزراعة والصناعة والتكنلوجيا، فالحرية هي المدخل المتبقي من أجل تحمل مسؤوليات النهوض بالدولة والمجتمع، من خلال توريط الجميع في مسؤولية البناء، وفي سبيل تحقيق العدالة بين الافراد وبين مكونات المجتمع والسلطة.

ما يمكن أن يتلمسه المراقب في خضم الحراك المستمر في السودان والجزائر، هو أن الدول الغربية التي تعاني من رهاب الهجرة والنزوح، ومن قلق تهديد الهويات الوطنية، هي اليوم صاحبة مصلحة في أن توقف تدفق المهاجرين اليها، لذا فان النخب معنية بالتقاط هذه الفرصة من أجل تحقيق التغيير نحو نظام ديمقراطي وعادل، فالدول الغربية عموماً، باتت متطلبة لجهة قيام دول مستقرة على تخومها وفي الشرق الأوسط وافريقيا في وجه عام، والاستقرار المقصود ليس أمنياً فحسب، بل اجتماعياً واقتصادياً، بما يتيح قيام أنظمة جاذبة لبقاء مواطنيها في وطنهم لا أنظمة طاردة لشعوبها باتجاه أوروبا وأميركا وغيرها من الدول المستقرة والغنية في هذا العالم.

السابق
ما حدود التطمينات الأميركية للبنان؟
التالي
«أبو جهاد».. مسير دائم صوب فلسطين