لائحة عقوبات أميركية بسياسيين واقتصاديين وإعلاميين لبنانيين

منير الربيع

خرج الوفد اللبناني من لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، من دون اطمئنان كافٍ للمرحلة المقبلة. صحيح أن أعضاء الوفد سمعوا تطمينات بعدم استهداف رموز لبنانية، وشخصيات سياسية بارزة، أو من الصف الأول، كالرئيس نبيه برّي مثلاً. لكن المسؤولين الأميركيين لم ينفوا أمام أعضاء الوفد، احتمال اتخاذ إجراءات جديدة ضد “المتعاملين” مع حزب الله أو “الداعمين” له. وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان واضحاً أثناء إعلانه إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب الأميركية، مشيراً أن واشنطن ستفرض عقوبات على كل من يتعامل مع حزب الله.

الأسماء جاهزة
في اللقاءات المغلقة، أكد المسؤولون الأميركيون حرص بلادهم على الاستقرار الأمني والسياسي والمالي في لبنان. لكن هذا الاستقرار يرتبط أيضاً “بعدم السكوت عن نشاط حزب الله”، و”بعدم تركه آخذاً الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني رهينة”، يحتمي خلفهما لتجنّب العقوبات. وهنا، كانت الرسالة الأميركية واضحة، أن العقوبات ستشمل كل من يرتبط بحزب الله. وهي شمولية قد ترتقي إلى سوية ما يردده بعض المسؤولين الأميركيين، حول انتفاء التمييز بين حزب الله والدولة اللبنانية.

اقرأ أيضاً: جنبلاط لـ«الجمهورية»: نرفض زيارة حارة حريك

وحسب المعلومات المؤكدة، فإن الفترة المقبلة ستشهد فرض المزيد من العقوبات على شخصيات لبنانية، سياسية واقتصادية وإعلامية حتّى، وفق ما تشير بعض المصادر الأميركية، التي تعتبر أن هذه العقوبات ستكون مفصلية، حيال كيفية التعاطي الأميركي مع لبنان مستقبلاً.

ليس بالضرورة أن تستهدف هذه العقوبات شخصيات كبيرة كالرئيس نبيه برّي، بل شخصيات معروفة وفاعلة في السياسة والاقتصاد، ولها علاقات سياسية أو مالية مع حزب الله. وحسب المصادر، فإن هذه الأسماء جاهزة وموجودة لدى الأميركيين. لكنهم يريدون اختيار التوقيت المناسب لها. وتعتبر المصادر أن تسريب إسم برّي قبل فترة، كان يهدف إلى تأكيد مدى جدية الأميركيين في الإجراءات التي سيتخذونها، ولإيصال رسالة إلى برّي بأنه عليه الابتعاد عن حزب الله، وعدم الاستمرار في تبنّي سياسته. لكن هناك قراءة لبنانية مختلفة لأسباب تسريب اسم برّي، وتتعلق بأن الأميركيين يريدون الضغط على رئيس المجلس، من أجل التراجع عن موقفه المتشدد في ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية، وإلا سيكون عرضة للعقوبات.

التفاوض على خط هوف
وينطلق الأميركيون، في هذا الضغط على بري، من قناعة لديهم بأن لا أحد فاعلاً في لبنان يعارض مسألة ترسيم الحدود، وفق الخطة الأميركية أو ما يعرف بـ”خط هوف”، إلا برّي، الذي يتبنى وجهة نظر حزب الله. ويرى الأميركيون أنه إذا وافق برّي أو أقنع الحزب على الإقدام على هذه الخطوة، فإن الضغط سيتخفف عن رئيس المجلس. كما يمكن أن يشكل ذلك مدخلاً للتفاوض مع إيران مثلاً. ويعتبر الأميركيون أن تشدد الحزب وبري وخلفهما إيران في مسألة رفض ترسيم الحدود، هو الإبقاء على هذه الورقة التفاوضية بأيديهم، لاستخدامها في حال حدوث أي تطورات. ويصل الأمر بأحد المسؤولين الأميركين إلى وصف هذه المسألة بأنها تشبه ورقة مزارع شبعا.

تطويق تركيا!
في اللقاء الذي عقده الوفد اللبناني مع ديفيد ساترفيلد، كرر الأخير مواقفه الداعية إلى ترسيم الحدود، لأن هذا الملف يرتبط بجملة ملفات أخرى، من العقوبات إلى الوضع الأمني على الحدود الجنوبية، خصوصاً أن الإسرائيليين سيكثفون أعمالهم العسكرية على مواقع تابعة لإيران وحزب الله في سوريا. وهناك من يتخوف من لجوء الإسرائيليين إلى تنفيذ ضربات عسكرية على مواقع تابعة للحزب في لبنان، خصوصاً تلك المواقع التي يدّعي الإسرائيليون أن فيها صواريخ كاسرة للتوازن. وكأن التلميح يهدف إلى إيصال رسالة لحزب الله وإيران، بأن التنازل عن بعض الملفات، والذهاب نحو المفاوضات، سيؤدي إلى تجنّب التصعيد العسكري مستقبلاً.

وتأتي الضغوط الأميركية المستمرة في ملف ترسيم الحدود، ربطاً بالعقوبات، متزامنة مع تحرك يوناني قبرصي تجاه لبنان، مع الإشارة إلى أن قبرص واليونان قد دخلتا في تفاهم استراتيجي على أنبوب الغاز مع إسرائيل. وهذا مؤشر أساسي، يسعى الأميركيون من خلاله إلى تحقيق خرق في الساحة اللبنانية، لا سيما أن ساترفيلد هو الذي يتولى حالياً هذا الملف، بينما سيتم تعيينه في الفترة المقبلة سفيراً لبلاده في تركيا، ويريد تحقيق إنجاز على هذا الصعيد قبل انتقاله إلى أنقرة. ومعلوم أن أي تلاق لبناني، قبرصي، يوناني بشكل غير مباشر مع الإسرائيليين ستكون غايته تطويق تركيا في خطوط النفط والغاز. وبذلك، يلعب بعض الأطراف في لبنان أكثر من لعبة، أولها تجنب العقوبات والرهان على انسجام روسي أميركي في مسألة الترسيم، وتخفيف الضغط عن حزب الله وإيران، مقابل تحقيق بعض المصالح الإسرائيلية، وتمرير موقف إيجابي لصالح دول الخليج، إنطلاقاً من تطويق تركيا. لكن، حسب الأميركيين، إذا لم يبد حزب الله وإيران أي مرونة حيال التجاوب مع هذه المساعي، والرضوخ للضغوط، فإن العقوبات ستتشدد أكثر، وصولاً إلى لحظة قد تنفجر فيها الأمور وتتطور إلى معركة عسكرية.

السابق
عشرات الرفات من سوريا إلى إسرائيل لفحصها.. بعلم النظام؟
التالي
كيف علّقت إليسا على تهمة المشهد الجريء على السرير في «كرهني»؟