الحرب «لن تنعاد»… لأنها مستمرة!

الحرب الاهلية اللبنانية
يوم السبت الفائت مرت الذكرى الرابعة والاربعين للحرب الاهلية المسلحة التي بدأت في الثالث عشر من نيسان عام 1975. احتفالات الذكرى هذا العام كانت قليلة مقارنة مع الاعوام الفائتة، ليس لان ذاكرتنا مثقوبة فحسب بل لان ما نعيشه اليوم اقسى بكثير من سنوات الحرب المتتالية.

حتى اللحظة لم يتفق المؤرخون على تاريخ بدء الحرب الاهلية الحديثة. يقول البعض ان تحضيراتها بدأت بعد هزيمة 1967، وبعض آخر يرى انها بدأت مع الوجود الفلسطيني المسلح عام 1969، لكن ما يتفق عليه معظم المهتمين ان 13 نيسان 1975 هو بداية الحرب المسلحة في لبنان. والنقاش مستمر حول العلاقة بين العامل الداخلي والعامل الخارجي والعلاقة الجدلية بينهما وتأثير كل منهما على تفجير الحرب الاهلية.

في ستينيات القرن الماضي، بدا ان النظام الطائفي في صيغته آنذاك والقائم على اساس الامتيازات المارونية لم يعد قادرا على تقديم الحلول المناسبة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية وخصوصا بعد نمو حركة شعبية واسعة بدت وكأنها عابرة للطوائف وجامعة لفئات اجتماعية مختلفة، تطرح اصلاحات سياسية لفتح الباب امام تغيير ديموقراطي. كانت المظاهرات الشعبية تملأ الشوارع والاضرابات تتوالى في كل مكان.لم يكن امام السلطة سوى القمع: قتل عمال غندور،مجزرة مزارعي التبغ،فصل مئات من المعلمين،قمع العمال الزراعيين في عكار،ايجاد شرخ في الحركة النقابية، ومع ذلك تصر الحركة الشعبية وقيادتها السياسية على النضال السلمي الديموقراطي من اجل التغيير. على الرغم من كل القمع الا ان احدا من الحركة الشعبية والقيادات الشعبية لم يفكر بلحظة باللجوء الى العنف في وجه عنف السلطة.

اقرأ أيضاً: هكذا نجونا في الحرب من كمين طائفي: كلنا أمة محمد!

بالمقابل كان العامل الخارجي يقتحم المشهد السياسي، عام 1967 اسرائيل تحتل ما تبقى من اراضي فلسطين التاريخبة الى جانب اراض عربية اخرى.الفلسطينيون اصحاب الارض ينتفضون ويحملون السلاح لانهم اصحاب القرار والخيار.

جربت إسرائيل ضرب السلاح الفلسطيني في الأردن وفشلت. السلاح الفلسطيني المستقل يقتحم البلدان المحيطة بالعدو الإسرائيلي، كانت الخطة الإسرائيلية، منع البديل المقاوم لها من النمو فلجأت مع حلفائها على استخدام المكونات الاجتماعية في البلدان المحيطة بها لإشعال حروب أهلية داخلية تؤدي إلى الخلاص من السلاح الفلسطيني، فكان أيلول 1970 في الأردن والذي أنهى في تموز 1971 الوجود الفلسطيني المسلح.

وفي سورية ألقى النظام السوري القبض على العامل الفلسطيني لاستخدامه في النزاع وليس لإلغائه.

وفي لبنان وضمن النزاع بين المكونات اللبنانية كان عادياً استخدام أطراف لبنانية وتحت شعارات السيادة والاستقلال والخوف من الوجود المسلح الفلسطيني خطاباً يدعو للتخلص منه، وهذا ما دفع أطراف لبنانية أخرى للدفاع عن الوجود الفلسطيني، فكانت الحرب الأهلية المسلحة لتكون ضمن خطوات إسرائيل للخلاص من الفعل الفلسطيني استناداً إلى ضعف تماسك البنية الاجتماعية اللبنانية. الحرب كانت تحت شعار رفض التوطين، ولكن من يريد التوطين، أميركا وأوروبا وإسرائيل ينوون توطين الفلسطينيين، والأطراف اللبنانية التي استخدموها كانت تقول أنها ضد التوطين. الذي منع التوطين هو رفض الفلسطينيين أنفسهم. الحرب الأهلية أدت دورها خارجياً وداخلياً.

خارجياً جرى التخلص من السلاح الفلسطيني عام 1982، وداخلياً، تعمق الانقسام العامودي بشكل حاد ما يمنع بناء شعب لبناني له مصالحه المشتركة. وينهي المساحات اللبنانية المشتركة، واليوم يشهد البلد ليس أزمة نظام محاصصة طائفي فحسب بل أزمة كيان قد تطيح به إثر استمرار الحروب في المنطقة بأشكال مختلفة، لم ينجح الهجوم الإسرائيلي، في ثمانينيات القرن الماضي بإقامة حكم لبناني موال له. مقاومة العدو الإسرائيلي مستمرة منذ ذلك الحين وبأشكال مختلفة، الآن تسعى إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع بلدان عربية عدة.

اقرأ أيضاً: 44 عاماً… «بوسطة عين الرمّانة» في مكانها

سورية الكيان تحول إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي مما يضمن لإسرائيل أمناً مستمراً بدأ عام 1974 وما زال. الوقت لا يشكل مشكلة لها.

في لبنان الانقسامات مستمرة. العقوبات على حزب الله لا يدفع ثمنها الحزب لوحده بل لبنان بأكمله، إسرائيل تنتظر، لن تقدم على إشعال حرب ضد لبنان حالياً، دع العجين يختمر. أولوياتها التطبيع مع العرب، تأكيد وجود مناطق نفوذ في سورية تؤمن لها ساحة مفتوحة. دفع أطراف لبنانية موضوعياً لمزيد من التذمر ضد العقوبات وبعد ذلك تحين الفرصة لتوجيه ضربة قاصمة إلى لبنان تؤدي وحسب رأيها إلى إقامة نظام حكم موالٍ لها. إنها خطتها تسير بهدفها وما زلنا نتخبط حول المحاصصة بين الأطراف اللبنانية.

إنها حروب مستمرة والبلد إلى مزيد من الانقسامات ولا يبدو أن الشعب سيعاد بنائه وخصوصاً بغياب حركة شعبية واحدة.

إننا في طور الانهيار مالياً واجتماعياً وسياسياً، وما زلنا نرفع شعار تنذكر ما تنعاد، إنها لن تنعاد لأنها مستمرة.

السابق
الدائرة الاعلامية في القوات: مع كل شروق وغروب للشمس يتضح تشويش أخبار الـ«أو تي في»
التالي
الانتخابات الإسرائيلية: الياس خوري يحاور جمال زحالقة ورندة حيدر