١٣ نيسان: هكذا بشرنا استاذ التاريخ بالحرب الأهلية!

الحرب الاهلية اللبنانية

كنت في الصف الرابع ابتدائي بالمدرسة صباح يوم عندما دخل استاذ التاريخ علينا مبتهجا، حتى انه لم يستطع ان يكتم فرحته امام اطفال يعيشون في ديركيفا وهي قرية جنوبية كانت تعد نائية منتصف السبعينات، فقال الاستاذ:  هل سمعتم ماذا حصل أمس في بيروت بمنطقة عين الرمانه؟ هل سمع احد منكم الاخبار؟

لم يجب احد منا نحن التلاميذ الاطفال على سؤاله، وجميعنا لم يبلغ العشرة أعوام بعد، فتابع الاستاذ والابتسامة تعلو محياه: “لقد بدأت أمس الثورة ضد النظام اليميني الماروني المعادي للمقاومة ضد اسرائيل”.

وتابع: “حزب الكتائب المعادي للمقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل، اطلق عناصره النار أمس على بوسطه يستقلها شبان فلسطينيون ولبنانيون فقتل منهم العشرات في منطقة عين الرمانة، والجيش والقوى الأمنية لم تفعل شيئا، فحمل شبابنا السلاح وبدأوا بالحرب ضد الكتائبيين وضد النظام الماروني المتحالف مع اميركا، وسوف ننتصر كما انتصر الشعب الفيتنامي على اميركا، هل تعرفون كيف انتصر الفيتناميون على اميركا؟!”.

نظرنا نحن الاطفال وحدق بعضنا ببعض مذهولين، أحد منا لم يسمع قبلا بفيتنام، اما اميركا فقد كان هذا الاسم لا نسمعه الا عند اقترانه بكلمة الافلام، أي الافلام الاميركية الشيقة التي لا نشاهدها الا في ليالي العطل والأعياد، لان عرضها يكون بأخر الليل على تلفزيون محطة قناة ال١١، في حين ان القناة ٧ كانت بنفس الموعد تعرض فيلما عربيا، وهو عادة اكثر شعبية، تفضله الامهات ربات البيوت، المستحوذات على حقوق المشاهدة ونوعية الأفلام والمسلسلات التي ينبغي ان يشاهدها اطفالهن.

وبالعودة الى سؤال استاذ التاريخ الفرح باندلاع الثورة، السؤال الذي علم هو نفسه عندما طرحه علينا اننا لا نملك جوابه، كيف انتصر الفيتناميون على اميركا؟! فأجاب نفسه ليسمعنا: “لقد انتصر عليهم الشعب الفيتنامي بالارادة والفدائية، وهو لا يملك الا الرشاشات مقابل المدافع  والدبابات والطائرات الأميركية، لقد كانوا يسقطون الطائرة الاميركية بواسطة الأشجار، أشجار الغابات!”.

أيضا لم يستطع خيالنا القاصر ان يتصور كيف يمكن ان تسقط طائرة حربية سريعة كالطائرة الاسرائيلية بهديرها المرعب التي قصفت قرية الغندورية القريبة من قريتنا قبل عام او عامين، فحدث دوي هائل وعبق الجو بالدخان وقيل ان مزرعة  الغندورية التي كانت تضم عشرة منازل حينها وموقعا للجيش اللبناني، دمرت بشكل كامل وهجر اهلها.

ايضا الجواب حول كيفية اسقاط الطائرة الاميركية المرعبة بواسطة الأشجار كان حاضرا عند استاذ التاريخ، فشرح لنا بكل جدية: ” كان الفيتناميون يربطون رؤوس الأشجار في الغابات بالحبال ويشدونها الى الارض، فيصبح جذعها مقوسا، وعندما تأتي الطائرة الاميركية لتقصفهم كانوا يفلتون الحبال فتنتصب الاشجار فحأة وتطيح بالطائرة وتسقطها”!!

خرج استاذ التاريخ من الصف وتركنا مذهولين، لم يشرح درسه ولم يقرأ علينا دروسنا كعادته، حتى اننا لم نعد نراه بعد هذا التاريخ الا قليلا، فكان المدير يأتي متثاقلا ليشرح لنا درس التاريخ مرغما، وذلك بعد ان انخرط الاستاذ العقائدي الشيوعي في القتال وغادرنا الى بيروت، ليعود جريحا بعد اسابيع، مصابا بشظايا قذيفة هاون في ساقيه، فكنا نراه في ساحة الضيعة احيانا متعكزا هو والشباب الحزبيين من اقرانه، يتابعون بشوق بواسطة راديو صغير، اخر اخبار معارك الحرب الاهلية في بيروت.

السابق
بعد إثارة قضية بيع «الطفيل».. توضيح واتهامات متبادلة
التالي
المرصد السوري: مقتل ايرانيين في غارات اسرائيل على مصياف