هكذا نجونا في الحرب من كمين طائفي: كلنا أمة محمد!

لقد تم تصحيح وتصويب بعض الوقائع التي كانت قد غابت عني حول هذه الحادثة المُرعبة وذلك من قبل الإعلامي والروائي المُتميز الصديق مُحمد العُزيّر،الذي كان رفيقاً ومنقذاً خلال هذه الرحلة التي لا تُنسى ونحن الذي عاد وجمعنا العالم الإفتراضي بعد سنوات طويلة دون أن نُدرك أو نعرف حتى أننا كنا قد سلكنا هذا الدرب المُخيف سويةً حينها، وأن مُحمد هو نفسه الذي كان مندوب السفير والذي وقف وصرخ وبشجاعةٍ نادرة وبسرعة بديهةٍ جداً مُميزة مُكبراً ومنقذاً لموقف لا أحد يتمناه لا لنفسه ولا لغيره أبداً، وأعتقد أن الذاكرة تُغفل أو تمحي وتُقفل على بعض الوقائع بأقفال مُحكمة أحياناً لشدة قساوتها وربما نوعاً من الدفاع عن النفس أيضاً فشكراً جزيلاً له.

برنامج “تحقيق” على أم تي ڤي عن ذكريات الحرب الأهلية اللبنانية هذه الليلة أعاد لي بعضاً من ذكريات الحرب التي لا تُنسى!

عندما تم إنسحاب القوات اللبنانية من دير القمر ذهبنا بمواكبة قوى الأمن الداخلي وبقيادة اللواء أشرف ريفي حينها أنا من (تلفزيون لبنان الرسمي) قسم الأخبار باللغة الإنكليزية، وزميلتي آريان من قسم الأخبار باللغة الفرنسية، وغادة من قسم الأخبار باللغة العربية، مع مُحمد زميلنا من قسم التصوير من أجل تغطية عملية الإنسحاب من قبل تلفزيون لبنان.

وفي طريق العودة هاجمنا عدد من الشبان المُسلحين بأنواع مُختلفة من الأسلحة وسكاكين وسواطير لا تخفى على أحد وأخذوا يرشقون باصات قوى الأمن الداخلي بالحجارة وفي مرحلة مُعينة تمكنوا من إجبارها على التوقف وصعدوا إليها يسألون عن أسمائنا وعن إنتماءاتنا!

اقرأ أيضاً: مصطلحات الحرب الأهلية ومتاريسها

كان جورج سمرجيان الذي غادرنا بعد ذلك بفترة مُصور جريدة النهار يجلس إلى جانب السائق وصرخ به أحدهم يسأله عن إسمه واضعاً المسدس في رأسه وكانت ردة فعل مفاجأة وشجاعة وسريعة جداً من مندوب جريدة السفير حينها مُحمد العُزيّر إحتوت الموقف المُربك والمُخيف جداً وهو الذي وقبل أن يُجيب جورج وقف وأخذ يصرخ بأعلى صوته “الله وأكبر، الله وأكبر، كلنا أمة مُحمد هنا”، مما أربك الشباب وهدأ بعضاً من روعهم وكنت أنا أجلس في المقعد الأمامي وتجلس إلى جانبي آريان. فنظر إلي أحدهم وصرخ “وأنت من وين لبنانية أم أجنبية”؟

وجدت نفسي أضحك وأضحك وأضحك بشكل خارج عن السيطرة ولا أعرف كان ذلك عن هبل أو عن خوف ولكن من المؤكد لم يكن شجاعةً كما قد يتهيأ للبعض حينها وصرخت به وبصوت أعلى من صوته “وجع يخلع نيعك، وطي صوتك وما تصرخ وما تعلي صوتك بوجهي أنا لبنانية من الجنوب”! لم تبدر منه أي ردة فعل على ردة فعلي القوية إتجاهه وأظن سبب ذلك كان كوني إمرأة أبت عليه رجولته المُسلحة أن يُعبرها وطبعاً أنا شاكرة جداً أنه لم يُعبرني وقتها ومن ثم أدار وجهه نحو آريان وصرخ بها “وأنت”؟

وهنا إرتبكت آريان اللبنانية الأرمنية لثوانٍ قليلة ومن ثم إستجمعت رباطة جأشها وصرخت به كما كنت قد فعلت أنا من قبلها وقالت له “مثل ما قالت لك زميلتي، أنا مثلها”، ونجت غادة من السؤال وهي اللبنانية المسيحية، مع أن إسمها مُحيّر ولا يوشي بذلك ونجا مُحمد مع أنه من الأكيد أن كانت لا مُشكلة معه فواضح جداً من إسمه أنه من “أُمة مُحمد” ونجونا جميعاً وسمحوا لنا بمواصلة طريقنا بعدما تأكدوا أن لا مُقاتلين بيننا!

نضحك كثيرا كلما إلتقينا أنا والزميلات والزملاء على الكثير من الحكايات التي صادفناها وحدثت معنا وهي كثيرة جداً، مع أننا نعرف تماماً أن لا شيء، لا شيء أبدا كان حينها مُضحكاً بل كان كل شيء قاسياً، صعباً ومُراً ومُخيفاً جداً مليئاً بالمخاطر والتحديات حتى أنه كانت هناك أيام أحتجزنا فيها داخل التلفزيون، وأيام كان الجيش اللبناني يوصلنا بالملالات على بيوتنا، وهناك أحداث عندما أتذكرها اكاد لا أُصدق أننا فعلاً نجونا وبقينا على قيّد الحياة ولم نُختطف ولم نُقتل، وأن كل ذلك كان مُجرد لعبة حظ ومُجرد صدفة وكان من المُمكن وبأية لحظة أن يكون عكس كل ذلك تماماً وجُل ما نحلم به وما نتمناه أن لا يعود شيئاً من أحداث ذلك الماضي البغيض أبدا!

واحدة من حكايات الحرب الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى..

السابق
مخالفات المستشفى الحكومي في صيدا… أيضاً وأيضاً
التالي
محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (3): معاناة الشيخ عبد الحسن صادق