شيعة بلاد جبيل وكسروان والعمل الحزبي

جبيل كسروان
يحرص المسلمون الشيعة والمتواجدون في بلاد جبيل وكسروان على عدم تشجيع العمل الحزبي والتنظيمي الشيعي في تلك المنطقة انسجاماً مع المحيط المسيحي الذي له أحزابه القوية في المنطقة هناك منذ قيام الكيان اللبناني الحالي قبل أكثر من سبعة عقود من الزمن..

فالشيعة في تلك البلاد لا يرون مصلحة لوجودهم الاستراتيجي أن تكون لهم صبغة حزبية وهذا الرأي هو الصحيح وهو الذي حفظ الوجود الشيعي في تلك المنطقة طيلة سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، ولعل هذه العقلية الرافضة للصبغة الحزبية هي موروثة منذ عقود عند شيعة هذه المنطقة من زمن عملهم بالتقية لما تعرضوا للإبادة والتهجير على يد صلاح الدين الأيوبي قبل قرون من الزمن لما سعى الأيوبيون لقتل الشيعة هناك تطبيقاً لفتوى ابن تيمية فكان القتل الجماعي لما يزيد عن أربعين ألف شيعي يومها!

وبعد أن كان عدد القرى والمزارع الشيعية في بلاد جبيل وكسروان يصل إلى أكثر من أربعمائة قرية ومزرعة تقلَّص عدد هذه القرى والمزارع على أثر مجازر الأيوبي ليصل إلى ما دون الأربعين بين قرية ومزرعة في زماننا الحاليز

وبذلك فالشيعة في بلاد جبيل وكسروان يعانون من الخوف المزمن والموروث نتيجة مجازر الحقبة الأيوبية فأرادوا حفظ بقاياهم في تلك البلاد باعتزال العمل الحزبي قدر الإمكان وإن كانوا يتماشون مع بعض رغبات الأحزاب المسيحية العريقة والقديمة في تلك المنطقة لتيسير أمور معاشهم وارتباطهم بالدولة وقضاء ما لهم من مصالح حيوية في دوائرها ومؤسساتها، ولحل بعض المشاكل الحياتية واليومية التي تفرضها أجواء التنوع الطائفي والديني..

اقرأ أيضاً: لماذا تأخر الشيعة عن بناء الدولة

وقد أحسنوا الاستفادة من كل ذلك في العقود الأربعة الماضية، وما زال المقيمون في تلك البلاد من الشيعة يصرون على رفض الاصطباغ بالصبغة الحزبية، وترجموا ذلك في الاستحقاقات المصيرية في كل العقود والعهود ومنها الانتخابات النيابية الأخيرة وقد بدا ذلك جلياً في السقوط المدوِّي لمرشح الأحزاب الشيعية في تلك الانتخابات وبهذا أبقى شيعة المنطقة على هذا التناغم مع القوى السياسية المسيحية القديمة العريقة في تلك البلاد حفاظاً منهم على الإرث التاريخي للوجود الشيعي فيها.

ويعد فاعلون وناشطون من شيعة بلاد جبيل وكسروان أن لا يكون للأحزاب الشيعية أي تأثير يُذكر في تلك المنطقة في الانتخابات المقبلة والاستحقاقات السياسية الآتية، فقد رأوا في تجربة هذه الأحزاب في المناطق الأخرى تجربة فاشلة لم تجلب للشيعة إلا الويلات والتقصير في الخدمات العامة والخاصة والعجز عن التوظيفات الرسمية وغير الرسمية المنتجة والمثمرة، وكل هذا في الوقت الذي يمكن للشيعي في بلاد جبيل وكسروان أن يحصل على كثير من الخدمات والتوظيفات المذكورة بالتنسيق السياسي مع القوى الحزبية المسيحية القديمة والعريقة في تلك المنطقة التي تتسم بروح التعايش الإسلامي المسيحي أكثر من أي منطقة مختلطة أخرى في لبنان ..

وقد استطاع بعض مخاتير تلك المنطقة الشيعة من تحقيق فوز ساحق على منافسيهم في الانتخابات في عقود من الزمن وفي أكثر من استحقاق وذلك بمهاجمتهم للقوى الحزبية الشيعية في تلك البلاد وبفضحهم لتجاوزاتها وتقصيراتها على كل الصُعُد، مما يؤكد رفض بلاد جبيل وكسروان للهوية الحزبية الشيعية وبذلك يمكن اعتبارها منطقة حرة في الرأي السياسي المتحرر من قيود العبودية لحزب ولاية الفقيه وحلفائه.

ومن ويلات القوى الحزبية الشيعية التي يحسن ذكرها مما ابتليت به تلك البلاد مؤخراً هي بناؤها لعشرات المجمعات الدينية الثقافية بأكلاف تصل لعشرة ملايين دولار للمجمع الواحد في الوقت الذي تفتقر تلك البلاد لمستشفى أو مستوصف إسلامي، ويتحدث بعدها المحازبون الشيعة في تلك المنطقة عن الغيرة على الناموس والعرض.

اقرأ أيضاً: محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (1): مهاجمة من لا يؤمن بولاية الفقيه

ومن ويلات السلطة الحزبية الشيعية السياسية في بلاد جبيل وكسروان – أيضاً – تنصيبها – على المنطقة هناك منذ عقود – مفتياً للسلطة من خارج المنطقة لا يؤدي أي دور يذكر لخدمة أوقافها ومراكزها الدينية ولا يساهم في أي معونة لفقرائها وأهلها ويقتصر على حضور پروتوكولي في بعض المناسبات الكبرى في الوقت الذي يصل راتبه لما يزيد عن أربعة آلآف دولار أمريكي شهرياً عدا ما يحصل عليه بعمله خارج دائرة بلاد جبيل وكسروان في الوقت الذي ينبغي أن يُعَيَّن لبلاد جبيل وكسروان مفتياً من أهلها أو ساكنيها في أضعف الإيمان ليتمكن المفتي الجعفري من متابعة ملفات مشاكل المنطقة وساكنيها عن قرب، فالناس في تلك المنطقة قد لا يرون المفتي الجعفري في بعض الأحيان في السنة كلها مرة واحدة..

هذه بعض عينات مفاسد الوجود الحزبي الشيعي والسلطة الشيعية السياسية في بلاد جبيل وكسروان، لذلك يُصرُّ الشيعة هناك على رفض الوجود الحزبي الشيعي بكل أشكاله، ويعدون بمزيد من التحرر من قيود هذا الوجود في الاستحقاقات المقبلة، لتبقى بلاد جبيل وكسروان متنفساً للشيعة المستقلين الأحرار المعتدلين كما يحلو للبعض أن يسميهم..

السابق
قاسم: حرب أميركا ضد سوريا جزء من مشروع أسرلة المنطقة
التالي
أين وكيف سيكون رد حزب الله على العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟