أميركا تتوعّد بري؟

نبيه بري

أول مشاعر من يقرأ التصريحات والتهديدات الأميركية بعقوبات على رئيس مجلس النواب نبيه بري ومسؤولين لبنانيين آخرين هذه الأيام، هي الغرابة. وهي أول مراحل الصدمة. بعدها، في التحليل، تبرز ثلاثة احتمالات. الأول أن هناك حكمة خفية أو استراتيجية طويلة الأمد أعدها خبراء البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، استعرضوا فيها السيناريوهات المحتملة للعقوبات، وخلصوا إلى أن الأسلوب المتبع هو الأنسب للتخلص من النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة.

الاحتمال الثاني أن هذه سياسة اسرائيلية صرف، كما كان قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، واعترافات أخرى مقبلة (بالضفة الغربية). وهنا أيضاً، لا تسلك إسرائيل مساراً مدروساً، بل تبدو أقرب الى مراهق وضع يده على سلاح، ورآها فُرصة سانحة لتصفية حسابات وبدأ بإطلاق النار يُمنة ويُسرى بلا حساب. لا بُعد نظر هنا ولا من يحزنون.

اقرأ أيضا: عقوبات أميركية وشيكة على نبيه برّي وحركة أمل؟

الإحتمال الثالث هو أن المسؤولين الأميركيين يرون في العقوبات دواءً شافياً لكل مشكلة، وبلغت فيهم العجرفة مكاناً باتوا يفرضونها “على صحة السلامة”. مسؤول في الخارجية الأميركية يتولى ملف العقوبات، أجاب عن سؤال لصحافي أوروبي عن صعوبة عزل “حزب الله” في ظل علاقاته اللبنانية المتشعبة، بأن لبنان يحتاج إلى علاج كيماوي. ضرب الجسد بأسره كي يسقط عنه “المرض”. هكذا وبكل بساطة. وتشبيهات المرض واستئصاله، لُغة بعثية صرفة، يبدو أنها تجد أنصاراً لها في واشنطن. حتى العلاج الكيماوي يأتي اثر فحوص وعيارات مُحددة وفهم للمرض. ينقص الإدارة الأميركية ذلك، كما يظهر من تصريحات المسؤولين فيها. تأملوا مثلاً التصريح الآتي لمسؤول في البيت الأبيض إلى صحيفة ناطقة باللغة الانكليزية:

“الحقيقة هي أن حزب الله وحركة أمل هما واحد، ونبيه بري لا يزال رجل إيران في لبنان، إنه الخط الرئيسي للدعم السياسي لحزب الله. سيزداد استهداف الولايات المتحدة الاقتصادي وعقوباتها إلى أن يذهب بري أو يتغير، وهو أمر مستبعد. طالما بقي بري في السلطة ستعاني البلاد”.

“حزب الله” و”أمل” واحد. فعلاً؟ هل الاشتباكات السنوية بين الفريقين، والكراهية المتأصلة بين عناصرهما، مسألة داخلية؟ ماذا عن حساسية “أمل” نتيجة حملة “حزب الله” على الفساد، ودخول التنظيم على خط المنافسة في الوظائف والمواقع الشيعية العامة؟ لا شك في أن الإدارة الأميركية جعلتهما واحداً بتصريحات مسؤوليها بالأمس. تحالف الثنائية الشيعية، والعصبية المذهبية المرافقة له، باتا أكثر متانة اليوم بفضل الحديث عن عقوبات على “أمل”.

حتى مراكز أبحاث أميركية قريبة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، مثل مركز السياسة الأمنية (يمين قريب من ترامب)، ومنها من تولى مسؤوليات، ينطق ببعض التعميمات الغريبة. مثلاً، كلير لوبيز، نائبة رئيس المركز، شكت من اقتصار العقوبات المرتقبة على دائرة بري: “لماذا التركيز على نبيه بري وعدم ذكر (الرئيس اللبناني) ميشال عون الذي أدخل الطائفة المارونية بأسرها الى تحالف مع حزب الله؟”. هل الطائفة المارونية بأسرها في تحالف مع “حزب الله”؟

وإذا كان وراء العصا الأميركية الغليظة “هذه الخبرات”، علينا توقع المزيد من العقوبات والإجراءات المدمرة للبلد بأسره. ذاك أن الولايات المتحدة وضعت فلسطين كلها تحت المقصلة خلال أسابيع معدودة، بدءاً من سحب التمويل الأساسي لوكالة الأونروا لاغاثة اللاجئين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وانتهاء بوقف المنح الجامعية للطلاب الفلسطينيين. وقريباً، ليس مستبعداً توقع اعترافات أميركية بالمستوطنات في الضفة الغربية، كما وعد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ناخبيه قبل يومين. هل هذا علاج كيماوي أيضاً للمرضى الفلسطينيين؟

اقرأ أيضا: لبنان يتابع الأنباء عن عقوبات أميركية قد تطال برّي

غريب جداً أن تجمع الإدارة الأميركية بين عقوبات شاملة على إيران والممثلين الأساسيين للطائفة الشيعية في لبنان، من جهة، وبين نسفها أسس السلام بين العرب والإسرائيليين، وحصار الفلسطينيين دبلوماسياً ومالياً والمساهمة في سلب حقوقهم، من جهة ثانية. ذلك أن المنطق السياسي يقضي بأن تضغط قوة مثل واشنطن على إيران بالعقوبات لتغيير سلوكها، فيما تدفع باتجاهات عملية سلام عادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لكن في واشنطن اليوم قليلاً من المنطق، وكثيراً من العجرفة والتعميم والتبسيط لمنطقة مُعقدة. يبقى أن انفجار هذه المنطقة نتيجة هذه الصفعات المتكررة، مسألة وقت.

السابق
هل تصل العقوبات الأميركية إلى عون؟
التالي
تحضيرات عربية-أميركية لإطلاق الناتو العربي